1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب :

ذو الرمة

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي

الجزء والصفحة:  ص:390-394

28-6-2021

5078

ذو الرمة (1)

هو غيلان بن عقبة من بني عدي بن عبد مناة، لقب بذي الرمة لقوله في بعض شعره يصف الوتد: «أشعث باقي رمة التقليد» والرمة: القطعة البالية من الحبل، وأضيفت الى التقليد لأن الوتد يتقلد بها. وقيل: لقب بذي الرمة لأنه كان-وهو غلام-يتفزع، فأتت به أمه مقرئ قبيلته، فكتب له معاذة في جلد غليظ، وعلقتها أمه على يساره برمة من حبل فسمي ذا الرمة.

وقيل إن مية التي شغفت قلبه حبا هي التي لقبته بذلك حين ألم بخبائها وطلب منها أن تسقيه ماء، وكان على كتفه رمة، فلما أتته بالماء، وكانت لا تعرفه، قالت له:

اشرب يا ذا الرمة. وقد ولد بصحراء الدهناء بالقرب من بادية اليمامة، لأم من بني أسد تسمي ظبية. وكان له ثلاثة إخوة كلهم شعراء، هم مسعود وأوفي وهشام، وفي بعض الروايات أن أوفي ابن عمه، أما أخوه الثالث فاسمه جرفاس.

وقد ولد حوالي عام 77 للهجرة، وتلقن الكتابة، وليس بين أيدينا أخبار كثيرة عن نشأته الأولي، ونراه ينظم الشعر في خلاف نشب بين قبيلته وعتيبة بن طرثوث بسبب بئر كانت لقومه، ومن ثم مضي يمدح المهاجر بن عبد الله والي اليمامة مثنيا على حكومته العادلة في هذا الخلاف. ومن أخباره المتصلة بقبيلته أيضا أنه نزل مع نفر منها على عشيرة امرئ القيس بن عبد مناة، فلم يكرموهم، فانطلق يهجوهم، وكان ذلك سببا في اصطدامه بشاعرهم المسمى هشاما المرئي، ولم يستطع هشام أن يثبت له لضعف شاعريته، على الرغم مما أمده به جرير من بعض الأشعار.

وتدل أخباره على أنه كان ينزل الكوفة والبصرة-ويطيل النزول فيهما-منذ مطالع القرن الثاني للهجرة مادحا رجالاتهما، وأول ما نستقبله من ذلك مديحه

 

  1.  

لهلال بين أحوز المازني في انتصاراته على المهالبة سنة 102 وقضائه على من بقي منهم بعد معارك مسلمة بن عبد الملك قضاء مبرما. وقد مدح عبد الملك بن بشر بن مروان نائب مسلمة على البصرة. وتولي على العراق في سنة 103 عمر بن هبيرة الفزاري فاتصل به ومدحه، حتي إذا خلفه خالد الفسري منذ سنة 105 رأيناه يمدح نوابه ومن ولاهم الشرطة والأحكام، وعلي رأسهم نائبه أبان بن الوليد البجلي، ومالك بن المنذر بن الجارود صاحب شرطته. وأهم من مدحهم بلال ابن أبي بردة الأشعري الذي ولي شئون الشرطة لخالد في البصرة سنة 109، ثم ولي منذ سنة 110 أمور البصرة كلها: القضاء والصلاة والأحداث، وظل يليها الى أن توفي الشاعر. وقد امتدت رحلاته في طلب النوال الى دمشق وخاصة في عهد هشام بن عبد الملك، فله فيه غير قصيدة، كما امتدت الى مكة حيث مدح واليها إبراهيم بن هشام المخزومي، ولما ولي فارس أبان بن الوليد قصده ومدحه.

وقد هجا في بعض شعره حكيم بن عياش الكلبي الكوفي الذي كان يتعصب لليمن تعصبا مسرفا.

والعناصر الإسلامية واضحة في شعر ذي الرمة، فهو يمدح بالتقوي ويهجو بالضلال، ودائما يذكر في رحلاته الصحراوية التيمم والقصر في الصلاة وتلاوة آي الذكر الحكيم، ويظهر أنه كان كثير الاختلاف الى مجالس الوعاظ والمتكلمين في عصره، حتي لنراه يعتنق مذهب القدرية في العدل على الله جل جلاله وفي حرية الإرادة، ويناقش رؤبة في ذلك ويعلو عليه في نقاشه (2)، ومما صدر فيه عن مذهبه قوله في الغزل:

وعينان قال الله كونا فكانتا … فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

وقد تعرض له بعض من سمعوه ينشده، يقول: هلا قلت: فعولين، وكأنه لم يلتفت الى أنه يتحرز بذلك من القول بخلاف العدل وأن عمل الإنسان وعمل جوارحه بإرادته. ويجمع معاصروه على أن كان ذكيا ذكاء حادا وأنه كان كنزا من كنوز الفطنة وذخائرها الدقيقة، كما كان كنزا من كنوز العلم بالشعر القديم واللغة، وقد شغف بشعر الراعي، حتي قالوا إنه كان راويته

 

  1.  

ولعله هو الذي ألهمه عنايته بالصحراء ووصف مناظرها الطبيعية، وقد مضي يتغناها الى أن دفن في أحضانها سنة 117 للهجرة.

وذو الرمة يتخلف في المديح والهجاء جميعا عن فحول عصره أمثال الفرزدق وجرير، وكأن الطبيعة وما اقترن بها من حبه لم يبقيا فيه بقية. وملهمته الاولى في الديوان مية بنت طلبة بن قيس بن عاصم، فقد رآها في بعض رحلاته، فشغفت قلبه حبا، وظل يتغني باسمها وحبها في كل مكان. وفي الديوان أخري تسمي خرقاء، ولعله كان يكني بها عن مية، وإن كان من الرواة من زعم أنها امرأة أخري. وحب ذي الرمة حب عفيف كله أنين وزفرات ودموع وحنين بالغ من مثل قوله:

وقفت على ربع لمية ناقتي … فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

وأسقيه حتي كاد مما أبثه … تكلمني أحجاره وملاعبه (3)

  •  

وحبها لي سواد الليل مرتعدا … كأنها النار تخبو ثم تلتهب

  •  

أدارا بحزوي هجت للعين عبرة … فماء الهوي يرفض أو يترقرق (4)

  •  

أجل عبرة كادت لعرفان منزل … لمية لو لم تسهل الماء تذبح

ولعل شاعرا عربيا لم يكثر من وصف دموعه كما أكثر ذو الرمة، وعبثا كان يطفئ بها نيران الحب المندلعة في قلبه لمية، وقد مضي يتعزي عنها بمحرابها الذي كانت تعيش فيه، فإذا هو أكبر شاعر يتغني بالصحراء العربية، وحقا كان الشعراء قبله وحوله يصفونها، ولكنه امتاز منهم بأنه عشقها، عشق أيامها ولياليها ورمالها وكثبانها وآجامها وأعشابها وأشجارها وحيوانها الأليف والوحشي

 

  1.  

وكل ما يطوي فيها من آبار وسمائم وسراب وطير ورياح وكل ما يلمع في سمائها من كواكب ونجوم وسحاب وغيوم.

وكأنما وجد ذو الرمة عشقه الحقيقي في الصحراء، فإذا هو ينقل مناظرها الى شعره في لوحات رائعة، وارجع الى القصيدة الاولى في ديوانه التي يفتتحها بوصف دموعه التي تسيل دائما ولا تفتر، إذ يقول:

ما بال عينك منها الماء ينسكب … كأنه من كلي مفرية سرب (5)

 

فإنك ستراه يخص محبوبته بنحو عشرين بيتا، ثم يمضي في نحو مائة بيت يصور ثلاثة مشاهد رائعة من مشاهد الصحراء التي كانت تبهج نفسه، أولها مشهد أتن الوحش وحمارها، وهو يقودها في يوم حار الى ماء بعيد، تصل إليه، وتهوي عليه تريد أن تشفي غلتها، فيتعرض لها صائد مختف وراء الأشجار بسهامه، فتفر على وجهها، وتطيش سهامه، ودائما تطيش هذه السهام في شعر ذي الرمة حبا للحيوان. والمشهد الثاني مشهد ثور الوحش في كناسه مكتنا من المطر، وقد ترامت حوله حنادس الليل ووساوسه، وتتفلت أضواء الصباح فيخرج من كناسه للرعي وإذا بصائد قد أرسل عليه كلابه، فيمزقها إربا، وينكشف عنه همه وروعه. والمشهد الثالث مشهد الظليم وصاحبته يرعيان بعيدا عن أفراخهما، ويكفهر الجو، فيسرعان إليها خيفة أن يسقط عليها برد السماء أو بعض السباع. وذو الرمة في المشاهد الثلاثة يشبه الرسامين الذين يحشدون في لوحاتهم جميع الجزئيات والتفاصيل، فهو يجسم صورة الحيوان وصورة الصحراء من حوله برمالها ومفازاتها وأعشابها ونباتاتها وغدرانها، وهو الى ذلك يبث في الحيوان مشاعر الإنسان وما يعتريه من وساوس وهواجس.

وقد صور في الثور حين هاحمته الكلاب شعوره بعزته وكأنه يمثل فيه البدوي وإحساسه بكرامته، كما صور في الظليم وصاحبته عاطفة الأبوة والأمومة الرحيمة.

ولعل هذه أهم خاصة تميز وصف الحيوان الوحشي عند ذي الرمة إذ يحمله

 

  1.  

عواطف الإنسان ومشاعره، ومن أروع ما يصور ذلك عنده قوله في ظبية وابنها أو خشفها:

إذا استودعته صفصفا أو صريمة … تنحت ونصت جيدها بالمناظر (6)

حذارا على وسنان يصرعه الكري … بكل مقيل عن ضعاف فواتر (7)

وتهجره إلا اختلاسا نهارها … وكم من محب رهبة العين هاجر

حذار المنايا رهبة أن يفتنها … به وهي إلا ذاك أضعف ناصر (8)

وواضح أنه صور محبة الظبية لابنها وكيف تخشي عليه السباع، فهي تبعد عنه حتي لا تدلها عليه، وعينها مشدودة إليه، وقد امتلأ قلبها بالحنان والحب والشفقة. وعلي هذا النحو كان يبث في الحيوان مشاعر الإنسان وأحاسيسه.

وبجانب هذه الخاصة في وصف الطبيعة الحية نجد خاصة أخري في وصف الطبيعة الصامتة، إذ ملأها بالحياة والحركة، ولكن كيف يأتي بذلك في خمود الصحراء وهمودها؟ لقد استعان في النهار بالسراب، فإذا ذري الجبال تتحرك كأنها خيل ظالعة أو إبل تهدي للنحر عند البيت الحرام، أو لعلها سفن تجري في الفرات، أما إذا جنه الليل فحسبه النجوم التي يري فيها صورة بقر الوحش والظباء. وجعله هذا التمثل لما يجري في الأرض والماء والسماء يقع على صور فريدة من مثل قوله في وصف ظباء تبدو له من آفاق بعيدة:

كأن بلادهن سماء ليل … تكشف عن كواكبها الغيوم

وقوله في ظباء أخري:

كأن أدمانها والشمس جانحة … ودع بأرجائها فض ومنظوم (9)

وقوله في وصف الإبل ورحلتها في الصحراء:

كأن مطايانا كل؟ ؟ ؟ مفازة … قراقير في صحراء دجلة تسبح (10)

 

  1.  

وفي الحق أن مخيلته كانت حالمة، إذ ما تزال تبدو له الطبيعة في رؤي غريبة، وهي رؤي ملأت جوانب ديوانه بتجسيمات وتشخيصات بديعة من مثل قوله:

وريح الخزامي رشها الطل بعدما … دنا الليل حتي مسها بالقوادم (11)

  •  

ألا طرقت مي هيوما بذكرها … وأيدي الثريا جنح في المغارب (12)

ومن صوره الطريفة صورته للحرباء ووصفه لما اشتهر به من استقبال الشمس لاجئا بظهره الى بعض العيدان مادا يديه كأنه مصلوب، يقول:

إذا جعل الحرباء يغبر لونه … ويخضر من لفح الهجير غباغبه (13)

ويشبح بالكفين شبحا كأنه … أخو فجرة عالي به الجذع صالبه (14)

وعني طويلا بوصف همس الفلوات وما يسمع في حنادسها من أصوات مدوية كانوا ينسبونها الى الجن، ونراه يشبهها بتراطن الروم وتضراب الطبل وصياح الضرائر وأصوات السمر (15). ومن أهم ما يميزه عنصر المفاجأة في صوره، وهو عنصر جعله يقرن الأشياء المتباعدة بعضها الى بعض، فنصبح وكأننا حقا في عالم من عوالم الرؤي والأحلام.

 

 

  •  

(1) انظر في ذي الرمة ابن سلام ص 465 وما بعدها والشعر والشعراء 1/ 506 وأغاني (ساسي) 16/ 106 وابن خلكان في غيلان والموشح للمرزباني ص 170 والخزانة 1/ 50 ومرآة الجنان اليافعي 1/ 253 وفهارس الأغاني والبيان والتبيين والحيوان والكامل للمبرد وأمالي المرتضي، وكتابنا «التطور والتجديد في الشعر الأموي» ص 265 وقد نشر مكارتني ديوانه في كمبريدج سنة 1919

(2) أمالي المرتضي 1/ 19

(3) أسقيه: أدعو له بالسقيا.

(4) حزوي: موضع بديار تميم. يرفض: يسيل. يترقرق: يسكن في العين جائلا.

(5) الكلي: الرقع في عروة المزادة. مفرية: مقطوعة، يشبه عينه التي يسيل دمعها برقع المزادة اليالية التي لا تني ترسل الماء.

(6) الصفصف: الأرض المستوية. صريمة: رملة. نصت: نصبت مستقصية.

(7) الكري: النوم. المقيل: وقت القيلولة.

(8) يفتنها: يسبقنها.

(9) الأدمان: الظباء، فض: متفرق.

(10) القراقير: السفن.

(11) القوادم: الريش الطويل في جناح الطائر.

(12) الهيوم: ذاهب العقل، وأراد بأيدي الثريا أوائلها.

(13) الغباغب: الجلد أسفل الخنك، ومعروف أنه كلما حميت الشمس على الحرباء رأيت جلده يخضر بينما يظل أعلاه أصفر.

(14) يشبح: يمد يديه.

(15) الحيوان 6/ 175 وما بعدها، 247، 363.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي