فضل العترة على سائر الناس
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 4 ص386-389.
2025-06-17
608
فضل العترة على سائر الناس
قال تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى } [طه : 132 - 135].
قال الريان بن الصلت : حضر الرضا عليه السّلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان - وساق الحديث إلى أن قال - فقال المأمون : هل فضّل اللّه العترة على سائر الناس ؟
فقال أبو الحسن عليه السّلام : إنّ اللّه تعالى فضّل العترة على سائر الناس في محكم كتابه ».
فقال له المأمون : وأين ذلك من كتاب اللّه ؟
فقال الرضا عليه السّلام : « في قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [آل عمران: 34] ، وقال عزّ وجلّ في موضع آخر : {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } [النساء: 54] ثمّ ردّ المخاطبة في أثر هذا إلى سائر المؤمنين ، فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء : 59] يعني الذين يرثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليها ، فقوله تعالى : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، فالملك ها هنا هو الطاعة لهم ».
قالت العلماء : فأخبرنا : هل فسّر اللّه تعالى الاصطفاء في الكتاب ؟
فقال الرضا عليه السّلام : « فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا - وساق الحديث بذكر المواضع إلى أن قال - وأمّا الثانية عشر ، فقوله عزّ وجلّ : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها فخصصنا اللّه تعالى بهذه الخصوصية ، إذ أمرنا مع الأمّة بإقامة الصلاة ثمّ خصصنا من دون الأمّة ، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يجيء إلى باب عليّ وفاطمة ( صلوات اللّه عليهما ) ، بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر ، كل يوم عند حضور كلّ صلاة ، خمس مرات ، فيقول : الصلاة رحمكم اللّه ، وما أكرم اللّه أحدا من ذراري الأنبياء عليهم السّلام بمثل هذه الكرامة بها وخصصنا من دون جميع أهل بيتهم » .
فقال المأمون والعلماء : جزاكم اللّه - أهل بيت نبيّكم - عن هذه الأمّة خيرا ، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبه علينا إلّا عندكم « 1 ».
وقال علي بن إبراهيم أيضا : قوله تعالى : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ أي أمّتك وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى قال :
المتقين ، فوضع الفعل مكان المفعول .
قال : وأمّا قوله : قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا أي انتظروا أمرا « 2 ».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : « نحن - واللّه - سبيبل اللّه الذي أمر اللّه باتّباعه ، ونحن - واللّه - الصراط المستقيم ، ونحن - واللّه - الذين أمر اللّه العباد بطاعتهم ، فمن شاء فليأخذ من هنا ، ومن شاء فليأخذ من هناك ، ولا تجدون واللّه عنّا محيصا » « 3 ».
وقال أبو جعفر عليه السّلام في قوله تعالى : فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى .
قال : « عليّ عليه السّلام صاحب الصراط السويّ وَمَنِ اهْتَدى أي إلى ولايتنا أهل البيت » « 4 ».
وقال زرّ بن حبيش : سمعت أمير المؤمنين ( صلوات اللّه عليه ) يقول :
« إذا دخل الرجل حفرته أتاه ملكان ، اسمهما : منكر ونكير ، فأوّل ما يسألانه عن ربّه ، ثم عن نبيّه ، ثم عن وليّه ، فإن أجاب نجا ، وإن تحيّر عذّباه » .
فقال رجل : فما حال من عرف ربّه ونبيّه ، ولم يعرف وليّه ؟ قال « مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ} [النساء : 88] ، فذلك لا سبيل له .
وقد قيل للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : من ولي اللّه يا نبي اللّه ؟
فقال : وليّكم في هذا الزمان علي عليه السّلام ومن بعده وصيّه ولكل زمان عالم يحتجّ اللّه به ، لئلا يكون كما قال الضّلال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم :
رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى ، بما كان من ضلالتهم وهي جهالتهم بالآيات وهم الأوصياء ، فأجابهم اللّه عزّ وجلّ : قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى .
وإنّما كان تربصهم أن قالوا : نحن في سعة من معرفة الأوصياء حتى نعرف إماما ، فعيّرهم اللّه بذلك ، فالأوصياء هم أصحاب الصّراط ، وقوفا عليه لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه ، لأنّهم عرفاء اللّه عزّ وجلّ ، عرّفهم عليهم عند أخذه المواثيق عليهم ، ووصفهم في كتابه ، فقال عزّ وجلّ : الْأَعْرافِ {رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف : 46] ، وهم الشهداء على أوليائهم والنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الشهيد عليهم ، أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة ، وأخذ النبيّ عليهم الميثاق بالطاعة ، فجرت نبوّته عليهم ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا } [النساء : 41، 42] » « 5 ».
____________
( 1 ) عيون أخبار الرضا عليه السّلام : ج 1 ، ص 228 ، ح 1 .
( 2 ) تفسير القميّ : ج 2 ، ص 66 .
( 3 ) تفسير القميّ : ج 2 ، ص 66 .
( 4 ) تأويل الآيات : ج 1 ، ص 323 ، ح 25 .
( 5 ) مختصر بصائر الدرجات : ص 53 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة