 
					
					
						«سقراط» وأثره في الفكر الإنساني					
				 
				
					
						 المؤلف:  
						سليم حسن
						 المؤلف:  
						سليم حسن					
					
						 المصدر:  
						موسوعة مصر القديمة
						 المصدر:  
						موسوعة مصر القديمة					
					
						 الجزء والصفحة:  
						ج12 ص 562 ــ 564
						 الجزء والصفحة:  
						ج12 ص 562 ــ 564					
					
					
						 2025-05-18
						2025-05-18
					
					
						 454
						454					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				ذا كان الرجال يقدرون بآثارهم الخالدة، فإن «سقراط» يعد في الطليعة بين عظماء العالم المفكرين الذين حملوا شعلة الفلسفة، وجعلوا نورها يسطع على العالم الذي عاش فيه، وعلى الأجيال التي لا تحصى من بعده. وإذا كانت أعمال «بركليز» و«ليسندر» قد تركت أثرها أجيالًا قليلة في جزء صغيرة من العالم، فإن روح «سقراط» قد ترك أثرًا لا يمحى إلى الأبد على الفكر الإنساني.
ولد هذا الفيلسوف بالقرب من «أثينا» عام 469ق.م وعاصر الحوادث الجسام التي وقعت في بلاد الإغريق في عهد «بركليز» ومن بعده، فقد رأى «أثينا» في عز نصرها وفي ذل سقوطها، وكان يحبها حبًّا جمًّا، حتى إنه لم يغادرها إلا عندما كان يناديه واجبه بوصفه مواطنًا أثينيًّا ليحارب في حرب «البلوبونيز». وقد أظهر شجاعة وبديهة حاضرة في الحرب، فقد نجى «ألسيبيادس» مرة في ساحة الميدان بوقوفه بجانبه عندما جرح وحماه من الأعداء. وكان صبورًا على تحمل الجوع والبرد القارس، حتى إنه في شدة برد الشتاء القارس عندما كان الناس يقون أنفسهم من البرد بالملابس الدافئة كان يمشي عاري القدمين على الثلج. وفي ذات يوم حدث في المعسكر أمر غريب، وذلك أنه من الصباح المبكر حتى المساء رئي واقفًا وحده في فكر عميق، كأنه يسأل نفسه ويجاوبها، وقد بقي واقفًا طوال الليل إلى أن طلعت الشمس فحياها بصلاة ثم ذهب، وفي «أثينا» كان يلاحظ على «سقراط» كذلك أنه شاذ عن غيره من الناس، وكان لا يزال يهتم بأي شيء لراحته الشخصية، وكان قبيح الخلقة رث الملبس وجهه منبسط، أفطس الأنف، جاحظ العينين، ومع ذلك فإنه كان يحيط به حشد من الناس في السوق، وفي أماكن أخرى من التي كان يتجمع فيها مواطنوه.
وفي عصره كان الناس قد بدئوا يهتمون بالإنسان وعقله وسلوكه ومثله العليا. وقد وهب «سقراط» نفسه إلى هذه الناحية من الفلسفة، وهي الخاصة بالبحث عن الحقيقة والحكمة والتي ينبغي أن تقود سلوك الناس. وقد كان عبقريًّا بصورة غير منتظرة، وبعيد النظر لدرجة أن كلماته قد استحوذت على آذان سامعيه، وضربت بأعراقها في عقولهم أكثر من أي كلام بليغ. وكان «سقراط» لا يأخذ أجرًا مقابل تعليمه من الناس؛ وذلك لأنه ادَّعى أنه ليس إلا زميلًا باحثًا عن المعرفة مع أتباعه. وقد استولت عليه الدهشة البالغة عندما ذهب صديقه «كايرفون» Chaerephon المندفع إلى «دلفي»؛ ليسأل الوحي إذا كان يوجد أي رجل أعقل من «سقراط»، فأجيب أنه لا يوجد من هو أعقل منه. وقد قال «سقراط»: ذهبت أولًا إلى رجل سياسي، ولكني وجدت أنه لم يكن أكثر عقلًا على الرغم من أن كل إنسان بما فيه هو نفسه فكر هكذا، ثم ذهبت بعد ذلك أسأل الرجل تلو الرجل مكونًا لي أعداء كل يوم، وأخيرًا ذهبت إلى شعراء وصناع كانوا مهرة في فنهم، ولكنهم ليسوا عقلاء بالمعنى الحقيقي، وعلى ذلك فإني في نهاية الأمر قررت أن الوحي قصد من جوابه أن هؤلاء الناس الأرجح عقلًا، هم الذين يعرفون مثلي أن حكمتهم لا تصل إلى شيء.
وكان «سقراط» يظن أن الناس قد عملوا الشر؛ لأنهم كانوا يجهلون الخير، وعلى ذلك اجتهد في أن يرشدهم إلى الحقيقة بأمثلة مثل: ما هو الصلاح والعدل والشريف والوضيع والجميل والقبيح؟ وأرشدهم بطريق السؤال والجواب؛ ليعرفوا بأي كيفية كانت آراؤهم سطحية أو مرتبكة، وأن يفكروا لأنفسهم لأجل أن يصلوا إلى أصول الأمر الذي يبحثونه. ولم يحاضر تلاميذه أو يملي شيئًا قط من أفكاره بل كان باحثًا مثلهم. وقد تضايقت طبقة السفسطائيين منه عندما ادعى أنه في حاجة إلى التعلم منهم، ثم أخذ يحرجهم بأسئلته، ولكن الشباب الذين كانوا يتبعونه أحبوا فطنته وسحره كما كانوا مخلصين له أشد الإخلاص.
وبعد أن أمضى ثلاثين عامًا على هذا النحو من التعليم أخذ بعض الأثينيين يظنون به الظنون، حتى إنهم اتهموه بأن أصبح مصدر خطر على الدولة. فقد قالوا: إن أتباعه قد انقلبوا إلى عناصر سوء، وبخاصة «ألسيبيادس» الخائن و«كريتياس» الذي انقلب مستبدًّا، هذا بالإضافة إلى أنه كان هناك آباء تذمروا؛ لأنهم ظنوا أن أولادهم كانوا يضيعون وقتهم معه وأصبحوا غير مستقرين؛ وكذلك اضطربت عقول كثير من الناس بطرق وكلمات هذا الفيلسوف الغريب الأطوار. وقد شكوا في آرائه عن الآلهة، وذلك على الرغم من أنه كان يقوم بأداء الشعائر الخاصة بهم والصلوات الواجبة عليه، فإنه أنكر صراحة القصص القديمة الخاصة بحروبهم وأضغانهم، وكثيرًا ما كان يتحدث عن الله لا عن الآلهة، وعن صوت خفي، وعن وازع قدسي كان قد أتى إليه من وقت لآخر، عندما كان يتأمل درس موضوع. وفي عام 399 ق.م اتهم بأنه لا يعتقد في آلهة المدينة، وأنه جاء بآلهة جدد، وأنه أفسد الشباب، وكان العقاب على ذلك هو الموت. وعلى الرغم من أنه كان في استطاعته أن يفر من «أثينا»، فإنه فضل أن يبقى فيها ويواجه محاكمته أمام محكمين مؤلفين من خمسة آلاف وواحد من الأثينيين.
تحدث «سقراط» عن الوحي وعن صوته الخفي، وعن رفضه تسلم أجر عن التعليم، وعن خدمته «لأثينا» في حث الناس على ألا يفكروا كثيرًا في جمع المال ولا في آراء الآخرين، بل يعتنوا بالأشياء التي لها وزن كالحكمة والصدق وكمال الروح وقال: إنه لم يهرب من وظيفته في وقت الحرب. وعلى ذلك كان يعد سلوكًا غريبًا منه إذا هرب الآن بسبب الخوف من الموت، ومن عمل ما أمره الله به أن يفعل، فقد قال: «لن أغير طريقة حياتي حتى لو كنت أموت من أجل ذلك مرات عدة.» وقد انتهى دفاعه بقوله: «إني أعتقد في الآلهة أكثر مما يعتقد فيهم أي واحد من متهمي، وإني أسلم قضيتي إليكم ولله للحكم فيها بما هو خير لكم ولي.»
وقد اعتبر مذنبًا بأغلبية ستين صوتًا، وعلى ذلك فإنه على حسب القانون الأثيني قد سمح له أن يقترح نوعًا آخر ليعاقب به، فقال: إنه يستحق الشرف لا العقاب ورفض فكرة النفي؛ لأنه كان يرى أنه في أي بلد آخر لا يجد من يتحدث إليهم كتلاميذه، وبخاصة أنه كان قد بلغ من العمر مبلغًا لا بأس به، وقد قدم غرامة تافهة فلم تقبل وعلى ذلك حكم عليه بالموت فشرب الكأس وقضى وعلى شفته ابتسامة.
وقد سمح لأصدقاء «سقراط» بزيارته في سجنه، فأتوا إليه في اليوم الأخير عند الفجر وهم يشعرون بأنهم سيفقدون فيه أبًا، ولكنه رفض أن يساعدوه على الهرب أو الحزن عند موته، إذ كان ينظر إلى ذلك بأنه رحلة لروحه إلى عالم جديد مجهول.
والواقع من جواب «سقراط» الفعلي عند محاكمته لم يحفظ لنا، ولكنا عرفنا نغمته وروحه وما كان ينطوي عليه؛ وذلك لأن هذه المحاكمة قد أمدت رفيقه «أفلاطون» الذي كان حاضرًا بمادة لمؤلف منقطع القرين في الأدب العالمي، ذلكم هو دفاع «سقراط» وقد أفلح «أفلاطون» في أنه لبس شخصية أستاذه ونقلها لقرائه. فقد وصف لنا تفسير حياته وأغراضه منها، ولم يلقَ صعوبة في إظهار أن كثيرًا من الأشياء التي نسبت إليه كانت كاذبة. ولا نزاع في أن إعدام «سقراط» كان يمثل احتجاج النظام القديم على قيام ونمو الفردية، التي أخذت تظهر في عالم الوجود، وإنه لمن النادر في مجرى التاريخ أن نجد ضربات شديدة من هذا النوع قد خابت، وانقلبت على الضارب وخدمت القضية التي أريد الإضرار بها فقد بقي «سقراط» مذكورًا عند الأثينيين بالفخر والأسى، وقد بدأت تعاليمه تقوم بتأثير زاد في مفعولها مأساة موته، فلم يغفر تلاميذه للديموقراطية حكمها عليه بالإعدام، وقد عاش ونما في درس مخيلاتهم، وأمضوا حياتهم في نشر تعاليمه، وكان أكثرهم في ذلك «أفلاطون»، وبخاصة نشر الفردية التي كان ينشرها بطريقة غير مباشرة دون علم منه.
				
				
					
					 الاكثر قراءة في  العصور القديمة في العالم
					 الاكثر قراءة في  العصور القديمة في العالم 					
					
				 
				
				
					
					 اخر الاخبار
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة