تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
ملاحظات هامّة في معركة الأحزاب
المؤلف:
ناصر مكارم الشيرازي
المصدر:
تفسير الامثل
الجزء والصفحة:
ج10 ، ص364-374.
8-10-2014
2102
أ ـ إنّ معركة الأحزاب ـ وكما هو معلوم من اسمها ـ كانت حرباً اتّحدت فيها كلّ القبائل والفئات المختلفة التي تعادي الإسلام ، للقضاء على الإسلام اليافع.
لقد كانت «حرب الأحزاب» آخر سعي للكفر ، وآخر سهم في كنانته ، وآخر إستعراض لقوى الشرك ، ولهذا قال النّبي (صلى الله عليه وآله) : «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه» (1) عندما تقابل أعظم أبطال العدوّ ، وهو عمرو بن عبد ودّ ، وبطل الإسلام الأوحد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، لأنّ إنتصار أحدهما على الآخر كان يعني إنتصار الكفر على الإيمان ، أو الإيمان على الكفر ، وبتعبير آخر : كان عملا مصيرياً يحدّد مستقبل الإسلام والشرك ، ولذلك فإنّ المشركين لم تقم لهم قائمة بعد إنهزامهم في هذه المواجهة العظيمة ، وكانت المبادرة وزمامها بيد المسلمين بعدها دائماً.
لقد أفل نجم الأعداء ، وانهدمت قواعد قوّتهم ، ولذلك نقرأ في حديث أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) قال بعد نهاية غزوة الأحزاب : «الآن تغزوهم ولا يغزوننا» (2).
ب ـ التفاوت في العدد والعدة
ذكر بعض المؤرخّين أنّ عدد أفراد جيوش الكفر كان أكثر من عشرة آلاف محارب ، ويقول «المقريزي» في «الإمتاع» : إنّ قريشاً أتت لوحدها بأربعة آلاف رجل ، وألف وثلاثمائة فرس ، وألف وخمسمائة من الإبل ، ونزلت عند حافّة الخندق ، وجاءت قبيلة بني سليم بسبعمائة رجل والتقوا بهم في مرّ الظهران ، وجاء «بنو فزارة» بألف ، وكلّ من «بني أشجع» و «بني مرّة» بأربعمائة ، والقبائل الاُخرى أرسلت عدداً من الرجال ، فتجاوز مجموع كلّ من حضر عشرة آلاف رجل.
في حين أنّ عدد المسلمين لم يكن يتجاوز الثلاثة آلاف رجل ، وكانوا قد جعلوا مخيّمهم الأصلي أسفل جبل سلع ، وكانت نقطة مرتفعة جنب المدينة مشرفة على الخندق ، وكانوا يستطيعون عن طريق رماتهم السيطرة على حركة المرور من الخندق.
على كلّ حال ، فإنّ جيش الكفّار قد حاصر المسلمين من جميع الجهات ، وطالت هذه المحاصرة عشرين يوماً ، وقيل خمسة وعشرين يوماً ، وعلى بعض الرّوايات شهراً(3).
ومع أنّ العدوّ كان متفوقاً على المسلمين من جهات مختلفة ، إلاّ أنّه خاب في النهاية كما قلنا ، ورجع إلى دياره خالي الوفاض.
ج ـ كيفية حفر الخندق ؟
إنّ مسألة حفر الخندق قد تمّت ـ كما نعلم ـ بمشورة «سلمان الفارسي» ، وكانت هذه المسألة اُسلوباً دفاعياً معتاداً في بلاد فارس آنذاك ، ولم يكن معروفاً في جزيرة العرب إلى ذلك اليوم ، وكان يعتبر ظاهرة جديدة ، وكانت لإقامته في أطراف المدينة أهميّة عظيمة ، سواء من الناحية العسكرية ، أم من جهة إضعاف معنويات العدوّ ورفع معنويات المسلمين.
ولا توجد لدينا معلومات دقيقة عن صفات الخندق ودقائقه ، فقد ذكر المؤرخّون أنّه كان من العرض بحيث لا يستطيع فرسان العدو عبوره بالقفز ، ومن المحتّم أنّ عمقه أيضاً كان بالقدر الذي إذا سقط فيه أحد لم يكن يستطيع أن يخرج من الطرف المقابل بسهولة.
إضافةً إلى أنّ سيطرة رماة المسلمين على منطقة الخندق كان يمكّنهم من جعل كلّ من يحاول العبور هدفاً وغرضاً لسهامهم في وسط الخندق وقبل عبوره.
وأمّا من ناحية الطول فإنّ البعض قد قدّره بإثني عشر ألف ذراع (ستّة آلاف متر) إستناداً إلى الرواية المعروفة التي تقول بأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) كان قد أمر أن يحفر كلّ عشرة رجال أربعين ذراعاً من الخندق ، وبملاحظة أنّ عدد جنود المسلمين ـ طبقاً للمشهور ـ بلغ ثلاثة آلاف رجل.
ولابدّ من الإعتراف بأنّ حفر مثل هذا الخندق ، وبالآلات البدائية المستعملة في ذلك اليوم كان أمراً مضنياً وجهداً ، خاصّة وأنّ المسلمين كانوا في ضيق شديد وحاجة ملحّة من ناحية الزاد والوسائل الاُخرى.
ومن المسلّم أنّ حفر الخندق قد إستغرق مدّة لا يستهان بها ، وهذا يوحي بأنّ جيش المسلمين كان قد قدّر وخمّن وتوقّع التوقّعات اللازمة بدقّة كاملة قبل أن يهجم العدوّ بحيث أنّ حفر الخندق كان قد تمّ قبل ثلاثة أيّام من وصول جيش الكفّار.
د ـ ساحة إمتحان عظيمة
إنّ غزوة «الأحزاب» كانت محكّاً وإمتحاناً عجيباً لكلّ المسلمين ، ولمن كانوا يدّعون الإسلام ، وكذلك لاُولئك الذين كانوا يدّعون الحياد أحياناً ، وكان لهم في الباطن إرتباط وتعامل مع أعداء الإسلام ويتعاونون معهم ضدّ دين الله.
لقد تبيّن بوضوح تامّ موقع الفئات الثلاث ـ المؤمنون الصادقون ، وضعفاء الإيمان ، والمنافقون ـ من خلال عملهم ، وإتّضحت تماماً القيم والمفاهيم الإسلامية ، فقد عكست كلّ من الفئات الثلاث في أتون الحرب الملتهبة حسن إيمانها أو قبحه ، وإخلاص نيّاتها أو عدمه.
لقد كانت العاصفة هوجاء شديدة لم تدع المجال لأيّ شخص أن يخفي ما في قلبه ، وظهرت اُمور في أقلّ من شهر ، وكان يحتاج كشفها إلى سنين ربّما تكون طويلة في الظروف الطبيعيّة.
وهنا مسألة تستحقّ الإنتباه ، وهي أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) أثبت عمليّاً إيمانه الكامل بما جاء به من التعليمات الإلهيّة ووفاءه التامّ لها من خلال مقاومته وصلابته ، ورباطة جأشه ، وتوكّله على الله ، وإعتماده على نفسه ، وكذلك أثبت للناس أنّه يطبّق قبل الآخرين ما يأمرهم به من خلال مواساته للمسلمين ومساعدتهم في حفر الخندق ، وتحمّله لمصاعب الحرب ومشاكلها.
هـ ـ نزال علي (عليه السلام) التاريخي لعمرو بن عبد ودّ
من المواقف الحسّاسة والتاريخية لهذه الحرب مبارزة علي (عليه السلام) لبطل معسكر العدوّ العظيم «عمرو بن عبد ودّ» ، فقد جاء في التواريخ أنّ جيش الأحزاب كان قد دعا أشدّاء شجعان العرب للاشتراك والمساهمة في هذه الحرب ، وكان الأشهر من بين هؤلاء خمسة : عمرو بن عبد ودّ ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة ، ونوفل ، وضرار.
لقد إستعدّ هؤلاء في أحد أيّام الحرب للمبارزة الفردية ، ولبسوا عدّة الحرب ، وإستطاعوا إختراق الخندق والعبور بخيولهم إلى الجانب الآخر من خلال نقطة ضيّقة فيه ، كانت بعيدة نسبياً عن مرمى الرماة المسلمين ، وأن يقفوا أمام جيش المسلمين ، وكان أشهرهم «عمرو بن عبد ودّ».
فتقدّم وقد ركبه الغرور والإعتداد بالنفس ، وكانت له خبرة طويلة في الحرب ، ورفع صوته طالباً من يبارزه.
لقد دوّى نداؤه (هل من مبارز) في ميدان الأحزاب ، ولمّا لم يجرؤا أحد من المسلمين على قتاله إشتدّت جرأته وبدأ يسخر من معتقدات المسلمين ، فقال : أين جنّتكم التي تزعمون أنّ من قتل منكم دخلها؟ هل فيكم من أرسله إلى الجنّة ، أو يدفعني إلى النار؟
وهنا أنشد أبياته المعروفة :
ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن المشجّع موقف البطل المناجز
إنّ السماحة والشجاعة في الفتى خير الغرائز
فأمر النّبي (صلى الله عليه وآله) عند ذاك أن يخرج إليه رجل ويبعد شرّه عن المسلمين ، إلاّ أنّ أحداً لم يجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، فقال النّبي (صلى الله عليه وآله) : «إنّه عمرو» فقال علي (عليه السلام) : «وإن كان عمرواً» فدعاه النّبي (صلى الله عليه وآله) وعمّمه ، وقلّده سيفه الخاصّ ذا الفقار ، ثمّ دعا له فقال : «اللهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته».
فمشى علي (عليه السلام) إلى الحرب وهو يرتجز :
لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز
إنّي لأرجو أن اُقيم عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز
وهنا قال النّبي (صلى الله عليه وآله) كلمته المعروفة : «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه»(4).
فلمّا التقيا دعاه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى الإسلام أوّلا ، فأبى ، ثمّ دعاه إلى إعتزال الحرب ، فرفض ذلك ، وإعتبره عاراً عليه ، وفي الثالثة دعاه إلى أن ينزل عن ظهر جواده ويقاتله راجلا ، فغضب عمرو وقال : ما كنت أحسب أحداً من العرب يدعوني إلى مثل ذلك ، فنزل من على ظهر فرسه وضرب علياً (عليه السلام) على رأسه ، فتلقّاها علي (عليه السلام) بمهارة خاصّة بدرعه ، إلاّ أنّ السيف قدّه وشجّ رأس علي(عليه السلام).
هنا إستعمل علي (عليه السلام) اُسلوباً خاصّاً ، فقال لعمرو : أنت بطل العرب ، وأنا اُقاتلك ، فعلام حضر من خلفك؟ فلمّا التفت عمرو ، ضربه علي (عليه السلام) على ساقه بالسيف ، فسقط عمرو إلى الأرض ، فثارت غبرة ظنّ معها المنافقون أنّ علياً (عليه السلام) قد قتل بسيف عمرو ، غير أنّهم لمّا سمعوا التكبير قد علا علموا بإنتصار علي ، ورأوا فجأةً علياً (عليه السلام) يرجع إلى معسكره رويداً رويداً والدم ينزم من رأسه ، وعلى شفتيه إبتسامة النصر ، وكانت جثّة عمرو قد سقطت في جانب من الميدان.
لقد أنزل مقتل بطل العرب المعروف ضربة قاصمة بجيش الأحزاب بدّدت آمالهم وحطّمت معنوياتهم ، وهزمتهم نفسياً هزيمة منكرة ، وخابت آمالهم في النصر والظفر ، ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حقّها : «لو وزن اليوم عملك بعمل جميع اُمّة محمّد لرجح عملك على عملهم ، وذاك أنّه لم يبق بيت من المشركين إلاّ وقد دخله ذلّ بقتل عمرو ، ولم يبق بيت من المسلمين ، إلاّ وقد دخله عزّ يقتل عمرو»(5).
وقد أورد العالم السنّيى المعروف «الحاكم النيسابوري» هذا القول ، لكن بتعبير آخر : «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتي إلى يوم القيامة»(6).
والغاية من هذا الكلام واضحة ، لأنّ كلاًّ من الإسلام والقرآن كان على حافّة الهاوية ظاهراً ، وكان يمرّ بأحرج لحظاته وأصعبها ، ولذلك كانت التضحية في هذه الحرب أعظم التضحيات بعد تضحيات النّبي (صلى الله عليه وآله) ، حيث حفظت الإسلام من السقوط ودرأت عنه الخطر ، وضمنت بقاءه إلى يوم القيامة ، وببركة تضحية الإمام(عليه السلام) تجذّر الإسلام وتأصّل وشملت غصونه وأوراقه العالمين ، وبناءً على هذا فإنّ عبادة الجميع مرهونة بعمله.
وذكر البعض : أنّ المشركين أرسلوا رسولا منهم ليشتري جثّة عمرو بعشرة آلاف درهم ـ وربّما كانوا يتصوّرون أنّ المسلمين سيفعلون بجثّة عمرو ما فعله قساة القلوب بجسد حمزة يوم اُحد ـ فقال النّبي (صلى الله عليه وآله) : «هو لكم ، لا نأكل ثمن الموتى»!
وهناك موقف يستحقّ الذكر والإنتباه ، وهو : أنّ اُخت عمرو لمّا وصلت إلى جسد أخيها ، ورأت أنّ علياً (عليه السلام) لم يسلبه درعه الثمينة قالت : ما قتله إلاّ كفؤ كريم(7).
و ـ إجراءات النّبي العسكرية والسياسية في هذه الحرب
كانت هناك مجموعة من العوامل المختلفة ، والأساليب العسكرية والسياسية ، وكذلك عامل العقيدة والإيمان ، ساهمت في إنتصار النّبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين في معركة الأحزاب ، إضافةً إلى التأييد الإلهي. عن طريق الرياح والعواصف الهوجاء التي مزّقت جيوش الأحزاب شرّ ممزّق ، وكذلك جنود الله الغيبيين ، ومن جملة هذه العوامل والإجراءات :
1 ـ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) أدخل بقبوله إقتراح حفر الخندق اُسلوباً جديداً لم يكن موجوداً ومعروفاً بين العرب إلى ذلك اليوم ، وكان عاملا مهمّاً في رفع معنويات المسلمين وكسر شوكة الكفّار.
2 ـ المواقف والحسابات الدقيقة للمسلمين ، والأساليب والمناورات العسكرية كانت عاملا مؤثّراً في عدم نفوذ العدوّ إلى داخل المدينة.
3 ـ قتل عمرو بن عبد ودّ على يد بطل الإسلام العظيم علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام ، وتبديد آمال الأحزاب بقتله يعدّ عاملا مؤثّراً آخر.
4 ـ الإيمان بالله ، والتوكّل عليه ، والذي غرسه النّبي (صلى الله عليه وآله) في قلوب المسلمين ، وسقاه المسلمون على إمتداد الحرب بتلاوة القرآن وكلمات النّبي (صلى الله عليه وآله) المؤثّرة.
5 ـ اُسلوب النّبي (صلى الله عليه وآله) وروحه الكبيرة ، وإعتماده على نفسه الذي يمنح المسلمين قوّة وإطمئناناً.
6 ـ إضافةً إلى ذلك ، فإنّ عمل «نعيم بن مسعود» كان أحد العوامل المهمّة في إيجاد الفرقة بين جيوش الأحزاب.
ز ـ نعيم بن مسعود وبثّ الفُرقة في جيش العدوّ!
جاء «نعيم» إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) وكان قد أسلم لتوّه ، ولم تعلم قبيلته (غطفان) بإسلامه ، فقال : أسلمت ولم يعلم بي أحد من قومي فمرني بأمرك ، فقال له النّبي (صلى الله عليه وآله) : «إنّما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنّا ما إستطعت ، فإنّما الحرب خدعة».
فانطلق نعيم بخطّة رائعة ، وأتى يهود بني قريظة ، وكانت له معهم صداقة في الجاهلية ، فقال لهم : إنّي لكم صديق ، وأنتم تعلمون ذلك ، فقالوا : صدقت ، ونحن لا نتّهمك أبداً ، فقال : إنّ البلد بلدكم وبه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، وإنّما قريش وغطفان بلادهم غيرها ، وإنّما جاءوا حتّى نزلوا معكم فإن رأوا فرصة إنتهزوها ، وإن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، ولا طاقة لكم به ، فلا تقاتلوا حتّى تأخذوا رهناً من أشرافهم تستوثقون به أن لا يبرحوا حتّى يناجزوا محمّداً ، فقالوا : قد أشرت برأي ، فقبل بنو قريظة قوله.
ثمّ أتى أبا سفيان وأشراف قريش متخفّياً ، فقال : يامعشر قريش ، إنّكم قد عرفتم ودّي إيّاكم وفراقي محمّداً ودينه ، وإنّي قد جئتكم بنصيحة فاكتموا عليّ ، فقالوا : نفعل ، قال : تعلمون أنّ بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمّد فبعثوا إليه : أنّه لا يرضيك عنّا إلاّ أن نأخذ من القوم رهناً من أشرافهم وندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ، ثمّ نكون معك عليهم حتّى نخرجهم من بلادك ، فقالوا : بلى ، فإن بعثوا إليكم يسألونكم نفراً من رجالكم فلا تعطوهم رجلا واحداً واحذروا.
ثمّ جاء إلى غطفان قبيلته ، فقال : تعلمون حسبي ونسبي ، وأنا أودّكم ، ولا أظنّكم تشكّون في صدقي ، فقالوا : نعلم ذلك ، فقال : لكم عندي خبر فاكتموه عليّ ، فقالوا : نفعل ، فقال لهم ما قال لقريش. وكان ذلك ليلة السبت من شوّال سنة خمس من الهجرة.
فأرسل أبو سفيان ورؤساء غطفان جماعة إلى بني قريظة فقالوا : إنّ الكراع والخفّ قد هلكا ، وإنّا لسنا بدار مقام ، فاخرجوا إلى محمّد حتّى نناجزه.
فأجابهم اليهود : إنّ غداً السبت ، وهو يوم لا نعمل فيه ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتّى تعطونا رهناً من رجالكم نستوثق بهم لا تذهبوا وتدعونا حتّى نناجز محمّداً.
فلمّا بلغ ذلك قريشاً وغطفان قالوا : والله لقد حذّرنا هذا نعيم ، فبعث إليهم أبو سفيان : إنّا لا نعطيكم رجلا واحداً فإن شئتم أن تخرجوا وتقاتلوا ، وإن شئتم فاقعدوا.
ولمّا علمت اليهود بذلك قالوا : هذا والله الذي قال لنا نعيم ، فإنّ في الأمر حيلة ، وهؤلاء لا يريدون القتال ، ويريدون أن يغيروا ويرجعوا إلى ديارهم ويذروكم ومحمّداً.
فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنّا والله لا نقاتل حتّى تعطونا رهناً ، فأصرّت قريش وغطفان على قولهما فوقع الإختلاف بينهم ، وبعث الله سبحانه عليهم الريح في ليال شاتية قارصة البرد ، قلعت خيامهم ، وكفأت قدورهم.
لقد اتّحدت هذه العوامل ، فحزم الجميع أمتعتهم ورجّحوا الفرار على القرار ، ولم يبق منهم رجل في ساحة الحرب(8).
ح ـ قصّة حذيفة
جاء في كثير من التواريخ أنّ «حذيفة اليماني» قال : والله ، لقد رأيتنا يوم الخندق وبنا من الجهد والجوع والخوف ما لا يعلمه إلاّ الله ، وفي ليلة من الليالي ـ بعد أن وقع الإختلاف بين جيش الأحزاب ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ألا رجل يأتينا بخبر القوم يجعله الله رفيقي في الجنّة».
قال حذيفة : فوالله ما قام منّا أحد ممّا بنا من الخوف والجوع ، فلمّا رأى النّبي(صلى الله عليه وآله) ذلك دعاني ، فقلت : لبّيك ، قال : «إذهب فجىء بخبر القوم ولا تحدثنّ شيئاً حتّى ترجع» ، فأتيت القوم فإذا ريح الله وجنوده تفعل بهم ما تفعل ، ما يستمسك لهم بناء ، ولا تثبت لهم نار ، ولا يطمئن لهم قدر ، فإنّي لكذلك إذ خرج أبو سفيان من رحله ، ثمّ قال : يامعشر قريش ، لينظر أحدكم من جليسه لئلاّ يكون هنا غريب ، فبدأت بالذي عن يميني ، فقلت : من أنت؟ قال : أنا فلان ، فقلت : حسناً.
ثمّ عاد أبو سفيان براحلته ، فقال : يامعشر قريش ـ والله ـ ما أنتم بدار مقام ، هلك الخفّ والحافر ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وهذه الريح لا يستمسك لنا معها شيء ، ثمّ عجّل فركب راحلته وإنّها لمعقولة ما حلّ عقالها إلاّ بعد ما ركبها.
فقلت في نفسي : لو رميت عدوّ الله وقتلته كنت قد صنعت شيئاً ، فوترت قوسي ثمّ وضعت السهم في كبد القوس ، فلمّا أردت أن أطلقه ذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «لا تحدثنّ شيئاً حتّى ترجع» وإنّه طلب منّي أن آتيه بالخبر وحسب ، حططت القوس ثمّ رجعت إلى رسول الله فأخبرته الخبر ، فقال النّبي (صلى الله عليه وآله) : «اللهمّ أنت منزل الكتاب ، سريع الحساب ، أهزم الأحزاب ، اللهمّ أهزمهم وزلزلهم»(9).
ط ـ نتائج حرب الأحزاب
لقد كانت حرب الأحزاب نقطة إنعطاف في تاريخ الإسلام ، قلبت كفّة التوازن العسكري والسياسي لصالح المسلمين إلى الأبد. ويمكن تلخيص النتائج المثمرة لهذه المعركة في عدّة نقاط :
أ ـ فشل مساعي العدو ، وتحطّم قواه.
ب ـ كشف المنافقين ، وفضح الأعداء الداخليين الخطرين.
ج ـ جبران الذكرى الأليمة لهزيمة أُحد.
د ـ قوّة المسلمين ، وإزدياد هيبتهم في قلوب الأعداء.
هـ ـ إرتفاع معنويات المسلمين نتيجة للمعجزات العظيمة التي رأوها في هذه المعركة.
و ـ تثبيت مركز النّبي (صلى الله عليه وآله) في داخل المدينة وخارجها.
ر ـ تهيؤ الأرضية لتصفية المدينة وإنقاذها من شرّ بني قريظة.
--------------------------------------------------------------
1 ـ بحار الأنوار ، ج 20 ، ص 215 ، ونقل هذا الحديث عن الكراجكي.
2 ـ التاريخ الكامل لابن الأثير ج 2 ص 184.
3ـ بحار الأنوار ، ج 20 ، ص228.
4 ـ بحار الأنوار ، ج 20 ، ص203 ، ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، ج4 ، ص 344 طبقاً لنقل إحقاق الحقّ ، ج 6 ، ص 9.
5 ـ بحار الأنوار ج 20 ص 216.
6 ـ مستدرك الحاكم ، ج 3 ، ص 32.
7 ـ إعتمدنا في هذا الجانب على كتب : إحقاق الحقّ ، ج 6 ، بحار الأنوار ، ج20 ، تفسير الميزان ، ج 16؛ وحبيب السير ، ج1 ؛ وفروع الابدية ، ج2.
8ـ سيرة ابن هشام ، ج 3 ، ص 240 بإختصار.
9 ـ بحار الأنوار ، ج20 ، ص208.