الماء كله طاهر ومطهر بالكتاب والسنة والضرورة من الدين، وانما ينجس باستيلاء النجاسة عليه لا غير، وفاقا للعماني، للنصوص المستفيضة، منها الحديث المشهور المروي من الطرفين بعدة طرق: خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (1)
وفي بعضها: كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب، وإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ ولا تشرب (2).
وفي بعضها: إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح فتوضأ (3) أي ريح الجيفة.
وسئل عن الحياض يبال فيها قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول (4).
ومنها الحسن: عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغترف به ويداه قذرتان. قال: يضع يده ويتوضأ ويغتسل، هذا مما قال اللّه عز وجل (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (5).
ولانه لو انفعل شيء منه بدون ذلك لاستحال ازالة الخبث به بوجه من الوجوه، والتالي باطل بالضرورة من الدين، وذلك لان كل جزء من أجزائه الوارد على المحل النجس إذا لاقاه نجس وما لم يلاقه لم يطهره.
والفرق بين وروده على النجاسة وورودها عليه تحكم كما أشرنا إليه سابقا، إذ القدر المستعلى منه في الأول لقلته لا يقوى على العصمة عن الانفعال بالاتصال كما في الثاني، والقول بانفعاله هنالك بعد الانفصال عن المحل المتنجس دون حال الملاقاة كما ترى.
وفي الصحيح: عن الثوب يصيبه البول. قال: اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة (6).
وفي الموثق: عن الكوز والإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ قال: ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر (7).
والأكثر على نجاسة ما دون الكر من الراكد بمجرد الملاقاة، لمفهوم الصحيحين (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء) (8) ولظاهر الآخرين، عدا ماء الاستنجاء، لورود الصحاح بعدم انفعاله، وللإجماع، وهذه الصحاح مؤيدة لنا، ولا يعارض المفهوم المنطوق، ولا الظاهر النص، مع أن أقصى ما يدل عليه هذا المفهوم تنجس ما دون الكر بملاقاة شيء ما لاقى كل نجاسة، فيحمل على المستولية جمعا، فيكون المراد لم يستول عليه شيء حتى ينجس، أي لم يظهر فيه النجاسة، فيكون تحديدا للقدر الذي لا يتغير بها في الأغلب.
ويحتمل أن يكون المراد به الاجتناب التنزيهي، واستحباب التجنب عنه من غير ضرورة إليه كما يشعر به الحسن السابق، وكذا القول في الصحيحين الآخرين الظاهرين، ويؤيده اختلاف النصوص الواردة في تقدير الكر، إذ الوجوب لا يقبل الدرجات بخلاف الاستحباب.
وقد اعترف جماعة منهم بمثل ذلك في ماء البئر، على أن المستفاد من الصحاح المستفيضة أن الماء الذي يستعمل في الطهارة من الحدث والشرب في حالة الاختيار لا بد له من مزيد اختصاص في الطيبة، ولا سيما الذي يستعمل في رفع الحدث، وأقله إلا يلاقي شيئا من النجاسات ان قل، وعلى هذا جاز حمل ما يدل على انفعال القليل بدون التغير، على المنع من استعماله اختيارا في أحد الأمرين خاصة دون سائر الاستعمالات، ويشهد لهذا ورود أكثره في الأمرين.
ومنهم من استثنى المستعمل في رفع الخبث مطلقا، سواء في الاستنجاء وغيره، وسواء في الغسلة الأولى أو غيرها. وقيل: في غير الأولى خاصة، وقيل: مع وروده على النجاسة خاصة. وقد ظهر مستندهم مما مر مع جوابه.
وقيل: وعدا ماء الحمام إذا كانت له مادة وان لم تكن كرا. وقيل: وعدا ما لاقاه ما لا يدركه الطرف من النجاسة. وقيل: من الدم خاصة، ومستند الثلاثة ورود النص، وجوابه عدم تخصيص السؤال. وقيل: وماء الحياض والأواني ينجس بالملاقاة وان كثر، وهو شاذ.
وجمهور المتقدمين على أن ماء البئر كذلك، للأمر بالنزح منها بوقوع النجاسات فيها في الصحاح المستفيضة من غير تفصيل بالقلة والكثرة. وظني أن ذلك محمول على الاستحباب للنزاهة وطيبة الماء، وفاقا لا كثر المتأخرين، لمعارضتها بمثلها من الصحاح الصراح في الطهارة مطلقا. وقيل: ان النزح تعبد وان وجب، فلا يجب الاجتناب قبله. وليس بشيء.
ولم نطول الكلام بذكر الأقوال والنصوص في تعيين الدلاء لخصوص النجاسات والميتات من أنواع الحيوانات لكثرة اختلافها وقلة جدواها على أصلنا، ومن أرادها فليرجع الى كتابنا الكبير.
وأما القول بتنجس ماء البئر بمجرد الملاقاة ان نقص عن الكر خاصة، والماء الجاري بذلك ان نقص عنه، وماء الغيث به ان لم يكن جاريا من ميزاب ونحوه فشاذ.
_______________
(1) وسائل الشيعة 1- 101.
(2) وسائل الشيعة 1- 102.
(3) وسائل الشيعة 1- 105.
(4) وسائل الشيعة 1- 104.
(5) وسائل الشيعة 1- 113- 114.
(6) وسائل الشيعة 2- 1002.
(7) وسائل الشيعة 2- 1076.
(8) وسائل الشيعة 1- 117.
الاكثر قراءة في أقسام المياه وأحكامها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة