الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الصناعة الجاهلية مقيدة
المؤلف:
شوقي ضيف
المصدر:
الفن ومذاهبه في الشعر العربي
الجزء والصفحة:
ص 17-19
4-10-2015
2691
كان الشاعر الجاهلي يحاول أن يوفر في شعره كثيرًا من القيم الصوتية والتصويرية وكان يلقى عناءً شديدًا في هذا التوفير؛ إذ نراه يتقيد بقيود كثيرة، لا تقف عند الموسيقى والتصوير؛ بل تتعدى ذلك إلى الموضوعات والألفاظ والمعاني، وقد عبَّر عن هذا الجانب في أشعاره يقول امرؤ القيس(1):
عُوجَا على الطلل الْمُحِيلِ لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن خِذام(2)
ويقول زهير:
ما أرانا نقول إلا مُعارا ... أو مُعادًا من لفظنا مَكْرورا
ويقول عنترة:
هل غادر الشعراء من مُتَرَنَّم ... أم هل عرفت الدار بعد توهُّمِ(3)
وما يقوله امرؤ القيس من أنه يريد أن يبكي كما بكى ابن خذام، وما يقوله زهير من أن الشعراء يبدئون ويعيدون في ألفاظهم، وما يقوله عنترة من أن نهج الشعراء في قصائدهم مطرد على وتيرة واحدة، كل ذلك دليل على أن الشاعر القديم كان يأخذ فنه بقيود ورسوم كثيرة في اللفظ والموضوع والنهج العام. ومن يرجع إلى طوال النماذج الجاهلية ويترك المقطعات القصيرة يلاحظ في وضوح أنها تأخذ نمطًا معينًا في التعبير والأداء، وكأنما العصر الجاهلي نفسه هو الذي أعدَّ للقصيدة التقليدية عند العرب قصيدة المدح والهجاء؛ فإن الشعراء كانوا يحرصون في كثير من مطولاتهم منذ العصر الجاهلي على أسلوب موروث فيها؛ إذ نراها تبتدئ عادة بوصف الأطلال وبكاء الدِّمَن، ثم تنتقل إلى وصف رحلات الشاعر في الصحراء، وحينئذ يصف ناقته التي تملأ حسه ونفسه وصفًا دقيقًا فيه حذق ومهارة، ثم يخرج من ذلك إلى الموضوع المعين من مدح أو هجاء أو غيرهما، واستقرت تلك الطريقة التقليدية في الشعر العربي، وثبتت أصولها في مطولاته الكبرى على مر العصور.
وهذا النمط المعين في صنع المطوَّلات القديمة يدل دلالة قاطعة على أن صناعة الشعر استوى لها حينذاك غير قليل من القيود والتقاليد؛ إذ نرى القصائد تتحد أنغامها، وكان عنترة يشكو من هذا الاتحاد، كما تتحد أساليبها ولغتها وتراكيبها، وكما تتحد معانيها وصورها وأخيلتها، وكان زهير يشكو أيضًا من ذلك؛ فما يقوله ابن خذام في بكاء الأطلال يأخذه عنه امرؤ القيس، وما يقوله امرؤ القيس يأخذه عنه بقية الشعراء، وإن وجَدّ معنى في الطريق كوصف الأطلال عند طرفة(4) بالوشم أخذه زهير(5) وغير زهير.
وهم كذلك في وصف الناقة يتداولون أوصافها، وإن حدث معنى في الطريق كوصف زهير ناقته بأنها نعامة أو حمار وحشي، تناوله بيد، ونسج على منواله النابغة وغير النابغة. وقد تتبع النقاد العباسيون هذ الجانب من صناعة الشعر العربي القديم، وهو جانب طريف يكشف لنا عن حقيقة الشعر الجاهلي وحقيقة صناعته، وأنها لم تكن مستودعًا للتجارب الفردية؛ بل كانت مقيدة بمصطلحات كثيرة لا في اللغة والنحو والعروض فقط، بل في الموضوع والمواد التي تكونه، وما يختاره الشاعر في صنع نماذجه من أدوات تصويرية أو أسلوبية أو معنوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- العمدة لابن رشيق 1/ 54، وديوان امرئ القيس طبع دار المعارف ص114.
2- عوجا: اعطفا. المحيل: الذي أتى عليه حول. ابن خذام: شاعر قديم يقال إنه بكى الديار قبل امرئ القيس.
3- انظر مطلع معلقته. المترنم: الشيء يترنم به، يريد أن الشعراء لم يتركوا شيئًا إلا ترنموا به.
4- يقول في مطلع معلقته:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
5- يقول زهير في معلقته:
ودار لها بالرقمتين كأنها ... مراجع وشم في نواشر معصم