1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : الزوج و الزوجة :

عاهات اجتماعية نتيجة تقصير الزوجين

المؤلف:  السيد علي عاشور العاملي

المصدر:  تربية الجنين في رحم أمه

الجزء والصفحة:  ص243ــ251

2024-12-01

304

إن الطفل يخضع في أيام الحمل لتأثيرات أمه، وإن جميع الحوادث التي تقع للأبوين تؤثر فيه، ويُصنع الطفل بموجبها، فقد يصادف أن تقع بعض العوامل في أيام الحمل فتؤدي إلى سعادة الطفل، وقد يكون العكس حيث تؤدي إلى شقائه وسقوطه أو انعدام حياته تماماً.

لنتصور مسافراً يركب سيارة ويقصد منطقة نائية جداً بحيث يطول سفره تسعة أشهر فهناك العديد من المخاطر في طريقه، فمن المحتمل في كل لحظة أن يقع في هوة سحيقة، أو وادٍ عميق أو تصطدم سيارته بجبل، أو يقذف إلى نهر، أو تكسر يده، أو يجرح بدنه، وقد يصادف أن يطوي 99% من مجموع المسافة، ويبقى له 1 % فقط فتصادفه عقبة كأداء أو حادثة سيئة في ذلك الجزء الأخير، فلا يمكن التأكد من وصول المسافر إلى مقصده بسلام إلا بعد أن يترك السيارة ويتجه إلى منزله الأخير.

وهكذا النطفة التي تنعقد في رحم الأم لأول لحظة، فهي كالمسافر الذي استقل واسطة النقل، وعليه أن يقطع المراحل الطبيعية طيلة تسعة أشهر.

فهناك المئات من العراقيل والمخاطر تقع في طريقها، وفي كل لحظة يمكن أن تقع حادثة تؤدي إلى سقوط الجنين وموته، أو تحدث فيه نقصاً وانحرافاً، وقد يصادف أن يقطع الجنين ثمانية أشهر من حياته بسلام، وفي الشهر الأخير يصاب ببعض العوارض، ولا يمكن القطع بسلامة الطفل واجتيازه المراحل كلها، وتولده سعيداً إلا بعد أن يتولد سالماً، ويخرج إلى الدنيا الخارجية. ولهذا فإن قسطاً كبيراً من النجاح الباهر الذي أحرزه بعض العظماء في العالم وبالأخص الأنبياء (عليهم السلام) والأولياء (عليهم الاسلام) يرجع إلى (طهارة المولد)، وكذلك الانتكاسات التي تحدث لبعض الأفراد فإنها ترجع إلى انحرافات الدور الجنيني(1).

طهارة المولد

إن القرآن الكريم يعبر عن رجلين من هؤلاء العظماء بطهارة المولد وهما يحيى بن زكريا وعيسى ابن مريم (عليهما السلام)، يقول القرآن في حق يحيى {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} [مريم: 15].

ويقول على لسان المسيح ابن مريم (عليه السلام): {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ} [مريم: 33].

والسلام بمعنى: عموم العافية. أي: الطهارة الكاملة للبدن والروح.

وهذه الحقيقة - أي طهارة المولد - متساوية في حق جميع الرسل والأنبياء والأولياء (عليهم السلام).

والنكتة الأخرى التي يجب التنبه إليها هي: أن القرآن عبر عن السلامة في دور الرحم بسلامة يوم الولادة، وذلك لأن السلامة في تمام ذلك الدور لا تعرف إلا بعد ولادة الطفل سالماً، واجتيازه تلك المراحل كلها بنجاح حيث تنقطع صلته تماماً برحم أمه.

وكان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا بشر بولد، لم يسأل: أذكر هو أم أنثى؟ بل يقول: أسوي؟ فإذا كان سوياً قال: الحمد لله الذي لم يخلقه مشوهاً(2).

ولا ريب فلسلامة المولد قيمتها، إذ إنها هي السبب الأول في نشوء جيل مستوٍ، وخلق مجتمع فاضل تنتشر فيه روح السعادة والإنسانية والصفاء.

العاهات العضوية عند الطفل وسببها

بعض العاهات

1- ((بقاء الجدار الداخلي للبطن مفتوحاً، وحينئذ يؤدي إلى خروج الأحشاء إلى الخارج ( خلف الجدار الخارجي) وإيجاد انتفاخ ظاهر)).

2- ((الفتق السري الناشئ من عدم انسداد الحبل السري قبل الولادة)).

3- ((عدم التحام جدار السرة وحصول شقّ في مقدم البطن إلى جهة الطحال)).

4- ((عدم التحام القفص الصدري بعظم القفص وفي هذه الصورة يكون القلب سطحياً وواقعاً خلف الجلد مباشرة. وفي بعض الأحيان نجد بقاء قسم من الرئتين خارج القفص الصدري))(3).

أما في الوجه:

1- ((شق الشفة: وينشأ هذا العيب من عدم التصاق الأنسجة الرابطة بين أجزاء الفك أو الأنف، هذه العاهات قد تؤدي إلى ظهور أثر جرح، أو كشق صغير على جانب واحد من جانبي الشفة)).

2- ((شق القحف: هذا الشق ينشأ من عدم اتصال الأنسجة بين عظام الجمجمة)).

3- ((عدم انسداد الفتحة الواصلة بين العين والأنف هذه الفتحة التي تبدأ من الجفن الأسفل للعين وتمتد إلى جهة الفم، قد تبقى مفتوحة أحياناً)).

4- ((اتساع فتحة الفم أكثر من المعتاد. وهو ناشئ من عدم التئام الأخدود الواصل بين أنسجة الفك الأعلى والأسفل)).

5- ((وقد يؤدي توقف أنسجة الوجه عن النمو إلى ظهور العاهات وبعض الحفر في

الوجه))(4).

أما في الهندام:

1- ((توقف بعض أجزاء الأطراف عن النمو، وفي هذه الصورة قد نجد الأطراف ملتصقة بالجسد مباشرة من دون وجود الساعد أو الساق)).

2- ((ظهور أطراف زائدة - كاملة أو ناقصة - وهذا التشويه ينشأ في الغالب من انقسام الأنسجة الأولية)).

3- ((عدم التناسق في اتصال مفاصل الرجلين وفي هذه الصورة تكون الأصابع في خلف القدم والكعب في الجانب الأمامي))(5).

أما في الجهاز الهضمي:

1- ((انسداد المريء، وعلامته تقيؤ الطفل للحليب في اليوم الأول فور ارتضاعه)). 2- ((ضيق فتحة المريء حيث يؤدي فيما بعد إلى مشاكل كثيرة في بلع الأطعمة الصلبة - غير السائلة -)).

3- ((الضيق الناشئ قبل الولادة لفتحة فم المعدة، والنمو غير الاعتيادي للعضلة التي تغلق هذه الفتحة)).

4- ((انسداد ثقب المخرج، أو أدائه إلى غيره من الحفر كالمثانة ونحوها))(6).

هذه نماذج مختصرة للعاهات والنواقص التي تصيب جسم الطفل، وهي كثيرة، فجميع أجزاء البدن سواء الجهاز العظمي والجهاز التناسلي والقلب والعروق الدموية والمخ والأعصاب خاضعة للتأثر بتلك العاهات، وقد تكون خطرة جداً إلى درجة أنها تؤدي إلى نشوء رأسين على رقبة واحدة، أو بدنين على ظهر واحد....

ولقد حدث مثل هذا الحادث في زمن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ جاءته امرأة ولدت من زوجها الشرعي طفلاً له بدنان ورأسان على حقو(7) واحد، فتحيروا في حصته من الإرث، هل يعطونه حصة واحدة أم حصتين، فصاروا إلى أمير المؤمنين (علي) عليه السلام يسألونه عن ذلك ليعرفوا الحكم فيه، فكان جواب الإمام (عليه السلام): ((اعتبروا إذا نام ثم أنبهوا أحد البدنين والرأسين. فإن انتبها معاً في حالة واحدة فهما إنسان واحد، وإن استيقظ أحدهما والآخر نائم، فهما اثنان وحقهما من الميراث حق اثنين))(8).

والسر في هذا القضاء العادل والحكم الدقيق واضح، لأنه اعتبر ملاك الحكم هو المركز العصبي، إذ عليه المعول في توجيه الإنسان، فإن كانت قيادة واحدة توجه البدنين والرأسين فهو شخص واحد، ولكن إذا كان يدير كل قسم جهاز عصبي مستقل عن الآخر، فهما بدنان، وأحسن طريقة لمعرفة أن الجهاز العصبي الذي يدير الجسم في هذا الإنسان واحد أو اثنين هو إيقاظه من النوم، فكما أن الشخص الواحد تدار عيناه بواسطة جهاز واحد، وهما يشبهان مصباحين مربوطين بزر واحد يشتعلان ويطفآن معاً، فلا يمكن أن تكون إحدى العينين يقظة والأخرى نائمة... كذلك الرأسان والعيون الأربع، فإن كانت تدار كلها بجهاز عصبي واحد، فلا يمكن أن يقوم أحد الرأسين بهدوء، ويبقى الثاني نائماً، إذ يدل هذا على أن لهما دماغين مختلفين يصدران إرادتين متباينتين، فيستجيبان لمؤثرين متضادين، فكأنهما طفلان نائمان في فراش واحد متشابكان تماماً يستيقظ أحدهما قبل الآخر.

وبالرغم من خفاء كثير من أسباب هذه الانحرافات على البشر، فإن لنا أن نقطع بأن حدوث أي عيب في الخلية التناسلية الأولى يؤدي إلى أن يصير الطفل في وضع غير اعتيادي، كما ثبت ذلك في بعض الحيوانات حين أجريت تجارب عديدة عليها.

((لقد استطاع شابري أن يوجد أجنة غير اعتيادية بإيجاد خدوش في الخلايا الأولية وقد نال هذا الإبداع بالخصوص استحساناً بالغاً، لأن إجراء الاختبارات على خلايا

بيضة لا يتجاوز طولها - المليمتر ليس أمراً سهلاً))(9).

الانحرافات الكامنة والعاهات الروحية

لا تنحصر العيوب والعاهات التي تصيب الطفل في رحم الأم بالنوع البدني منها فقط، فكثيراً ما يتفق إصابة الطفل بعوارض وانحرافات روحية فهي ليست ظاهرة بل كامنة، ولكن الأم هي التي أوجدت العوامل المساعدة لذلك الانحراف الكامن الذي لا يلبث بعد الولادة أن يظهر تدريجياً، فيكشف الزمن عن أسرار عميقة كانت مكتومة في سلوك هذا الفرد حيث إنّ تلك الاستعدادات تأخذ بالظهور إلى عالم الفعلية الواحدة تلو الأخرى.

يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((الأيام توضح السرائر الكامنة))(10).

وورد عن الإمام الجواد (عليه السلام): ((الأيام تهتك لك الأمر عن الأسرار الكامنة))(11).

فمثل هذه الروايات تكشف بإطلاقها كما قلنا.

وقد ثبت علمياً أن الأم المصابة بالسل والسرطان تكون عاملاً مساعداً في إصابة طفلها بنفس المرض، فالأم المأسورة للانحرافات الروحية والسيئات الخلقية والصفات الرذيلة تكون تربة مساعدة أيضاً لانحراف سلوك الطفل وتفكيره أيضاً، وتأخذ تلك الانحرافات الروحية بالظهور بالتدريج في الطفل.

((إن ولد السارق مصاص الدماء، تكون قابليته على الإرادة الصحيحة من ولد المجنون، فإن الأفراد الذين يملكون انحرافات وراثية موجودون في جميع طبقات المجتمع، ويمكن العثور عليهم بين الأغنياء والفقراء والمثقفين والعمال والفلاحين... كثيرون هم الذين ينهزمون أمام المشاكل لأبسط حادثة، والمتلونون الذين لا يستقرون على حال، ولا يقفون على تصميم وضعفاء الإرادة التائهون في خضم الحياة، والكسالى الذين يشبهون الجماد في خمولهم وجمودهم، والحساد الذين يكتفون من الحياة بتوجيه الانتقاد إلى الآخرين، وضعفاء العقول المصابون بالشذوذ العاطفي، والخلاصة أولئك الذين لا يتجاوز عمرهم العقلي أكثر من 10 سنين أو 12 سنة.

ومما لا ريب فيه أن هذا النقص منشؤه وراثي إلى حد بعيد، ولكن ليس بمقدورنا أن نعين نسبة العوامل الوراثية إلى العوامل التربوية (البيئية) في توليد هذه العاهات ومع ذلك فإن النماذج الإفراطية من ضعف العقل والاختلال الروحي والبكم والبلادة تدل بوضوح على وجود عيوب وراثية - بدنية وروحية -))(12).

ومن هنا يتضح لنا السر في أن الدين الإسلامي الحنيف يعتبر الصفات الرذيلة والملكات الذميمة والتمادي في الاجرام في عداد الأمراض الخطرة، فالخُلق السيىء ليس سبباً للأمراض الروحية والعصبية فحسب، بل يؤدي أحياناً إلى اختلالات بدنية عظيمة، مما يؤدي إلى إصابة صاحب الأخلاق السيئة بأمراض جسدية، وهكذا نجد الأمهات المصابات بالانحرافات الخلقية والأمراض المعنوية يلدن أطفالاً مصابين أيضاً(13).

