اللقاء الأوّل للأمام الصادق مع هشام
المؤلف:
جعفر السبحاني
المصدر:
سيرة الائمة-عليهم السلام
الجزء والصفحة:
ص328-330.
17-04-2015
3845
ما زال هشام وهو في مسيرته العلمية لم يحصل على ضالّته المنشودة ومع أنّه درس مدارس فكرية متعددة وتباحث مع شخصيات علمية ودينية بارزة في عصره إلاّ أنّه لم يكن قد بلغ ما يرومه وقد بقيت شخصية واحدة لم يواجهها وليست هي غير جعفر بن محمد إمام الشيعة السادس ؛ فقد كان هشام يفكّر بحق انّ الالتقاء به سيفتح له أُفقاً جديداً، ولهذا الغرض طلب من عمّه الذي كان شيعياً ومن الموالين للإمام السادس أن يرتّب له لقاء معه.
وقصة لقائه الأوّل بالإمام الصادق الذي غيّر مجرى حياته العلمية تماماً قصة رائعة وجذابة، يقول عمر بن يزيد عمّ هشام : كان ابن أخي هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية، فسألني أن أدخله على أبي عبد اللّه ليناظره، فأعلمته أنّي لا أفعل مالم استأذنه فيه، فدخلت على أبي عبد اللّه (عليه السَّلام) ، فاستأذنته في إدخال هشام عليه، فأذن لي فيه، فقمت من عنده وخطوت خطوات فذكرت رداءته وخبثه، فانصرفت إلى أبي عبد اللّه (عليه السَّلام) ، فحدّثته رداءته وخبثه.
فقال لي أبو عبد اللّه : يا عمر تتخوّف علي فخجلت من قولي وعلمت أنّي قد عثرت، فخرجت مستحياً إلى هشام وأعلمته أنّه قد أذن له بالدخول ؛ فبادر هشام فاستأذن ودخل، فدخلت معه، فلمّا تمكّن من مجلسه سأله أبو عبد اللّه عن مسألة فحار فيها وبقي، فسأله هشام أن يؤجّله فيها، فأجّله أبو عبد اللّه، فذهب هشام فاضطرب في طلب الجواب أيّاماً فلم يقف عليه، فرجع إلى أبي عبد اللّه فأخبره أبو عبد اللّه بها .
وسأله عن مسألة أُخرى فيها فساد أصله وعقد مذهبه، فخرج هشام من عنده مغتماً متحيراً، قال : بقيت أياماً لا أفيق من حيرتي ؛ ثمّ طلب منّي هشام أن استأذن له على أبي عبد اللّه ثالثاً، فدخلت على أبي عبد اللّه فاستأذنت له، فقال أبو عبد اللّه : لينتظرني في موضع سمّاه بالحيرة لألتقي معه فيه غداً إن شاء اللّه، فخرجت إلى هشام فأخبرته بمقالته فسّر واستبشر وسبقه إلى الموضع الذي سمّاه.
ثمّ رأيت هشاماً بعد ذلك، فسألته عمّا كان بينهما؟
فأخبرني انّه سبق أبا عبد اللّه إلى الموضع الذي كان سمّاه له، فبينا هو إذا بأبي عبد اللّه قد أقبل على بغلة له، فلمّا بصرت به وقرب مني هالني منظره وأرعبني حتى بقيت لا أجد شيئاً أتفوّه به، ولا نطق لساني لما أردت من مناطقته، ووقف عليّ أبو عبد اللّه ملياً ينتظر ما أكلّمه، وكان وقوفه عليّ لا يزيدني إلاّ تهيّباً وتحيراً، فلمّا رأى ذلك مني ضرب بغلته وسار حتى دخل بعض سكك الحيرة.
|ويوجد هنا عدة نقاط هامة في هذه القضية:
الأُولى : هو وجود الموهبة والقدرة العالية في التباحث والمناظرة في هشام ممّا جعل عمه يتخوّف، ويعبّر عن ذلك الاستعداد بالخباثة والرداءة، وكان يشعر جهلاً بمنزلة الإمامة السامية بالقلق حيال هذه المواجهة ممّا جعله يفاتح الإمام في ذلك منذ البداية .
الثانية : رغبة هشام وتعطّشه العجيب لطلب المعرفة والعلم والتعلّم أكثر لدرجة انّه لا يفوّت أية فرصة في هذا السبيل ويستغل كلّ فرصة تسنح له، وبعد العجز عن الإجابة على أسئلة الإمام يجدد لقاءه معه ويسبقه في اللقاء الأخير إلى محل اللقاء، وهنا يتجلّى بوضوح عطشه واشتياقه الكبير.
الثالثة : عظمة شخصية الإمام الصادق لدرجة انّها جعلت هشاماً مضطرباً عاجزاً عن أن يتفوّه بما كان قد أعدّه له لمناظرته وينسى كلّ ما كان في جعبته من العلم، فيعترف وبلغة العيون والنظرات الأخّاذة الممزوجة بالهيبة والاحترام بصغره أمام ذلك الإمام العظيم.
وعلى كلّ حال كان لذلك اللقاء الروحي أثره وغيّر مجرى حياة هشام، ومنذ ذلك اليوم اتصل بمدرسة الإمام السادس، وتخلّى عن عقائده السابقة، وتألّق في هذه المدرسة ،لدرجة انّه حاز على قصب السبق من بين أصحابه.
الاكثر قراءة في التراث الصادقيّ الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة