المبحث الثاني

اقتصاديات السياحة البيئية

أولاً- تعريف اقتصاديات السياحة البيئية

يعرف علم الاقتصاد، بأنه ذلك العلم الذي يبحث في تعظيم الإشباع من الموارد النادرة، ومن ثم فإن الاقتصاديين يعملون على وضع بدائل متعددة لاستخدام هذه الموارد النادرة، ووضع خيارات واختيارات وأولويات لاستخدام كل بديل من هذه البدائل عندما يستقر الامر على استخدامه.

بينما يُعرف اقتصاديات السياحة البيئية بأنه العلم الذي يهدف لتحقيق أقصى إشباع ممكن من الحاجات السياحية البيئية عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد السياحية البيئية المتاحة بتوفير القواعد والنظريات الاقتصادية المناسبة لذلك.

حيث يرتبط اقتصاد السياحة البيئية - مثله في ذلك مثل أي اقتصاد - باقتصاد العرض والطلب، وباقتصاديات التكلفة والعائد والمرود..... وباقتصاديات الندرة، والقدرة، واقتصاديات الحجم الصغير، واقتصاديات صناعة المزايا التنافسية.... إلا أنه يتفوق على غير من الاقتصاديات بأنه اقتصاد ذو طابع خاص اقتصاد تفاعلي كثيف، حيث يستمد خصوصيته من:

- خصوصية الممارسة السياحية البيئية.

ـ خصوصية الأداء السياحي البيئي.

ـ خصوصية التفاعل ما بين العناصر والمكونات الجزئية للنشاط السياحي البيئي.

إن هذه الخصوصية نابعة من جوانب عديدة، ومن أبعاد ممتدة، حيث يرتبط اقتصاد السياحة البيئية ارتباطاً قوياً ومباشراً باقتصاديات الحجم الصغير، من أجل توفير الراحة والهدوء، والانسجام، والتوافق البيئي، من اجل المحافظة على آليات البيئة، وعدم إصابتها بأي عطب، كما أن اقتصاد السياحة البيئية يرتبط، باقتصاد المجموعات البشرية الصغيرة العدد، وباقتصاد الجودة إنتاجاً وتسويقاً، ...كما أنه بذلك لا يعتمد على الزبائن (السواح) بقدر ما يعتمد على مدة الإقامة وطول فترة البرنامج السياحي، وهي اقتصاديات ترتبط ارتباطاً قوياً بالعناية والرعاية، واللتين توفرهما السياحة البيئية للسائح البيئي، خاصة من حيث زيادة قدرته على التكيف والتلاؤم مع متطلباتها، وإكسابه قدرة ودافعية على مواجهة الأزمات والمشاكل والعوائق التي قد يواجهها.... الخ.

فعلى سبيل المثال سوف ينمو نشاط السياحة ككل بمعدل أسرع من أي نشاط آخر، وحسب إحصاءات منظمة السياحة العالمية التي تضم في عضويتها أكثر من 140 دولة، أنه في عام 1950 كان عدد السياح حوالي 25 مليون سائح، وتزايــــد هذا العدد ليصل إلى (924) مليون سائح عام 2008 ، وتتوقع منظمة السياحة العالمية أن يصل عدد السياح في العالم عام 2010 إلى مليار سائح وأن يحقق القطاع عائدات تبلغ 1055 مليار دولار.

إن هذا يوضّح بما لا يدع مجالاً للشك إنها اقتصادية ومفيدة ونافعة للسياحة البيئية إلى أبعد حد، وأنها إلى استخدام سياسات حكومية إبداعية خلاقّة، وأنها تتسم بالذكاء، وهي سياسات قائمة على تكامل الفكر، وعلى سلامة الرؤية وعلى ثقافة الالتزام، الأمر الذي يعطي للمكان وللمقصد السياحي روحاً جذابة وهو ما يوضحه الشكل التالي:

إن السياحة البيئية، سياحة اقتصادها قائم على الفلسفة، فلسفة الإشباع للاحتياجات الإنسانية بجوانبها المادية والمعنوية، على أوسع نطاق سواء للمقاصد السياحية البيئية، أو للأماكن المختارة فيها، أو للأنشطة المراد الاستماع بها، ومن ثم هناك خمسة عوامل اقتصادية فلسفية يضمها ويحتويها النشاط السياحي البيئي وهي:

- اقتصاد فلسفة الجمال.

ـ اقتصاد فلسفة المتعة.

ـ اقتصاد فلسفة الإبداع.

ـ اقتصاد فلسفة ثقافة الالتزام.

ـ اقتصاد فلسفة ممارسة جودة الحياة.

ومن ثم فإن اقتصاديات العرض والطلب، والعائد والتكلفة، قد يترتب عليها أضرار كما يترتب عليها منافع، أما اقتصاد السياحة البيئية فهو خال من الضرر، وذلك بحكم الظواهر والعلاقات التي تتم تحت السيطرة والتحكم للمحافظـة علــى سلامة البيئة وعلى صحتها وحيويتها، سواء من الالتزام للسائحين، أو الحكومــــات المضيفة، أو منظمي الرحلات السياحية، أو من جانب العاملين في قطاع السياحة ⁽¹⁾.

وعلى الرغم من أن اقتصاديات السياحة والبيئة، اقتصاديات قائمة على فهـــم وإدراك ذكي لطبيعة العلاقات المتشابكة والمتداخلة لمختلف عوامل الإنتاج: الأرض، والعمل، ورأس المال، والإدارة، والتكنولوجيا، وهني التي تؤثر على ممارسة النشاط السياحي، وعلى البيئة ومواردها .... إنها اقتصاديات ذات طابع تشابكي، وتداخلي، وتفاعلي. وهي اقتصاديات قائمة على صناعة المزايا التنافسية، وهي اقتصاديات تعتمد على التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وهي عملية إدارية شاملة Comprehensive Management ، ومن ثم يتم الوصول بالمقصد السياحي إلى مزايا تنافسية عالمية International Competitive Advantages تميزه عن المقاصد السياحية البيئية الأخرى.

ومن هنا فإن اقتصاديات السياحة البيئية وإن كانت تختلف من مقصد سياحي بيئي معين، إلى مقصد سياحي آخر، وذلك تبعاً لاختلاف الحاجات والرغبات القادر على إشباعها، واختلاف توقعات السائحين من هذا المقصد، ومن اختلاف المنافع التي يحققها للسائحين.

هذا وتكتسب السياحة البيئية اقتصادياتها من اقتصاد الأنشطة السياحية التي يضمها البرنامج السياحي البيئي، سواء كانت أنشطة: الأمانة والإيواء، أو نشاط التغذية والمطاعم، أو نشاط الرياضة مثل ملاعب الجولف، أو نشاط الترفيه وقضاء الوقت والتسلية، أو نشاط الشراء للهدايا والاحتياجات أو أنشطة ممارسة الرياضة البدنية والروحية، أو أنشطة حمامات السياحية، أو أنشطة الخدمات الشاطئية. 

ومن هنا ارتبطت السياحة البيئية بعدة عناصر، أهمها عناصر التأثير المتبادل بين هذا النشاط والأنشطة الأخرى، وعلاقات الارتباط القائمة بين بعضها وبعض، وتأثير كل منها في الآخر، وتأثرها بالآخر، ثم تأثير كافة العناصر على البيئة وعلى الصحة البيئية. فالاقتصاد فاعل في البيئة، والبيئة فاعلة في الاقتصاد، وكلاهما متفاعل مع الآخر، وإذا كان الفعل جيداً وإيجابياً، وصحيحاً، فإن رد الفعل سيكون مطابقاً له وسليماً أيضاً، ومن ثم تتحقق التنمية الفاعلة المستدامة بشكل ميسور.  

لقد حرص الاقتصاد على أن يجعل من النشاط السياحي بصفة عامة، ومن السياحة البيئية بصفة خاصة إحدى الدعامات الرئيسية لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، فالسياحة البيئية بوصفها ووضعها وضوابطها تعد الإدارة الجيدة التي تستخدم في تحقيق الصحة والسلامة البيئية وتضمن أيضاً التنمية المتواصلة، ومن ثم يعمل الاقتصاد على دعم المواقف الايجابية تجاه قضايا البيئة ومكافحة التلوث الذي يحدث فيها، وتدعيم وتقديم الحوافز اللازمة لإجراء التغيير والتطوير اللازم في كافة المنشآت السياحية لتصبح صديقة البيئة، وتعديل السلوك الإنساني بما يتوافق مع اعتبارات البيئة في الوقت ذاته، وتنمية ثقافة الأفراد وتوعيتهم تجاه كــل من السياحة من جانب والبيئة من جانب آخر ليصبحا وجهين لعملة واحدة، هي السياحة البيئية. ومن ثم هناك مسؤوليات كبرى تقع على عائق كل من الاقتصاد، وعلى ممارسي النشاط البيئي للقيام بدور مؤثر في المجتمع، وتخطيطه وتنظيمه وتوجيهه لخدمة أهداف السياحة البيئية، وتطوير وتحديث برامجها والحفاظ على آمن وسلامة البيئة. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يشمل ذلك بالطبع كافة الأنشطة التي تتكون منها عملية السياحة والسفر، خاصة النقل والمواصلات، ومحال الإقامة والإيواء والإعاشة، من مطاعم ومحلات لتقديم الطعام والشراب ووسائل الترفيه والتسلية وتيسيرات الأنشطة وخدمات الضيافة والإرشاد.

اخر الاخبار

اخبار العتبة العباسية المقدسة

قسم المشاريع ينتهي من نصب شاشات عرض في باب القبلة والصحن الشريف استعدادًا لمراسم تبديل الراية

جامعة الكفيل تنشر لافتات السواد استعدادًا لاستقبال شهر المحرّم الحرام

استعدادًا لشهر المحرم الحرام.. قسم الصيانة ينهي أعمال صيانة الإنارة الخاصة بالصحن الشريف وتبديلها

قسم الشؤون الفكرية يقيم ندوة علمية حول إسهامات العتبة العباسية المقدسة في تطوير البحث الأكاديمي في نيجيريا

المزيد

الآخبار الصحية

دراسة تكشف علاقة خطيرة بين عمر الأم وصحة مولودها

دراسة تحذر.. اضطراب نوم بسيط قد يسبب الموت المبكر ؟

الاستحمام بالماء الساخن.. راحة مؤقتة وأضرار دائمة للبشرة

ماذا يحدث للجسم عند تخطي وجبة الإفطار؟

المزيد

الآخبار التكنلوجية

كيف تساعد الصيانة الوقائية في الحفاظ على كفاءة التكييف في سيارتك ؟

في ظاهرة غريبة حيرت العلماء.. كوكبنا قد يسجل أقصر يوم في التاريخ هذا الصيف!

السد الصيني العملاق يعيق دوران الأرض ويغيّر شكلها ؟

السعودية تطلق 10 تجارب علمية إلى محطة الفضاء الدولية

المزيد

مواضيع ذات صلة

الجوانـب الاساسيـة لاقتصاديـات السياحيـة البيئيـة

أهـداف وأهميـة السيـاحـة البـيئيـة

ضـرورة السيـاحـة البيـئيـة

عنـاصـر السيـاحـة البيئـيـة

تعريف السائح البيئي وخصائصه ومراحل السياحة البيئية

مـفهـوم السيـاحـة البيئيـة ومـعاييـرهـا

التنمية السياحية وعلاقتها بالتنمية السياسية والاجتماعية

الهدف العام من نظام GIS في النشاط السياحـي

أهمية دور منظمة السياحة في تفعيل النشاط السياحي

العوامل التي تؤثرعلى طلب جمهور السائحين لخدمات الدولة السياحية وخصائصها

التنميـة السياحيـة وعلاقتـها بالتنميـة الاقتـصاديـة

تـجارب التنـميـة السيـاحـيـة