شاهد علمي

تأثير الوراثة على الطفل

قيل إنه كان: (يوجد جندي يدعى مارتن كاليك كان قد أنجب طفلاً غير شرعي من فتاة ضعيفة العقل وأمكن تتبع 480 فردا من ذراري هذه البنت في أجيال متعاقبة، ووجد أن من بينهم 63 شخصاً فقط يمكن اعتبارهم عاديين أما الباقون ففيهم حالات الصرع، والإجرام، والبغاء، والإدمان على الخمر، وضعف العقل، وغير ذلك. وبعد مدة من الزمان كان مارتن كاليك قد تزوج بفتاة عادية من أسرة طيبة. وأمكن تتبع 496 فرداً من ذراري هذه السيدة في طبقات الأجيال المتعاقبة، فكان لدينا مجموعتان من الأفراد تختلفان اختلافاً واضحاً في الأصل الوراثي من ناحية الأم.  وعلى ذلك يمكن موازنتها بعضها ببعض. وقد وجد بين أفراد المجموعة الثانية أن عدد العاديين 491 فرداً نجح كثير منهم في الحياة نجاحاً ظاهراً، أما الخمسة الباقون ففيهم حالة ضعف عقلي واحدة وحالة استهتار جنسي وحالتا إدمان للخمر، وحالة جنون)(14).

وهنا نكتة مهمة:

وهي أن الأمراض الجسدية يمكن أن تكشف بسرعة لظهور بوادرها كالحمى وما شاكلها، ولكن المصابين بالأمراض الروحية ومضاعفاتها ومخلفاتها ليس فيهم بوادر ومقدمات، ولذلك فإن المصاب لا يلتفت إلى الخطر إلا عندما يتأصل فيه المرض ويستبد به الانحراف... حيث يكون أحياناً غير قابل للتدارك أصلاً.

ومن المؤسف له أن أكثر الناس في العالم وبالأخص في بلادنا يصرفون جـلّ اهتمامهم إلى الجهات المادية فقط ، غافلين عن الجهات المعنوية ولهذا السبب بالذات فإنهم يتلقون الفضائل الخلقية والمثل الإنسانية والتقوى على أنها أمور حقيرة ليست على ذي بال حتى أن البعض يتصورون أنفسهم في غنى منها(15).

__________________________

(1) الطفل بين الوراثة والتربية: 1 / 90.

(2) مكارم الأخلاق ص 119 ط إيران.

(3) جنین شناسى ص 57 عنه الطفل بين الوراثة والتربية، الشيخ محمد تقي الفلسفي: 1 / 90 - 92.

(4) جنین شناسی ص 71.

(5) المصدر السابق ص 73.

(6) جنین شناسى ص 109، عنه الطفل بين الوراثة والتربية، الشيخ محمد تقي الفلسفي: 1 / 93 - 94، وكما ورد في كتب التواريخ فإن الحجاج بن يوسف الثقفي كان مصاباً بهذه العاهة، فقد كان فاقداً للدبر حين الولادة، ثم ثقبوا له موضعه (انظر تتمة المنتهى ص 98).

(7) ورد (الحقو) بمعنى سطح الجبل في بعض كتب اللغة، والظاهر أنه يستعمل بمعنى (الظهر) أيضاً. كما تدل على ذلك القرينة في المقام.

(8) بحار الأنوار للمجلسي ج 9 ص 485 الطبعة القديمة.

(9) تاریخ علوم ص 706، عنه الطفل بين الوراثة والتربية، الشيخ محمد تقي الفلسفي : 1 / 94 - 95.

(10) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 28.

(11) بحار الأنوار للمجلسي ج 17 / 214.

(12) راه ورسم زندگی ص 156، عنه الطفل بين الوراثة والتربية، الشيخ محمد تقي الفلسفي: 1 / 96 - 97.

(13) الطفل بين الوراثة والتربية، الشيخ محمد تقي الفلسفي : 1 / 97 – 99.

(14) Goddart he Kallikak عنه عبقرية مبكرة ، توفيق بو خضر : 21.

(15) الطفل بين الوراثة والتربية، الشيخ محمد تقي الفلسفي: 1 / 97 – 99. 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي