x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
تنوع المقالة
المؤلف: عمر الدسوقي
المصدر: نشأة النثر الحديث و تطوره
الجزء والصفحة: ص: 95-98
5-8-2018
2825
إن النثر بدأ يتطور في مصر بحكم حركة البعث، والإحياء للتراث العربي القديم، ولظهور التيار الغربي الحديث الذي ابتدأ على يد رجال البعثات، وأولهم رفاعة الطهطاوي.
وأن النثر منذ نشأته حاول أن يرود آفاقًا جديدة، وينقل من الأدب الغربي الشيء الكثير، ويصف ألوانًا من الحياة لا عهد للعرب بها، وأن السوريين أسهموا في نهضته بقدر غير منكور، ثم نراه يتطور في المقال، ويتميز المقال عن المقامة، وينقسم إلى ثلاثة ألوان لكل خصائصه: فالمقال الأدبي والمقال الاجتماعي، والمقال السياسي، وقد كان للصحافة، وللحوادث الكبيرة العميقة الأثر في مصر كالثورة العراقية، ومجيء جمال الدين، وظهور مدرسته أثر واضح في تنويع المقال، والاهتمام بما يشغل الأمة، ويعمل على إنهاضها.
وقد كان للصحافة الأدبية بصفة خاصة فضل لا ينكر في هذا التطور؛ لأنها عملت على إحياء التراث العربي القديم بما نقلت منه أو درست وحققت، وخدمت الأدب الحديث بما ترجمت من ثقافة غربية في الآداب، والعلوم والفنون، ومن ثم ازدادت الخصوبة العقلية، والوجدانية في الأدب العربي الحديث، واتسعت أبعاده الثقافية، واختفى من أسلوب الأدب في محيط المجلات نغمة الخطابة، وتوقد الحسن اللذان شاعا في جيل الثورة العرابية، ووضح فيه عنصر الثقافة والأفكار الجديدة، وصار أطوع للتعبير عن مختلف الخلجات النفسية، وأخذ يتخلص تدريجًا من المحسنات، والزخارف اللفظية، وإن كان السجع بصفة خاصة، وما يلازمه من محسنات ظل يتلكأ حتى نهاية العشر الأوائل من القرن العشرين، وكان هناك صراع مرير بين المعجبين به، والقالين له سنذكره بعد قليل.
ويلاحظ على وجه العموم أن طريقة الكتابة سواء كانت صحفية، أو أدبية أو اجتماعية قد تغيرت تبعًا لتغير طريقة التفكير، نتيجة ازدياد الثقافة والاهتمام بالقضايا العامة، والعمل الجاد لإنهاض الأمة في شتى مجالات الحياة، فصارت عبارات الكتاب تميل إلى القصر، وتحبس كل جملة منها على معنى واحد. واعتماد لون طريف في ترتيب الكلام، وتبويبه وسوق المقال في الغالب لأداء فكرة واحدة، واستحداث صيغ جديدة لأداء معان جديدة، والتخلص من الكلمات الدخيلة والأساليب القديمة الرثة، أو الأساليب التي لا تتفق مع قواعد العربية، والتجوز بكثير من المفردات لإصابة ما لا تطوله بأصل الوضع اللغوي.
لقد اتسعت آفاق الكتابة، وتميزت منها ثلاثة ألوان: اجتماع، وسياسة، وأدب.
فالنثر الاجتماعي كان نتيجة نمو الوجدان الاجتماعي نموًا محسوسًا، والتخلص من الروح البطيئة الهامدة، ولذلك نراه يتطلب صحة العبارة، والتخلص عن الزخرف والزينة، ويتوخى وضوح الجمل، وترك المبالغة والتهويل، ويعمد إلى سلامة الحجج، وإيرادها على حكم المنطق الصحيح، وربط الأسباب بمسبباتها، والدقة في التفصيل؛ لأن الغرض منه معالجة الأمر الواقع، فلا ينبغي فيه استعمال الأقيسة الشعرية، ولا الخيال المجنح، اللهم إلا في الأحوال التي تقتضي استفزاز الجماهير وإثارة عواطفهم، وتحمسهم للإقلاع عن خلة فاسدة، أو للتظاهر على الاضطلاع ينفع عام على أن يكون ذلك بقدر، فإن الأغراض الاجتماعية إنما تجري في حدود الحقائق على كل حال، وقد بعد هذا النثر الاجتماعي عن السجع والتكلف؛ لأن الجري وراء السجع قد يفوت على الكاتب الغرض الذي يرمي إليه، وقد يذهب المعنى المراد في سبيل سجعة متكلفة، ولا عجب في البعد عن السجع، إذ الذهن منصرف إلى تفتيق المعاني، وسوق الحجيج، وضرب الأمثلة لا إلى الجري وراء كلمة أو سجعة.
أما النثر السياسي فيمتاز بالسهولة، والوضوح بحيث يكون معناه في ظاهر لفظه؛ لأن الصحف تخاطب الجماهير ويقرؤها الخاصة والعامة، هذا إلى أن قراءها إنما يبغونها للساعة، فلا محل للارتفاع بعبارتها، والتعمق في معانيها بما يقتضي من القارئ كد الذهن، وإرهاق الأعصاب.
ولا يلتزم في النثر السياسي الاعتماد على المنطق، بل إنه يؤثر عادة الأدلة الخطابية؛ لأنها أنفذ في إقناع الجماهير من سواها، إذ تقوم النزعات السياسية في الغالب على الفروض، والاعتبارات والميول الوجدانية أكثر مما تقوم على الحقائق العالمية.
وليس في هذا اللون من النثر احتفاء بالأسلوب، أو تحيز للألفاظ أو جنوح إلى الخيال إلا عند عدد قليل من الأدباء، مثل أديب إسحاق الذي كان يحيل كل شيء يتناوله قلمه إلى قطعة أدبية، ولكن الغالب أن النثر السياسي يعمد إلى التصوير السريع، وليس فهي تحقيق علمي منظم مبني على الاستقراء، أو ذكر المقدمات الوافية، ويكثر فيه عادة التكرار.
النوع الثالث من ألوان النثر التي ظهرت في هذه الحقبة هو النثر الأدبي، وقد تناول في القرن التاسع عشر موضوعات جديدة كانت من قبل وقفًا على الشعر، فتتناول بقلم الأديب وصف البؤس، والفقر والحرب والحدائق، وشتى ألوان العواطف، كما ظل سائدًا في الرسائل الإخوانية من تهنئة، وتعزية ورجاء وشفاعة ودعوة واعتذار، وغير ذلك، وظهر في وصف بعض الرحلات والأماكن المشهورة، وهذا النثر يحتاج فيه الكاتب إلى التأنق في عبارته، وتحيز ألفاظه، والاهتمام في الآذان؛ لأن الغاية التي يتوخاها الأديب هي نقل الأثر الذي يحس به في نفسه إلى سواه، وهذه من العوامل التي تساعد على الوصول إلى هذه الغاية.
وهذا النثر أدنى الأنواع إلى الشعر، ولهذا لا ينكر منه البديع، على ألا يكون من الكثرة بحيث يستهلك ذهن القارئ، وبحيث لا يأتي متكلفًا، ولا تساق الجملة لمجرد اصطياده، بل إن خيره ما جاء عفوًا.
ويقتضي التأنق في اللفظ، وجودة السبك، وتفتيق المعاني، معرفة بأسرار اللغة، ووفرة محصول من المفردات، وخبرة بالكلام الجيد أو استظهار كثير من المنثور والمنظور، هذا إلى طبيعة مواتية، وحس مرهف، وذوق رقيق، وفطنة إلى مواطن الجمال.
وقد رأيت تلك المحاولات التي بذلت من جانب الأدباء للتخلص من السجع حتى في هذا الضرب من النثر.