الثورة في مصر 460–454ق.م
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 548 ــ 549
2025-07-07
272
بعد انتهاء الثورة الأولى التي قامت في عهد الفُرس لم يحرم الأمراء المحليون من سلطانهم، وعلى ذلك فإنه لما قامت بلاد «لوبيا» بثورة بقيادة «أناروس Inaros » بن «بسامتيكوس Psammetichus » كان في استطاعته أن يجمع جيشًا قويًّا كما أعلنت الدلتا انحيازَها له، ولكن وادي النيل الذي كانتْ فيه الحاميةُ الفارسيةُ تقبضُ على المواقع الهامة لم يقم بفتنة، وتدلُّ شواهدُ الأحوال على أنه كان في إمكان «أخمينيس» ولي العهد أن يسحق الثورة لولا أن الأثينيين أتوا لنجدة المصريين، وكانت «أثينا» في هذا العهد في قمة مجدها وعظمتها، ولدينا وثيقةٌ شهيرةٌ لا تزال باقيةً في صور أثر يوناني أقيم لمواطني قبيلةٍ من المدينة يحمل 168 اسمًا من أسماء الأبطال الأثينيين الذين سقطوا كلهم في ميدان الشرف عام 459ق.م (وهو العام الذي أبحر فيه الأسطولُ إلى مصر) في «قبرص» و«مصر» و«فنيقيا» و«هاليس» (الواقعة في شبه جزيرة «أرجيف Argive »(، و«آجينا Aegina » و«مجارا Megara»، يضاف إلى ذلك موقعةٌ بحريةٌ أُخرى وقعت في نفس السنة، وتدعى «ككريفالا Kekryphalea»، والواقع أن مثل هذا السجل ليس له مثيلٌ إلا القليل في تواريخ أية دولة.
فقد أُرسل أسطولٌ مؤلفٌ من مائتي سفينة إلى «مصر» يحمل قوةً جبارةً للحرب برًّا وبحرًا، وقد قابلت قوة الحلفاء الجيش الفارسي عند مدينة «بابريميس Papr» الواقعةُ في الدلتا، وقد أسفرت الحربُ عن قتل «أخمينيس» وإبادة جيشه، وفي هذه الآونة تَقَابَلَ جزءٌ من الأُسطول الأثيني صدفةً مع الأُسطول الفنيقي، وأسفرت الموقعةُ عن خسارة الأخير خمسين سفينة، غرق بعضها واستُولي على بعضها الآخر، وعلى ذلك فإن الآثينيين الذين فرحوا بهذا النصر هاجموا «منف» واستولوا عليها بسرعة، غير أن المصريين كانوا لا يزالون مرابطين في قلعتها المعروفة باسم «الجدار الأبيض» وقاوموا المهاجمين من الفرس الذين اضطروا — في آخر الأمر — إلى نصب حصار منظم عليها.
وفي العام التالي؛ أي 456ق.م ظهر أسطولٌ فارسيٌّ يبلغُ عددُهُ 300000 مقاتل يعاضدُهُ أسطولٌ فنيقيٌّ مؤلفٌ من ثلاثمائة سفينة في ميدان القتال بقيادة «مجابيزوس»، وفي تلك الأثناء رفع الحلفاءُ حصارَ «الجدار الأبيض» وقابلوا العدوَّ في العراء، فهزم الجيش المصري وجرح في خلال ذلك «أناروس» وقبض عليه، وعندئذٍ تقهقرت القوةُ الإغريقية إلى الجزيرة المجاورة لبلدة «بروسوبيس Prosopis» وقاومت كل الهجمات لمدة عام ونصف عام بعد بداية عام 455 ق.م.
وفي تلك الأثناء كان الجيشُ الفارسيُّ يحاولُ تحويل فرع من فروع النيل عن مجراه، وفي يوم من الأيام سار الأُسطولُ بهذه الخدعة على اليابسة، فحرق بأيدي الإغريق اليائسين، وقد مات معظمُهُم في القتال الذي نشب بعد ذلك، أما ما بقي منهم وعددُهُم حوالي ستة آلاف مقاتل؛ فقد سلموا بشروط مشرفة وأخذوا إلى «سوسا» انتظارًا لتصديق الملك العظيم على الاتفاقية التي أُبرمت بشروط التسليم، أما الفنيقيون فإنهم قد انتقموا لأنفسهم لِمَا أصابهم من هزائمَ من قبل، وذلك بإغراق نصف نجدة من السفن الإغريقية تحتوي على خمسين وحدة كانت قد دخلت في مَصَبِّ أحد فروع النيل، وقد كان مِن جراء هزيمة الإغريق أن انتهى العصيانُ، غير أن حرب العصابات قد استمرت بنجاح بجماعة من المواطنين احتمَوا في مناقع الدلتا، وهناك أعلنوا أحد رجال أسرة «أماسيس» ويُدعَى «أميرتايوس Amyrtaeus » ملكًا على «مصر»، وإذا نظرنا إلى هذه الحملة من الوجهة الحربية فإنها تُبين لنا أنه حتى الأعداد الكبيرة من الجُنُود الإغريق كان لا يُمكنُها — حتمًا — أن تقهر الجيوش الفارسية، ومِن ثم فإنه من المحتمل لو كان «أرتكزركزس» رجلًا على خُلُق عظيم لأصبحت المستعمراتُ الإغريقيةُ التي في «آسيا الصغرى» رعايا للفرس، وكان من الممكن تهديدُ استقلال «هيلاس» بصورة جدية.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة