x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
المرحلة الثانية الدعوة العامة : فاصدع بما تؤمر
المؤلف: الشيخ علي الكوراني
المصدر: السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة: ج1، ص367-390
2024-09-14
291
1 - عدد سكان مكة وموقع قريش في العرب
كانت بطون قريش نحو عشرين قبيلة ، أشهرها : بنو هاشم بن عبد مناف ، وبنو أمية بن عبد شمس بن مناف بن قصي ، وبنو عبد الدار بن قصي ، وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة ، وبنو زهرة بن كلاب ، وبنو أسد بن عبد العزى ، وبنو الحارث بن فهر بن مالك ، وبنو عامر بن لؤي ، وبنو سهم بن عمرو ، وبنو جمح بن عمرو ، وبنو أنمار بن بغيض ، وبنو تيم بن مرة بن كعب ، وبنو عدي . . . إلخ .
وكان عددهم جميعاً نحو أربعين ألف نسمة ، لأن غاية ما استطاعوا تجنيده في حرب الأحزاب مع أحابيشهم أربعة آلاف « عمدة القاري : 17 / 176 » فلو حسبنا من كل عشرة أشخاص مقاتلاً ، يكون عددهم أربعين ألفاً . ومهما زدنا فلا يصل عددهم إلى ستين ألفاً . لكن التأثير كان لبضع قبائل والباقون تبعٌ لها ، فقد وصف ابن هشام : 2 / 331 اجتماعهم في دار الندوة لبحث « مشكلة محمد ( صلى الله عليه وآله ) » ! فقال : « اجتمع فيها أشراف قريش : من بني عبد شمس : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب . ومن بني نوفل بن عبد مناف : طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل . ومن بني عبد الدار بن قصي : النضر بن الحارث بن كلدة . ومن
بني أسد بن عبد العزى : أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بن المطلب ، وحكيم بن حزام . ومن بني مخزوم : أبو جهل ابن هشام . ومن بني سهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج .
ومن بني جمح : أمية بن خلف . . ومن كان معهم غيرهم ممن لا يعد من قريش ، فقال بعضهم لبعض : إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأياً . . . إلخ . » .
وكان هذا الاجتماع بعد السنة الثالثة ، لأنه سمى أبا جهل زعيماً لمخزوم ، وقد صار زعيمها بعد هلاك الوليد بن المغيرة ، بعد ثلاث سنين من البعثة .
والقبائل الأهم خمسة التي اعتبروها تمثل الجميع وارتضوا أن تضع الحجر الأسود مكانه ، وهم : بنو هاشم ، وقد مثلهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : « يأتي من كل ربع من قريش رجل ، فكانوا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى ، وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم ، وقيس بن عدي من بني سهم ، فرفعوه ووضعه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في موضعه » . الكافي : 4 / 218 .
وأهم الجميع : بنو هاشم وبنو أمية ، ولذا تراهم واصلوا صناعة أحداث التاريخ وكانت بقية قريش تبعاً لهم . وقد أخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة « عليهم السلام » أن مستقبل الأمة هو الصراع بين بني أمية وبني هاشم ، كما رأينا أن وضع العالم ومستقبله الصراع بين
بني إسماعيل وبني إسحاق !
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إنا وآل أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله ! قلنا صدق الله وقالوا كذب الله ! قاتل أبو سفيان رسول الله وقاتل معاوية علي بن أبي طالب ! وقاتل يزيد بن معاوية الحسين بن علي والسفياني يقاتل القائم » .
معاني الأخبار / 346 .
2 - رؤساء قريش عند بعثة النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
قال المؤرخ محمد بن حبيب في المنمق / 331 : « كانت الرئاسة أيام عبد مناف لعبدمناف بن قصي ، وكان القائم بأمور قريش والمنظور إليه منها ، ثم أفضى ذلك بعده إلى هاشم ابنه فولي ذلك بحسن القيام ، فلم يكن له نظير من قريش ولا مساو . ثم صارت الرئاسة لعبد المطلب ، وفي كل قريش رؤساء ، غير أنهم كانوا يعرفون لعبد المطلب فضله وتقدمه وشرفه » .
وكان أكبر أولاد عبد المطلب الحارث ثم الزبير ، وكان الزبير سيداً في زمن أبيه واشتهر بحلف الفضول لرد الظلم عن الحجاج : « فكان سيداً شريفاً شاعراً ، وهو أول من تكلم في حلف الفضول ودعا إليه » . أنساب الأشراف / 11 والمنمق / 171 .
« فتحالفوا بالله قائلين : لا ننقض هذا الحلف ما بلَّ بحرٌ صوفة ، وأن لا ندع بمكة مظلوماً . قال حكيم : ونظرت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد حضرذلك الحلف يومئذ في دار ابن جدعان ، وكان الذي كتبه بينهم الزبير بن عبد المطلب » . المنمق / 188 .
وكان الزبير كأبيه يحب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ففي المنمق / 349 : « قال الزبير بن عبد المطلب يزفِّن « يُرَقِّص » النبي صلى الله عليه :
محمد بن عبدَمْ * عشت بعيشٍ أنعمْ
لا زلت في عيشٍ عم * ودولة ومغنمْ
يغنيك عن كل عمْ * وعشت حتى تهرم »
وفي المنمق / 34 : « وذكروا أن أكثم بن صيفي « رئيس بني تميم » قال : دخلت البطحاء بطحاء مكة فإذا أنا ببني عبد المطلب يخترقونها كأنهم أبرجة الفضة ، وكأن عمائمهم نوق الرجال ألوية ، يلحفون الأرض بالحبرات « ثيابهم طويلة » فقال أكثم : يا بني تميم ! إذا أراد الله أن ينشئ دولة أنبت لها مثل هؤلاء ! هذا غرس الله لا غرس الرجال ! قال هشام : لم يكن في العرب عدة بني عبد المطلب أشرف منهم ولا أجسم ، ليس منهم رجل إلا أشم العرنين يشرب أنفه قبل شفتيه ، ويأكل الجذع ويشرب الفرق » .
وقيل له : « ممن تعلمت الحكم والرياسة والحلم والسياسة ؟ فقال : من حليف الحلم والأدب ، سيد العجم والعرب ، أبي طالب بن عبد المطلب » . ومعنى : يأكل الجذع ويشرب الفرق : جسيمٌ ، يأكل خروفاً ، ويشرب سطل لبن . الحجة على الذاهب / 334 .
وكان أكبر زعما قريش بعد أبي طالب : الوليد بن المغيرة رئيس مخزوم ، وكان بارزاً من حياة عبد المطلب ، وقد أخذه معه في وفد قريش إلى اليمن لتهنئة الملك سيف بن ذي يزن ، وكان الوفد سبعاً وعشرين شخصية فيهم غير الوليد : عتبة بن ربيعة ، وعقبة بن
أبي معيط ، وأمية بن خلف . كمال الدين / 176 والبحار : 15 / 146 .
وتعددت الزعامة بعد وفاة عبد المطلب ، فبرز ابنه أبو طالب « رحمه الله » رئيساً لبني هاشم ، وزعيماً محترماً في قريش والعرب ، وبرزت معه شخصيات قرشية ، منهم حرب بن أمية بن عبد شمس رئيساً لبني عبد شمس ، وأبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية رئيساً لهم أيضأً ، وعبد يزيد بن هاشم بن المطلب رئيساً لبني المطلب ، والمطعم بن عدي بن نوفل رئيساً لبني نوفل بن عبد مناف ، وخويلد بن أسد ، وعثمان بن الحويرث بن أسد رئيسين لبني أسد بن عبد العزى ، وعكرمة بن هاشم بن عبد مناف رئيساً لبني عبد الدار ، ومخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف رئيساً لبني زهرة ، وعبد الله بن جدعان بن عمرو رئيساً لتيم بن مرة ، والوليد بن المغيرة رئيساً لبني مخزوم ، وعمرو بن نفيل رئيساً لبني عدي ، وأمية بن خلف رئيساً لبني سهم وبني جمح ، وعمرو بن عبد شمس رئيساً لبني عامر بن لؤي ، وضرار بن الخطاب بن مرداس رئيساً لبني محارب بن فهر ، وعبد الله أبو أبي عبيدة بن الجراح ، رئيساً لبني الحارث بن فهر . المنمق لابن حبيب / 331 .
وكانت قريش عامة تدين بالوثنية مع بقايا الحنيفية ، إلا عبد المطلب وبنوه فكانوا على حنيفية أبيهم إبراهيم ( عليه السلام ) ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط ! قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم ( عليه السلام ) متمسكين به » . كمال الدين / 174 .
وكان أبو طالب يقول : أنا على ملة عبد المطلب . صحيح بخاري : 2 / 98 .
وكان في قريش ملحدون يعلنون إلحادهم ، سماهم المؤرخ ابن حبيب في المنمق / 388 : زنادقة قريش ، وقال إنهم تعلموا الزندقة من نصارى الحيرة ، وهم : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والعاص بن وائل السهمي ، وصخر بن حرب ، وعقبة بن أبي معيط ، وأبي بن خلف ، وأبو عزة ، والنضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان .
3 - قريش معدن فراعنة وأكثرهم حق عليهم القول !
سجل القرشيون رقماً قياسياً في العناد فجمعوا العناد اليهودي والبدوي ! فلم يقل أحد قبلهم ولا بعدهم : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . الأنفال : 32 . أي : لا نريد نبوة بني هاشم ، حتى لو كانت حقاً ، فإن كانت حقاً فليهلكنا الله بعذاب من عنده ، فهو خير لنا ! !
« قال معاوية لرجل من اليمن : ما كان أجهل قومك حين ملَّكوا عليهم امرأة ! فقال : أجهل من قومي قومك الذين قالوا حين دعاهم رسول الله : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ . . . ولم يقولوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه » . تفسير القمي : 1 / 276 والصراط المستقيم : 3 / 49 .
ولذا حكم الله عليهم بأنهم فراعنة فقال لهم : إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً . فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً . المزمل : 15 - 16 .
وقال لهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما وقف على قتلى بدر : « جزاكم الله من عصابة شراً ، لقد كذبتموني صادقاً ، وخونتموني أميناً ! ثم التفت إلى أبي جهل بن هشام فقال : إن هذا أعتى على الله من فرعون ! إن فرعون لما أيقن بالهلاك وحَّدَ الله ، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزى » ! أمالي الطوسي : 1 / 316 ومجمع الزوائد : 6 / 91 .
« وفرعون وقومه أخذهم الله بالسنين فطلبوا من موسى ( عليه السلام ) أن يدعو لهم ربه ، لكن قريشاً أخذهم الله بالقحط فما دعوا الله ، ولا طلبوا من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يدعو لهم ، مع أنه أرسل لهم أحمالاً من المواد الغذائية ! فأنزل الله فيهم : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ » . المؤمنون : 76 . مستدرك الحاكم : 2 / 394 .
لكن رواة السلطة كذبوا فكذَّبوا القرآن ، قالوا : « أتى أبو سفيان يشفع عنده ( صلى الله عليه وآله ) في أن يدعو الله لهم ، فدعا لهم فرفع ذلك عنهم » . النهاية : 6 / 101 .
كما أن أكثر قريش أبلسوا وحق عليهم القول ، فلن يؤمنوا أبداً ، قال تعالى : لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ . لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لايُؤْمِنُونَ . إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ . وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ . وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . يس 6 - 11 .
لكن رواة السلطة كذَّبوا القرآن وقالوا لم يحقَّ القول على أكثرهم ، بل أسلموا وحسن إسلامهم ، وصار منهم خلفاء وأئمة ، ما شاء الله !
وقد وصف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) موقف « الملأ من قريش » من نبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمعجزة التي طلبوها منه ورأوها بأم أعينهم ! فقال ( عليه السلام ) :
« ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال : هذا الشيطان أيس من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ، ولكنك وزير وإنك لعلى خير . ولقد كنت معه ( صلى الله عليه وآله ) لما أتاه الملأ من قريش فقالوا له : يا محمد إنك قد ادعيت عظيماً لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك ، ونحن نسألك أمراً إن أجبتنا إليه وأريتناه علمنا أنك نبي ورسول ، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : وما تسألون ؟ قالوا تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك . فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله على كل شئ قدير ، فإن فعل الله لكم ذلك أتؤمنون وتشهدون بالحق ؟ قالوا نعم . قال : فإني سأريكم ما تطلبون ، وإني لأعلم أنكم لا تفيئون إلى خير ، وإن فيكم من يطرح في القليب ، ومن يحزب الأحزاب . ثم قال : يا أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين أني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يديَّ بإذن الله . فوالذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مرفرفة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وببعض أغصانها على منكبي ، وكنت عن يمينه ( صلى الله عليه وآله ) . فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا علواً واستكباراً : فمرها فليأتك نصفها ويبقي نصفها ! فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشده دوياً ، فكادت تلتف برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فقالوا كفراً وعتواً : فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه كما كان ، فأمره فرجع ! فقلت أنا : لا إله إلا الله ، فإني أول مؤمن بك يا رسول الله ، وأول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقاً بنبوتك وإجلالاً لكلمتك . فقال القوم كلهم : بل ساحر كذاب ، عجيب السحر خفيف فيه ، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا ! يعنوني » ! نهج البلاغة : 2 / 157 .
أقول : صدق فيهم قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « فإني سأريكم ما تطلبون ، وإني لأعلم أنكم لاتفيئون إلى خير » ! وهذا إخبار عن عاقبة أمرهم ، فلم يفيؤوا إلى خير ومنهم من قتل في بدر ورُمي في البئر ثم حزَّبوا الأحزاب ، وبعد فتح مكة اضطرهم إلى خلع سلاحهم ، لكنهم واصلوا تآمرهم عليه ( صلى الله عليه وآله ) حتى أخذوا دولته واضطهدوا عترته !
أقول : وما تقدم من سوء عاقبة أكثرهم لا ينافي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبرهم بأنهم سيخضعون جميعاً ويقبلون دعوته ونبوته ، كما في الهداية الكبرى / 66 ، عن
أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : « لما ظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودعا قريشاً إلى الله تعالى فنفرت قريش من ذلك وقالوا : يا ابن أبي كبشة لقد ادعيت أمراً عظيماً ! أتزعم أنك نبي وأن الملائكة تنزل عليك ! فقد كذبت على الله وملائكته ، ودخلت فيما دخل فيه السحرة والكهنة ! فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لمَ تجزعون يا معاشر قريش أن أدعوكم إلى الله والى عبادته ؟ والله ما دعوتكم حتى أمرني بذلك ، وما أدعوكم أن تعبدوا حجراً من دون الله ولا وثناً ولا صنماً ولا ناراً ، وإنما دعوتكم أن تعبدوا من خلق هذه الأشياء كلها وخلق الخلق جميعاً ، وهو ينفعكم ويضركم ويميتكم ويحييكم ويرزقكم .
ثم قال : والله لتستجيبُنَّ إلى هذا الذي أدعوكم إليه شئتم أم أبيتم ، طائعين أو كارهين ، صغيركم وكبيركم ! فبهذا أخبرني جبريل عن رب العالمين ، وإنكم لتعلمون ما أنا بكاذب ، وما بي من جنون ، ولا سحر ولاكهانة ، فقد أخبرتكم بما أخبرني به ربي ، فاسمعوا وأطيعوا . فكان هذا من دلائله ( صلى الله عليه وآله ) » .
4 - فراعنة قريش أكثر من خمسة والمُؤْذُون للنبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بالعشرات
استشاط زعماء قريش غضباً بمجرد أن سمعوا خبر بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وذهبوا إلى أبي طالب وطلبوا منه أن يسلمهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليقتلوه ، فردهم وجمع بني هاشم لحمايته فأجابوه ، وأخذ المشركون يترصدون الفرصة لأذى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقتله . وكان بنو أمية وبنو مخزوم أسوأ من يؤذيه ، ومنهم : من بني عبد شمس : حنظلة بن أبي سفيان ، وعبيدة بن سعيد بن العاص ، والعاص بن سعيد بن العاص ، وعقبة بن أبي معيط ، وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وأخوه شيبة ، وابنه الوليد بن عتبة بن ربيعة .
ومن بني مخزوم : « الوليد بن المغيرة ، وأبو جهل بن هشام واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة ، وأخوه العاص بن هشام ، ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، ورفاعة بن أبي رفاعة وأخواه المنذر وعبد الله ، والسائب بن أبي السائب بن عابد ، وأخوه حاجب ، والأسود بن عبد الأسد بن هلال ، وعويمر بن السائب بن عويمر .
ومن بني سهم : منبه بن الحجاج بن عامر ، وابنه العاص بن منبه ، وأخوه نبيه بن الحجاج ، وأبو العاص بن قيس ، وعاصم بن أبي عوف .
ومن بني جمح : أمية بن خلف بن وهب ، وابنه علي ، وأوس بن معير بن لوذان .
ومن بني أسد بن عبد العزى : زمعة بن الأسود ، وابنه الحارث ، وأخوه عقيل بن الأسود ، وأبو البختري وهو العاص بن هشام بن الحارث ، ونوفل بن خويلد بن أسد ، وهو ابن العدوية وكان من شياطين قريش .
ومن بني عبد الدار : النضر بن الحارث بن كلدة ، وزيد بن مليص . ومن بني تيم بن مرة : عمير بن عثمان ، وعثمان بن مالك .
ومن بني عامر بن لؤي : معاوية بن عامر ، ومعبد بن وهب ، حليفان لهم .
ومن بني نوفل بن عبد مناف : الحارث بن عامر ، وطعيمة بن عدي » . ابن هشام 2 / 525 .
راجع أسماء المؤذين للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في إمتاع الأسماع للمقريزي : 14 / 323 وكامل ابن الأثير : 2 / 70 . وأسماء الملعونين على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) في كتابنا : ألف سؤال وإشكال : 2 / 239 .
ولا يعني إهلاك الله تعالى للمستهزئين الخمسة أن غيرهم أقل عداء للنبي ( صلى الله عليه وآله ) والإسلام ، بل يعني أنهم كانوا مانعاً من الدعوة أكثر من غيرهم ، وقد يكون غيرهم أخطر منهم على المدى الطويل كأبي سفيان ، الذي هو العدو الأول للإسلام ، فقد قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إنا وآلُ أبي سفيان أهل بيتين تعادينا في الله قلنا صدق الله وقالوا كذب الله . . » . معاني الأخبار / 346 .
5 - المستهزئون الخمسة عقبة أزاحها الله من طريق الدعوة !
يعتبر النص القرآني في المستهزئين ركناً في تدوين السيرة ، لأنه قطعي الدلالة مجمع عليه عند المؤرخين ، وأن الله تعالى أهلكهم ففتح باب الدعوة لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأمره أن يصدع بأمر ربه . والصدع : الإعلان بحزم ، فقال تعالى : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ .
وتفاوتت الرواية في عددهم من خمسة إلى سبعة عشر ، لكنا اعتمدنا الخمسة لأنه المشهور والمروي عن أهل البيت « عليهم السلام » . وكان إهلاكهم بمعجزة ربانية ، لتبدأ مرحلة جديدة في عمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) : مرحلة إعلان الدعوة العامة إلى الإسلام ، بعد أن كانت دعوة خاصة لبني هاشم . وكان كل واحد من المستهزئين يقول قبل هلاكه : « قتلني رب محمد » ! فانتشر الخوف في قريش من رب محمد ( صلى الله عليه وآله ) !
وكان إهلاكهم يوم تشديد إنذارهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بالقتل إن لم يتراجع عن نبوته !
وعندما أخبره جبرئيل بهلاكهم : « فخرج رسول الله فقام على الحِجْر فقال : يا معشر قريش ، يا معشر العرب ، أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام ، فأجيبوني تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم ، وتكونوا ملوكاً في الجنة . فاستهزؤوا وقالوا : جُنَّ محمد بن عبد الله ، ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب » . تفسير القمي : 1 / 377 .
وفي الخصال / 279 ، عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) : « أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال ليهودي من أحبار الشام في جواب مسائله : فأما المستهزؤون فقال الله عز وجل له : إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ ، فقتل الله خمستهم ، قد قتل كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد : أما الوليد بن المغيرة فإنه مرَّ بنبل لرجل من بني خزاعة قد راشه في الطريق فأصابته شظية منه ، فانقطع أكحله حتى أدماه ، فمات وهو يقول : قتلني رب محمد ! وأما العاص بن وائل السهمي ، فإنه خرج في حاجة له إلى كداء فتدهده تحته حجر فسقط فتقطع قطعة قطعة ، فمات وهو يقول :
قتلني رب محمد !
وأما الأسود بن عبد يغوث ، فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة ومعه غلام له فاستظل بشجرة تحت كداء فأتاه جبرئيل ( عليه السلام ) فأخذ رأسه فنطح به الشجرة ، فقال لغلامه : إمنع هذا عني ! فقال : ما أرى أحداً يصنع بك شيئاً إلا نفسك ! فقتله وهو يقول : قتلني رب محمد ! . .
وأما الحارث بن الطلاطلة فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشياً ، فرجع إلى أهله فقال : أنا الحارث فغضبوا عليه فقتلوه ، وهو يقول : قتلني رب محمد !
وأما الأسود بن المطلب فإنه أكل حوتاً مالحاً فأصابه غلبة العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه فمات ، وهو يقول : قتلني رب محمد !
كل ذلك في ساعة واحدة ، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا له : يا محمد ننتظر بك إلى الظهر فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك ، فدخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) منزله فأغلق عليه بابه مغتماً بقولهم ، فأتاه جبرئيل ( عليه السلام ) ساعته فقال له : يا محمد السلام يقرئك السلام وهو يقول : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ، يعني أظهر أمرك لأهل مكة وادع ، وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ . قال : يا جبرئيل كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني ؟ قال له : إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ . قال : يا جبرئيل كانوا عندي الساعة بين يدي ؟ فقال : قد كفيتهم ! فأظهر أمره عند ذلك » !
وهذه الرواية أوثق عندي من رواية ابن إسحاق قال : 5 / 254 : « كان المستهزؤون برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسة : الأسود بن عبد يغوث بن وهب ، والأسود بن المطلب بن أسد ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والحارث بن الطلاطلة أحد خزاعة ، فكانوا يهزؤون برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويغمزونه ، فأتاه جبريل فوقف به عند الكعبة وهم يطوفون به فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار جبريل إلى بطنه فمات حبناً ، ومر به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي ، ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى جرح في كعب رجله قد كان أصابه قبل ذلك بيسير فانتقض به فقتله ، ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته ، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتحض قيحاً حتى قتله ، ففيهم أنزل الله عز وجل : إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئينَ » . وابن هشام : 2 / 277 . وفي فتح الباري : 8 / 290 : « الأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والعاصي بن وائل ، والحرث بن قيس ، والوليد بن المغيرة » .
6 - رئيس المستهزئين الوليد بن المغيرة
أ . من صفات المستهزئين الخمسة : الإلحاد ، والمادية ، والتكبر ، والتعقيد النفسي ! بحيث أن الله تعالى الذي وسع حلمه كل شئ ، قال عنهم وعن رئيسهم الوليد :
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ . إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَلِينَ . سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُوم .
وقال عز وجل : ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا . وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا . وَبَنِينَ شُهُودًا . وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا . ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ . كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا . سَأُرْهِقْهُ صَعُودًا . إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ . فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ نَظَرَ . ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ . ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ .
فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاسِحْرٌ يُؤْثَرُ .
وكانت مهنة الوليد صناعة الدروع « البحار : 31 / 101 » وكان زنديقاً ملحداً لا يؤمن بشئ ، وكذا العاص بن وائل ، وعدد من كبار قريش . المنتمق / 288 وعمدة القاري : 11 / 209 .
وكان الوليد رئيس بني مخزوم ، وهو الذي قاد زعماء قريش في مواجهة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وفي تفسير القمي : 2 / 430 : أنه نزل فيه قوله تعالى : كَلا إِنَّ الإنسان لَيَطْغَى . أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى . إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى . أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى . عَبْدًا إِذَا صَلَّى .
وفي تفسير القمي : 2 / 393 : « ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً . . فإنها نزلت في الوليد بن المغيرة وكان شيخاً كبيراً مجرباً من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وإنما سمي وحيداً لأنه قال لقريش : أنا أتوحد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعتكم سنة ، وكان له مال كثير وحدائق ، وكان له عشر بنين بمكة ، وكان له عشرة عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها ، وتلك القنطار في ذلك الزمان » .
ب . وقد وصف الله تعالى الوليد بقوله : عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ، لأنه كان دعياً وليس لأبيه !
وفي الكشاف : 4 / 142 : « العتل : الجافي . والزنيم : الدعي . وكان الوليد دعياً في قريش ليس من سنخهم ، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة من مولده » .
وفي المنمق / 104 ، أنه تنافر مع أسيد بن أبي العيص الأموي فقال له أسيد : « أنت رجل من كنانة من بني شجع ! دخيل في قريش نزيع في بني مخزوم » !
وسيأتي طعن أبي طالب « رحمه الله » بنسبه . كما أن بني أمية مطعون في نسبهم ، فقد قال أبو طالب « رحمه الله » إن أمية كان عبداً لعبد المطلب . شرح النهج : 15 / 233 .
كما طعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في نسب عقبة بن أبي معيط فقال له : « ما أنت وقريش ، وهل أنت إلا يهودي من صفورية » ! الإحتجاج : 1 / 412 ، الإصابة : 5 / 398 والطبري : 5 / 157 .
ج . قال الوليد بن المغيرة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : « والله لو كانت النبوة حقاً لكنت أولى بها منك ! لأنني أكبر منك سناً ، وأكثر منك مالاً » . المناقب : 1 / 47 وعدد من التفاسير .
وفي تفسير الثعلبي : 4 / 187 : ونزلت فيه : وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ . اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ . وقال الوليد : « أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها ! ويترك أبو مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ونحن عظيما القريتين » ! « الإحتجاج 1 / 26 وابن هشام 1 / 242 » . فأنزل الله : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ . أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ . الزخرف : 31 - 32 .
د . وفي السنة الأولى لبعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا الوليد زعماء قريش إلى وليمة ليتفقوا على موقف واحد من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! ففي الطبراني الكبير : 11 / 102 : « صنع لقريش طعاماً فلما أكلوا قال : ما تقولون في هذا الرجل ؟ فقال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : ليس بساحر . وقال بعضهم : كاهن ، وقال بعضهم : ليس بكاهن . وقال بعضهم : شاعر ، وقال بعضهم : ليس بشاعر . وقال بعضهم : سحر يؤثر ! فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر » .
وتقدم ذلك في فصل دعوة العشيرة الأقربين .
ه - . اقترح زعيم قريش الوليد على النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يعبدوا ربه سنة ، ويعبد آلهتهم سنة !
« اعترضوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، منهم عتبة بن ربيعة ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن سعيد ، فقالوا : يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ونشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه ، وإن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه ، فأنزل الله تعالى : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لاأَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ . وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِي دِينِ » . أمالي المفيد / 246 ، أمالي الطوسي / 19 وسيرة ابن هشام الحميري : 1 / 243 . وفي ذلك إخبار بأن هؤلاء لن يؤمنوا أبداً .
و . قال الوليد ومعه الملأ من قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : « إن كنت صادقاً فشُقَّ لنا القمر فرقتين قال : إن فعلت تؤمنون ؟ قالوا : نعم ، فأشار إليه بإصبعه فانشق شقتين رؤي حراء بين فَلْقيه فقالوا : هذا سحر مستمر من سحر محمد ! فأنزل الله تعالى : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ . وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ » . المناقب : 1 / 106 ، مجمع البيان : 9 / 310 ، الفصول المختارة / 20 ، مقدمة فتح الباري / 300 ، المناقب لمحمد بن سليمان : 1 / 42 ، الصحيح من السيرة : 3202 وجعلها في السنة الثامنة .
أقول : أفاضت التفاسير ومصادر السيرة في وصف معجزة شق القمر ، وفي الخرائج : 1 / 31 أنها كانت في أول البعثة ، وروي أنها مرتان . عيون الأثر : 1 / 149 .
وذكرت رواية ابن عباس في الحلية وفتح الباري : 7 / 139 اسم الوليد بن المغيرة في الذين طلبوا هذه المعجزة ، وهو دليل على أنها كانت قبل هلاكه في السنة الثالثة ، ولا يضر وجود اسم أبي جهل لأنه كان إلى جانب الوليد ، ولعل الطلب تكرر .
هذا ، وقد ذكر الفلكيون أن في القمر شقاً الآن ، فقد يكون انشق حقيقة ، ثم
عاد واحداً .
ز . هاجر الأوس بسبب صراعهم مع الخزرج إلى مكة وحالفتهم قريش ، فأبطل الوليد بمكيدته حِلْفَهم ، ففي المنمق / 268 : « خرجت الأوس جالية من الخزرج حتى نزلت على قريش بمكة فحالفتها ، فلما حالفتها قال الوليد بن المغيرة : والله ! ما نزل قوم قط على قوم إلا أخذوا شرفهم وورثوا ديارهم ، فاقطعوا حلف الأوس ، فقالوا : بأي شئ ؟ قالوا : إن في القوم حشمة ، فقولوا : إنا قد نسينا شيئاً لم نذكره لكم : إنا قوم إذا طاف النساء بالبيت فرأى الرجل امرأة تعجبه قبلها ولمسها بيده ، فلما قالوا ذلك للأوس نفروا وقالوا : إقطعوا الحلف بيننا وبينكم فقطعوه ، ثم انقطع هذا الحلف » .
ح . كانت وصية الوليد لأولاده من أغرب الوصايا ، ففي المنمق / 191 : « فلما حضرت الوليد الوفاة . . فدعا ولده هشاماً وخالداً والوليد والفاكه وأبا قيس وقيساً وعبد شمس وعمارة ، فقال لهم : يا بَنِيَّ إني أوصيكم بثلاث فلا تضيعوهن : دمي في خزاعة فلا تطلُّنَّه ، والله إني لأعلم أنهم منه براء ولكن أخشى أن تُسَبُّوا به بعد اليوم ! ورباي في ثقيف فلا تدَعوه حتى تأخذوه ، وعُقري عند أبي أزيهر الدوسي فلا يفوتنكم به ، وكان أبو أزيهر قد زوجه ابنة له ثم أمسكها عنه فلم يدخلها عليه حتى مات . . . فقال له بنوه : والله ما نعلم أحداً من العرب أوصى بنيه بشرِّ مما أوصيت به . . . فلما هلك الوليد بن المغيرة وثبت بنو مخزوم على خزاعة يلتمسون عقله . . . وغلظ الأمر بينهم ، وكان الذي أصاب الوليد سهمه رجلاً من كعب بن عمرو من خزاعة . . . ثم إن الناس ترادوا وعرفوا أنما يخشى القوم السُّبَّة ، فأعطتهم خزاعة بعض العقل ، وانصرفوا عن بعض » .
وسبب طلبه ديته من خزاعة أنه : « مرَّ بنبل لرجل من بني خزاعة قد راشه في الطريق فأصابته شظية منه فانقطع أكحله حتى أدماه ، فمات وهو يقول : قتلني رب محمد » ! الخصال / 279 .
فقد اعترف بأن رب محمد قتله ، وأوصى بأخذ الدية من صاحب السهام !
ونفذ ابنه خالد وصيته ، فأخذوا الدية من خزاعة ، وقتلوا أبا أزيهر غيلة ، عندما كان ضيفاً عند حليفهم أبي سفيان ! المنمق / 199 و 203 وابن هشام : 2 / 278 .
ط . أسلم الوليد بن المغيرة في مكة ، ثم ارتد مع ابن أخيه الفاكه ، عمدة القاري : 18 / 187 . ثم كان مع المشركين في بدر فقتله علي ( عليه السلام ) . شرح الأخبار : 1 / 265 وابن هشام : 2 / 528 .
وعمارة بن الوليد ، هو الذي جاؤوا به إلى أبي طالب ليعطيهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيقتلوه ويأخذه بدله ! ثم أرسلوه مع عمرو بن العاص إلى النجاشي فاختلفا وهلك هناك .
والوليد بن الوليد بن المغيرة ، زعموا أنه أسلم سراً ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يدعو له في قنوته بعد صلح الحديبية : « فيقول : اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين . اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سني يوسف » . رواه بخاري : 1 / 194 ، سبع مرات ! .
وتوفي الوليد بن الوليد في المدينة في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ففي الكافي : 5 / 117 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) « فقالت أم سلمة « المخزومية » للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم ؟ فأذن له ، فلبست ثيابها وتهيأت وكانت من حسنها كأنها جان ، وكانت إذا قامت فأرخت شعرها جلل جسدها وعقدت بطرفيه خلخالها ، فندبت ابن عمها بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت :
أنعى الوليد بن الوليد * أبا الوليد فتى العشيرة
حامي الحقيقة ماجد * يسمو إلى طلب الوتيرة
قد كان غيثاً في السنين * وجعفراً غدقاً وميرة
قال : فما عاب ذلك عليها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا قال شيئاً » .
وهشام بن الوليد بن المغيرة ، كان من شخصيات قريش المؤلفة قلوبهم . « الإستيعاب 4 / 1541 » . وهو الذي قتل أبا أزيهر الدوسي . وهو الذي هدد عثمان عندما ضرب عمار بن ياسر « رحمه الله » حليف بني مخزوم ، فقال له : « أما والله لئن مات عمار من ضربه هذا ، لأقتلن به رجلاً عظيماً من بني أمية » . الإمامة والسياسة : 1 / 51 .
وخالد بن الوليد ، كان مع أبيه في عدائه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأحد الذين انتدبتهم قريش لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلة الهجرة عندما بات علي ( عليه السلام ) في فراشه : « فلما بصر بهم علي قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها ، يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، وثب به عليٌّ فختله وهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر . أمالي الطوسي / 467 .
ومعنى يقمص قِمَاصَ البكر : يصيح كالجمل الصغير . وشارك مع إخوته في بدر فنجا ، وقُتل أخوه أبو قيس ، وأُسر أخوه الوليد بن الوليد . شرح النهج : 14 / 203 .
وكان خالد أحد قادة المشركين في أُحُد ، وسبباً في هزيمة المسلمين بعد انتصارهم عندما اغتنم مع عكرمة وضرار فرصةً وهاجمهموهم من خلفهم .
وأسلم خالد بعد صلح الحديبية هو وعمرو بن العاص لما رأيا أن ميزان القوة تحول إلى جانب النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إني أرى أمر محمد يعلو الأمور علواً منكراً ! « ابن هشام : 3 / 748 » فجاء إلى المدينة هو وعمرو بن العاص وأسلما . وبعد فتح مكة شارك مع قريش إلى جانب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حرب حنين ، وكان أول المنهزمين .
وبعد فتح الطائف وخضوع ثقيف ، أراد خالد أن يستوفي ربا أبيه من ثقيف فمنعه النبي ( صلى الله عليه وآله ) . « المنمق / 203 والحدائق : 19 / 222 » ، ثم طالبهم به ، فشكاه الثقفيون إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فنزلت الآية : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . « عمدة القاري : 11 / 201 وجواهر الكلام : 23 / 299 » . فأكد النبي إلغاء
ربا الجاهلية .
ي . عمل خالد مع اليهود والطلقاء لأخذ خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان في من هاجموا بيت علي وفاطمة « عليهما السلام » وهددوهم بحرق البيت عليهم إن لم يبايعوا ! وأرسله أبو بكر لإخضاع مالك بن نويرة رئيس عشيرة من بني تميم ، الذي عينه النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسؤولاً عن صدقات قومه ، فلما بلغه وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاء إلى المدينة :
قال ابن شاذان في الفضائل / 76 : « فدخل يوم الجمعة وأبو بكر على المنبر يخطب بالناس فنظر إليه وقال : أخو تيم ؟ قالوا : نعم . قال : فما فعل وصي رسول الله الذي أمرني بموالاته ؟ قالوا : يا أعرابي ، الأمر يحدث بعده الأمر ! قال : بالله ما حدث شئ وإنكم قد خنتم الله ورسوله ! ثم تقدم إلى أبي بكر وقال : من أرقاك هذا المنبر ووصي رسول الله جالس ؟ فقال أبو بكر : أخرجوا الأعرابي البوال على عقبيه من مسجد رسول الله ! فقام إليه قنفذ بن عمير وخالد بن الوليد ، فلم يزالا يلكزان عنقه حتى أخرجاه ! فركب راحلته وأنشأ :
أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيا قوم ما شأني وشأن أبي بكر
إذا مات بكر قام عمر ومقامه * فتلك وبيت الله قاصمة الظهر
يدب ويغشاه العشار كأنما * يجاهد جماً أو يقوم على قبر
فلو قام فينا من قريش عصابة * أقمنا ولكن القيام على جمر
قال فلما استتم الأمر لأبي بكر وجه خالد بن الوليد ، وقال له : قد علمت ما قاله مالك على رؤس الأشهاد ، ولست آمن أن يفتق علينا فتقاً لا يلتئم ، فاقتله !
فحين أتاه خالد ركب جواده وكان فارساً يعد بألف ، فخاف خالد منه فآمنه وأعطاه المواثيق ، ثم غدر به بعد أن ألقى سلاحه فقتله وأعرس بامرأته في ليلته » !
ك . ضخموا دور خالد في الفتوحات ، ونسبوا اليه بطولات غيره ، وقد بينا بعض مكذوباتهم في كتاب : قراءة جديدة في حروب الردة ، والفتوحات .
ل . كان عمر بن الخطاب يبغض خالد بن الوليد ، لأن خالداً كسر ساقه ، فكان عمر يخوي ، أي يفحج في مشيه كل عمره . النهاية : 7 / 131 وتفسير الطبري : 2 / 79 .
وكان خالد يرى نفسه أنه ابن أكبر شخصية في قريش ، وأن عمر مغمور ومن قبيلة مغمورة ، ويرى أن عمر ن يعمل مبرطشاً أي دلال كراية حمير وإبل . « نهاية ابن الأثير 1 / 119 وتاج العروس 9 / 58 » . وكان عمر قبل ذلك خادماً لأخ خالد عمارة بن الوليد في سفر له إلى الشام ، فغضب عليه عمارة وأراد أن يقتله . المنمق / 130 .
وأول عمل قام به عمر لما صار خليفة أنه عزل خالداً ، وكتب لأبي عبيدة بن الجراح إن لم يتراجع عن تحقره لأم عمر ونفيها من بني مخزوم ، أن يعزله ويقاسمه كل ما يملك ، فأبى خالد فعزله وقاسمه حتى أخذ « فردة » نعله وترك له الثانية !
وعاش خالد بقية حياته في حمص ، ولما مات منع عمر البكاء عليه .
م . برز من أولاد خالد عبد الرحمن وكان قائد جيش معاوية في صفين ، وأحبه أهل الشام فطلبوا من معاوية أن يجعله ولي عهده ، فقتله معاوية بالسم على يد طبيب مسيحي ، فجاء أخوه المهاجر من مكة وأخذ بثأره . وكان المهاجر شيعياً شهد مع علي ( عليه السلام ) حرب الجمل وصفين ، وله أولاد شيعة . « الاستيعاب : 4 / 1453 » . وقيل مات في طاعون عمواس عشرون شخصاً من ولد الوليد بن المغيرة . لكنا نشك في موته بالطاعون ، فلعله بسم معاوية ، مثل بلال وأصحابه الثلاثين الذين كتبوا إلى عمر بفساد معاوية ، وكان عمر يدعو عليهم في صلاته ، فاستجاب الله دعاءه ودعاء معاوية وماتوا جميعاً في تلك السنة ! الإستيعاب : 4 / 1711 .
7 - إهلاك المستهزئين غيَّرَ ميزان القوة لصالح النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
كان إهلاك المستهزئين الخمسة قوة لأبي طالب « رحمه الله » ، فقوَّى عزيمة بني هاشم في حماية النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ومما يدل على ذلك موقف حمزة القوي الذي تحدى به أبا جهل رئيس مخزوم وضربه على رأسه بقوسه ، وأعلن إسلامه !
وكذلك مواقف أبي طالب في حماية النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي تحدى فيها قريشاً وأذلها !
منها : ما رواه الكافي : 1 / 449 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « بينا النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد ، فألقى المشركون عليه سلا ناقة فملؤوا ثيابه بها ، فدخله من ذلك ما شاء الله ، فذهب إلى أبي طالب فقال له : يا عم كيف ترى حسبي فيكم ؟ فقال له : وماذا يا ابن أخي ؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السيف ، وقال لحمزة : خذ السلا ! « الفرث والدم » ثم توجه إلى القوم والنبي معه ، فأتى قريشاً وهم حول الكعبة ، فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه ، ثم قال لحمزة : أمِرَّ السَّلى على سِبالهم « شواربهم » ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم !
ثم التفت أبو طالب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا ابن أخي هذا حسبك فينا » !
وروت المصادر القصة بصيغ مشابهة وفيها أبيات لأبي طالب « رحمه الله » ، كرواية السيد فخار بن معد في كتابه الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب / 346 ، عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « مر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفر من قريش وقد نحروا جزوراً وكانوا يسمونها الظهيرة ويذبحونها على النصب فلم يسلم عليهم ، فلما انتهى إلى دار الندوة قالوا : يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا ! فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه ؟ فقال عبد الله بن الزبعرى السهمي : أنا أفعل ، فأخذ الفرث والدم فانتهى به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو ساجد فملأ به ثيابه ومظاهره ، فانصرف النبي حتى أتى عمه أبا طالب فقال : يا عم من أنا ؟ فقال : ولمَ يا بن أخ ؟ فقص عليه القصة ، فقال : وأين تركتهم ؟ فقال : بالأبطح ، فنادى في قومه : يا آل عبد المطلب يا آل هاشم ، يا آل عبد مناف ، فأقبلوا إليه من كل مكان مُلَبِّين قال : كم أنتم ؟ قالوا : نحن أربعون قال : خذوا سلاحكم فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتى انتهى إلى أولئك النفر ، فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا فقال لهم : ورب هذه البنية لايقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف ! ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات ، حتى قطعها ثلاثة أفهار « أحجار » ثم قال : يا محمد سألتني من أنت ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
أنت النبي محمدُ * قَرْمٌ أغَرُّ مُسَوَّدُ
لمسوَّدين أكارمٍ * طابوا وطاب المولد
نعم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد
هشم الربيكة في الجفان * وعيش مكة أنكد
فجرت بذلك سنة * فيها الخبيزة تثرد
ولنا السقاية للحجيج * بها يماث العنجد
والمأزمان وما حوت * عرفاتها والمسجد
أنى تضام ولم أمت * وأنا الشجاع العربد
وبطاح مكة لا يرى * فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم * أسدُ العرين توقد
ولقد عهدتك صادقاً * في القول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصواب * وأنت طفل أمرد
ثم قال : يا محمد أيهم الفاعل بك ؟ فأشار النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها ، ثم أمر بالفرث والدم فأُمِرَّ على رؤس الملأ كلهم ! ثم قال : يا ابن أخ أرضيت ؟ ثم قال : سألتني من أنت ؟ أنت محمد بن عبد الله ، ثم نسبه إلى آدم ، ثم قال : أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً . يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفوني » !
ورواه في شرح النهج : 14 / 77 ، البحار : 35 / 164 والغدير : 7 / 388 ، وثمرات الأوراق بهامش المستطرف : 2 / 3 ، كما في حياة أمير المؤمنين . والربيكة : طعام من تمر وأقط وسمن . والعنجد : الزبيب .
وروى في التوحيد / 158 ، تفسير الإمام الباقر ( عليه السلام ) للبيتين الأخيرين ، قال : « يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ . قال : يكاد العالم من آل محمد « عليهم السلام » يتكلم بالعلم قبل أن يسأل . نُورٌ عَلَى نُورٍ : يعني : إماماً مؤيداً بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة . فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عز وجل خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه ، لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم . يدل على صحة ذلك قول أبي طالب في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنت الأمين محمد . . الأبيات . . يقول : ما زلت تتكلم بالعلم قبل أن يوحى إليك ، وأنت طفل كما قال إبراهيم ( عليه السلام ) وهو صغير لقومه : إنِّي بَرِئٌ مِمَّا تُشْرِكُون . وكما تكلم عيسى ( عليه السلام ) في المهد فقال : إنِّي عَبْدُ الله آتانيَ الكتَابَ وجَعَلَنِي نَبِياً . . الآية . . » .
ومنها : ما رواه في كنز الفوائد / 74 ، قال : « ومن ذلك أن أبا جهل جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومعه حَجَرٌ يريد أن يرميه به إذا سجد ، فلما سجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رفع أبو جهل يده فيبست على الحجر ، فرجع فقالوا له : أجبنت ؟ قال : لا ، ولكن رأيت بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه ! وهذا الحديث مشهور وفيه يقول أبو طالب « رحمه الله » :
أفيقوا بني غالب وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق
وإلا فإني إذن خائف * بوائق في داركم تلتقي
تكون لغيركم عبرة * ورب المغارب والمشرق
كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد فمن ذا بقي
غداة أتاهم بها صرصر * وناقة ذي العرش قد تستقي
فحل عليهم بها سخطة * من الله في ضربة الأزرقجج
غداة يعض بعرقوبها * حساما من الهند ذا رونق
وأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام من خبثه * إلى الصابر الصادق المتقي
فأثبته الله في كفه * على رغمة الجائر الأحمق
أحيمق مخزومكم إذ غوى * لغي الغواة ولم يصدق »
ورواه الحميري في قرب الإسناد / 317 ، بسند صحيح . والاحتجاج : 1 / 343 وشرح النهج : 14 / 74 .
ومن عجيب ما تراه في نسخة سيرة ابن إسحاق 4 / 193 أن بعضهم زعم أن هذه الأبيات لعمر بن الخطاب ، مع أن عمر لم يقل الشعر ! قال : « قال عمر بن الخطاب فيما يزعمون بعد إسلامه ، يذكر ما رأت قريش من العبرة فيما كان أبو جهل هم به من رسول الله وقائل يقول قالها أبو طالب ، والله أعلم بمن قالها » !
ونلاحظ في شعرأبي طالب توبيخه لزعماء قريش عامة ، ولأبي جهل خاصة ، وهذا أشد عليهم من ضربة حمزة له في نادي قريش ، مما يعني أن ميزان القوة بعد هلاك الفراعنة الخمسة مال بشكل واضح لمصلحة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد انخذل زعماء قريش وسكتوا أمام ما فعله حمزة وما فعله أبو طالب ، وما فعله علي ( عليه السلام ) الذي : « كان يقضم آذان صبيانهم وأنوفهم ! فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون : قضمنا عليٌّ ، قضمنا علي . تفسير القمي : 1 / 114 ! ويسكت الآباء على فعل علي ( عليه السلام ) !
ومنها : أن أحد أعيان بني مخزوم أسلم ، فبادر بنو مخزوم ورئيسهم أبو جهل ليؤذوه ، فتدخل أبو طالب « رحمه الله » وخلصه من تعذيبهم لأن أمه من بني هاشم » !
ففي سيرة ابن إسحاق 2 / 145 : « عَدَتْ قريش على من أسلم منهم فأوثقوه وآذوه ، واشتد البلاء عليهم وعظمت الفتنة فيهم وزلزلوا زلزالاً شديداً ، وعدت بنو جمح على عثمان بن مظعون ، وفرَّ أبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم إلى أبي طالب ليمنعه وكان خاله ، فجاء بنو مخزوم ليأخذوه فمنعهم فقالوا : يا أبا طالب منعت منا ابن أخيك أتمنع منا ابن أخينا ؟ فقال أبو طالب : أمنع ابن أختي مما أمنع ابن أخي ! فقال أبو لهب - ولم يتكلم بكلام خير قط ليس يومئذ - : صدق أبو طالب لايسلمه إليكم ! فطمع فيه أبو طالب حين سمع منه ما سمع ورجا نصره والقيام معه ، فقال شعراً استجلبه بذلك :
وإن امرأً أبو عتيبة عمه * لفي روضة من أن يسام المظالما
أقول له وأين مني نصيحتي * أبا معتب ثبت سوادك قائما
ولا تقبلن الدهر ما عشت خطة * تسب بها أما هبطت المواسم
[ وول سبيل العجز غيرك منهم * فإنك لم تخلق على العجز لازما ]
وحارب فإن الحرب نصف ولن ترى * أخا الحرب يعطي الضيم إلا يسالما
وولى سبيل العجز غيرك منهم * فإنك لن تلحق على العجز لازما »
[ وكيف ولم يجنوا عليك عظيمةً * ولم يخذلوك غانماً أو مغارما ]
[ جزى الله عنا عبد شمس ونوفلاً * وتيماً ومخزوماً عقوقاً ومأثما ]
[ بتفريقهم من بعد ود وألفة * جماعتنا كيما ينالوا المحارما ]
[ كذبتم وبيت الله نُبزي محمداً * ولما تروا يوماً لدى الشعب قائما ] »
أقول : ما بين المعقوفين من نسخة ابن هشام : 1 / 248 مع أنه نقلها عن ابن إسحاق ، وليست في نسخته التي بأيدينا ، فدل على أنها ناقصة أو محرفة » !
وقال ابن هشام : « وبقي منها بيت تركناه » . والبيت الذي حذفه رواه القاضي النعمان في المناقب / 123 ، قال : « فقام إليهم أبو لهب فقال : قد والله أكثرتم على هذا الشيخ ! ما تزالون توثَّبون عليه في جواره من بين قومه ، والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه فيما قام حتى يبلغ ما أراد ! فقالوا : بل ننصرف عمّا تكره يا أبا عتبة . وخافوا أن يجتمع أمره مع أبي طالب فيعظم الأمر عليهم ، ولم يكن من أبي لهب قبل ذلك خير . فلما سمع منه أبو طالب ما سمع طمع فيه فقال . . وروى البيت الذي حذفه ابن هشام :
أطاعوا ابن ذكوان وقيساً ودَيْسماً فضلوا وذاقوا بالجميع المياسما .
وقال : يعني بابن ذكوان : عقبة بن أبي معيط . ودَيْسم : الوليد بن المغيرة . وقيس : قيس بن عاقل » . والدَّيْسَم : ابن الذئب من الكلبة ! لسان العرب : 12 / 201 .
وكان أبو طالب « رحمه الله » يطعن في نسب الوليد بن المغيرة ، وقد صدَّقه الله تعالى فوصفه في سورة القلم بأنه : مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ . « فتح الباري 8 / 507 » .
أي دعي ملحق بأبيه وليس له ! العين : 1 / 375 .
فترك ابن هشام هذا البيت ليغطي على أصل الذين حكموا هذه الأمة المسكينة ! ومنه تعرف لماذا يكرهون شعر أبي طالب « رحمه الله » ! ويظهر أن قيس بن عاقل كان رئيس بني جمح ، فقد ذمهم أبو طالب ووصفهم بأنهم عبيده . ابن هشام : 1 / 179 .
كما يظهر أن ابن أبي معيط الأموي كان له تأثير على أبي سفيان وبني أمية عامة في عداوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونسبوا آل معيط إلى ذكوان بن أمية ، وقال عنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « ما أنت وقريش ، وهل أنت إلا يهودي من صفورية ؟ ! » البكري : 3 / 131 .
ومنها : أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان أحياناً يذهب بعد هلاك المستهزئين إلى المسجد وحده بدون حراسة ، كما دل حديث إعلان حمزة إسلامه عندما استفرد به أبو جهل وشتمه ! وكما دل تحريكهم الأولاد ليؤذوه في طريق ذهابه ، أو عودته !
روى في تفسير القمي : 1 / 114 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي : يا قضيم ، قال : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب وأغروا به الصبيان ، وكانوا إذا خرج رسول الله يرمونه بالحجارة والتراب ، فشكى ذلك إلى علي فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فأخرجني معك ، فخرج رسول الله ومعه أمير المؤمنين فتعرض الصبيان لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كعادتهم فحمل عليهم أمير المؤمنين وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم ! فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون : قضمنا عليٌّ ، قضمنا علي ! فسمي لذلك : القضيم » .
وفي نهاية ابن الأثير : 1 / 402 و 4 / 78 : « ومنه حديث علي رضي الله عنه : كانت قريش إذا رأته قالت : إحذروا الحطم ، إحذروا القضم ! أي الذي يقضم الناس فيهلكهم » . وفي أدب الكاتب لابن قتيبة / 171 : « الخَضْم بالفم كله ، والقَضْمُ بأطراف الأسنان . قال
أبو ذر « رحمه الله » : تَخْضِمُونَ وَنَقْضَمُ ، والمَوْعِدُ الله » .
ويظهر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان أغلب الأحيان يتحرك إلى المسجد بحراسة ويصلي فيه ، ويتلو القرآن بصوت هادئ أو مرتفع أحياناً ، ويدعو الناس إلى الإسلام علناً .
كما كان يذهب إلى القبائل في موسم الحج ، وفي عمرة رجب ، وسوق عكاظ ، يعرض عليهم أن يذهب إلى بلادهم فيحموه حتى يبلغ رسالة ربه ، فكانوا يرفضون ذلك خوفاً من قريش ، أو يشرطون عليه أن يكون الأمر لهم من بعده ، فيجيبهم إن الأمر لله وقد وضعه في أهله ، ويطلب منهم أن يبايعوه على أن لاينازعوا الأمر أهله .