Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
داء التعصّب في فكر الإمام علي عليه السلام: دروس للزمان المعاصر

منذ 7 ايام
في 2025/11/03م
عدد المشاهدات :368
داء التعصّب في فكر الإمام علي عليه السلام: دروس للزمان المعاصر
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
3/11/2025
ما أشدّ ظلمة الفكر حين يستبدّ به التعصّب، وما أضيق العقل حين لا يرى في الأفق إلا صدى صوته. إنّ المتعصّب لا يعيش للحقيقة، بل يعيش لرأيه، يعبد الفكرة لا لأنها حقّ، بل لأنها فكرته هو. ومن هنا يبدأ الخراب الذي يمتدّ إلى المجتمع، ويقود إلى النزاعات والانقسامات التي تنهش وحدة الأمة وتفتت شعور الانتماء. فالتعصّب لا يقتصر على العلاقات الفردية، بل يصبح عدوى تنتشر في المجتمعات، ويُظهر آثاره في كل المجالات: السياسية والاجتماعية والثقافية وحتى الرقمية، حيث تتحوّل منصات التواصل إلى ساحات صراع عقائدي، ويتحوّل كل نقاش إلى حرب لتثبيت الرأي، لا للبحث عن الحقيقة.
لقد عرف الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) هذا الداء منذ قرون، فوصفه بدقة مذهلة كأنّما يتحدّث عن أزماننا هذه، حين تتناحر العقول على منابر الفكر، ويعلو الصخب على صوت الحقيقة. في عصرنا الحديث، نرى صدى تحذيره في النزاعات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يسعى كل طرف إلى تثبيت رأيه بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك على حساب الحقائق. هنا تتجلى حكمة الإمام في دعوته إلى التواضع الفكري، وإلى الإنصات للآخر قبل إصدار الأحكام.
يقول في خطبته القاصعة الخطبة 192 من نهج البلاغة:
"فإيّاكم والتعصّب لأحسابكم، والاستطالة على غيركم بأنسابكم، فإنها من أخلاق الجاهلية، وإنّما التّعصّب الذي يُحمد صنيعه أن يكون لدينٍ أو كرمٍ أو خلةٍ حميدة."
بهذه الكلمات رسم الإمام الحدّ الفاصل بين التعصّب المذموم والتعصّب المحمود. فالتعصّب الأعمى الذي يجعل صاحبه أسيراً لفكرته أو لجماعته أو لذاته هو من أخلاق الجاهلية، أمّا التعصّب للحقّ فهو من شيم الأحرار، ويظهر جليًا في مواقف الرجال العظماء الذين يرفعون راية الحق، حتى لو خالفوا الجميع. في عالم اليوم، يمكن أن نرى أمثلة كثيرة على هذا الفرق: من يتمسّك بالمبادئ الصحيحة رغم الضغوط السياسية أو المجتمعية، ويواجه موجات التعصّب الإعلامي أو الرقمي، يُحسب له هذا التعصّب المحمود لأنه يحمي المبادئ العليا، لا الأنانية أو الشهرة.
ثمّ يوجز الإمام المعنى في حكمة قصيرة تُضيء العقول:
"آفةُ العقل الهوى، وشرفُ المرء بترك الهوى."
إنّ الهوى، حين يتسلّل إلى الفكر، يُعمي البصيرة ويقود صاحبه إلى الوهم. فالمتعصّب لا يبحث عن الحقيقة، بل يبحث عمّا يُبرّر رأيه، ويحوّل الحقائق إلى أدوات تُغذي غروره. يرى العالم بعيون نفسه لا بعيون عقله، فإن أخطأ ظنّ أنه مصيب، وإن أُبصر الحقّ أعرض عنه لأنه لا يشبهه. ومن هنا ندرك أنّ الحرية الفكرية الحقيقية تتطلّب محاربة الهوى الداخلي قبل مواجهة الخارج، أي تنقية العقل من الانحياز الشخصي قبل الانخراط في النقاش المجتمعي. في عصر منصات التواصل، يصبح هذا التحذير أكثر أهمية، حيث يمكن لرأي واحد متعصب أن يهيمن على آلاف المتابعين، فيغذي الفكر المغلق ويحد من النقاش العقلاني.
وفي موضع آخر يقول (عليه السلام):
"من ضيّق على نفسه الرأي كان أكثر خصامه خطأً."
أي إن من أغلق على نفسه باب الحوار، وظنّ أنه وحده صاحب الصواب، كان خطؤه مضاعفاً، لأنّ التعصّب لا يمنح الإنسان يقيناً، بل حبلاً من الغرور يلتفّ حول عنقه ببطء. وكل مجتمع يحوي مثل هؤلاء الأفراد، يواجه صعوبة في تبادل الأفكار والتفاهم، وتزداد احتمالية الصدامات، لأن المتعصّب يرفض الاعتراف بالخطأ أو الانفتاح على النقد البناء. وقد نرى مثال ذلك في النزاعات السياسية المعاصرة، حين تتحوّل النقاشات إلى شعارات فارغة، وتغيب الحقيقة لصالح تثبيت الانتماء أو الهيمنة الإعلامية، مما يجعل الحوار العقلي شبه مستحيل.
ليس التعصّب مجرّد تمسّك بالرأي، بل هو خديعة الشيطان، وهمس النفس الأمّارة بالسوء. فالمتعصّب لا يبحث عن الحقيقة، بل عن ما يُرضي هواه ويُثبّت شعوره بالسيادة، فيصير رأيه صنمًا يُعبد، وضميره صامتًا، وعقله أسيرًا للهوى. وهنا تتجلّى عبقرية الإمام عليّ عليه السلام حين ربط بين التعصّب والسيطرة على النفس، محذرًا من أن أول معركة للإنسان هي مع نفسه قبل أي صراع خارجي.
يقول الإمام عليه السلام عن النفس الأمّارة بالسوء:
النفس أمّارة بالسوء، وهواها شريك الشيطان.
فالشيطان هو الزارع، والنفس هي الأرض الخصبة، والتعصّب هو الثمرة المسمومة التي تنبت حين يغيب ضوء العقل والتقوى. من استسلم لهوا نفسه استسلم للشيطان، ومن طرد هواه وانصاع للحق، طرد وسوسة الشيطان وأبقى قلبه منيرًا. وهكذا نجد أن الطريق إلى التحرر من التعصّب يبدأ بالوعي الذاتي ومواجهة الأهواء الداخلية، لأن الفساد يبدأ من الداخل قبل أن يمتدّ إلى الخارج.
في عالم اليوم، يبرز هذا التحذير بوضوح، حيث تتسابق وسائل الإعلام وشبكات التواصل لنشر آراء متعصبة تزرع الانقسام بين الناس، وتُعلي من شأن الهوى الشخصي على حساب الحق. كل منشور يروج لتأكيد الذات على حساب الحقيقة، وكل تعليق يهدف لتثبيت الرأي دون مناقشة عقلانية، هو بمثابة ثمرة التعصّب التي حذر منها الإمام قبل أكثر من ألف عام.
ولذلك قال الإمام:
من غلب هواه على عقله كان أضلّ من الأنعام.
فالتعصّب إذن ليس فقط غيابًا للحكمة، بل هو خضوع للنفس الشيطانية التي تزين الخطأ باليقين، وتحوّل الباطل إلى دين مؤصّل في قلب صاحبه. ومن أراد النجاة من داء التعصّب، فعليه أن يواجه نفسه أولاً، ويصفي قلبه من غبار الهوى، ليبصر الحق على حقيقته، ويعرف أنّ صوته ليس الأعلى دائمًا، وأنّ الحقّ لا يُختصر برأي واحد أو فكرة جامدة. وهنا تظهر عبقرية الإمام عليّ عليه السلام في قراءة النفس البشرية وفهم أعمق مخاطر التعصّب قبل أن يتحوّل إلى ظاهرة اجتماعية سامة.
لقد فهم الإمام عليّ جوهر الأزمة الفكرية في الإنسان: أنّ الخطر ليس في الجهل، بل في الجهل المزيّن بثقة عمياء. ومن هنا تتجلّى صرخة العقل في خطبه وحكمه: التواضع للحقّ، وزجر النفس الأمّارة، وطرد وسوسة الشيطان، هي الطريق إلى خلاص الإنسان من داء التعصّب.
ومن النبلاء أن يُرفع الصوت بالحق، لا بالرأي الجامد، وأن يُنصت العقل قبل أن يُرفع الغضب، فالحقيقة لا تحتاج إلى تعصّب، بل إلى قلب صافٍ وعقل واعٍ، وهما وحدهما يستطيعان أن يميّزا بين الغرور واليقين، وبين الباطل والحق.
كما قال الإمام عليّ: إنّما يُعرف الرجال بالحقّ، ولا يُعرف الحقّ بالرجال.
ومن جعل الحق ميزاناً له، اهتدى وإن خالف الجميع، ومن جعل رأيه ميزاناً للحق، ضاع في طريقه، أسيرًا لهوى نفسه والشياطين. وهكذا يظل الإمام عليّ مرشدًا للفكر البشري في مواجهة التعصّب، مذكّرًا بأن قوة الإنسان الحقيقية تكمن في تحرره من نفسه قبل تحرره من الآخرين، وفي طهارة قلبه قبل حمايته لمجتمعه، وأن العالم المعاصر لا يختلف عن زمنه إلا في أدوات التعصّب، أما جوهره النفسي والاجتماعي فلا يزال كما هو.
الانقسام الاجتماعي في العراق من التناحر إلى الوحدة الإيمانية رؤية قرآنية
بقلم الكاتب : وائل الوائلي
إن العراق، ذلك البلد المبارك الذي ازدان بضياء النهرين وتراث الأنبياء، ظلّ عبر تاريخه الحديث يعاني من آفة التناحر والانقسام، حتى كادت نيران الفرقة أن تلتهم أخضرَه ويابسَه. ولئن تعددت مظاهر هذا الانقسام بين حزبيةٍ طاغية، وعشائريةٍ متجذرة، وطائفيةٍ مميتة، فإن المنهج القرآني يظلّ المنار الوضاء الذي... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى.... المزيد
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان...
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...


منذ 7 ايام
2025/11/03
عندما نقرا تاريخ الكرة الاسيوية ونحدد فترة معينة يمكن من خلالها معرفة من هم كبار...
منذ 1 اسبوع
2025/11/02
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثالث والسبعون: عودة الميكانيكا البوهمية: لماذا...
منذ 1 اسبوع
2025/10/31
عندما نفكّر اليوم في القنبلة النووية تنبثق أمامنا صورة طاقة هائلة تُطلق في لحظات...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )