كان حارث بن جبلة يعد أكبر ملوك الغساسنة، فقد حكم مدة طويلة نسبيا وكان يرافق القائد الروماني المعروف بليرز في غزواته وحملاته على الفرس، وطالما دخل في معارك مع ملك الحيرة، لذا فقد اشتهر اسمه بين قبائل العرب وذكره الشعراء في اشعارهم ونظموا وقائعه شعراً، ومن هذه الاشعار معلقة الحارث بن حلزة التي تعد من المعلقات السبع.

وبعد الحارث تولى المنذر الملك لمدة ثلاثة عشر عاما، ثم غضب عليه الروم فحكموا عليه بالنفي الى جزيرة صقلية التي ظل بها حتى وافته المنية، ويحتمل ان غضب الروم على هذا الأمير الغساني كان يرجع الى مسألة دينية حيث كان الغساسنة يعتنقون المذهب اليعقوبي الذي كان الروم يناهضونه، وبعد المنذر ثار ابناؤه الاربعة بقيادة اكبرهم النعمان (غير النعمان بن المنذر اللخمي) على الروم ونقلوا مقرهم من المدينة الى البادية ومنها انطلقوا في هجماتهم على المستعمرات الرومانية، إلا ان الروم تمكنوا من القبض على النعمان عن طريق الخديعة واخذوه الى القسطنطينية حيث ألقوا به في السجن، ومن ذلك الوقت لم يعد للغساسنة ذكر في كتابات الروم، ولكن ثمة قصائد لبعض الشعراء العرب يرجع تاريخ نظمها الى ما بعد سقوط النعمان، وترد فيها اسماء بعض امراء الغساسنة، ومن المعروف أيضاً ان خسرو برويز قد هاجم الشام وفلسطين في عام 413م. وظلتا تحت سيطرته حتى عام 629. وبناء على ذلك، فإن دولة الغساسنة لو كانت لا تزال قائمة فلابد انها قد زالت في هذا الغزو الفارسي، وبعد 629م. عندما استعاد الروم سيطرتهم على الشام وفلسطين من أيدي افرس ليس من المعروف ما إذا كانت دولة الغساسنة قد استدرت مكانتها من جديد ام لا، وفي ضمن اخبار الفتوحات الاسلامية يرد الحديث عن امير غساني يسمى جبلة بن الأيهم الذي كان ضمن جيوش الروم وقاتل ضد المسلمين ثم اعتنق الاسلام وبعدها ارتد الى المسيحية، وهناك أيضاً خبر عن حرب خالد بن الوليد ضد امير غساني يسمى الحارث بن الايهم، الا ان أيا من هذين الرجلين لم تعرف هويته بعد ومن المحتمل ان دولة الغساسنة تقوضت أركانها في أعقاب موت النعمان هذا ولم يبق منهم سوى امراء صغار في أركان متفرقة. ويقول ابن العبري ان الغساسنة بعد زوال دولتهم تفرقوا ورحلوا الى المناطق المحيطة، وظل عدد منهم في ري الموصل والعرق حتى العهد الذي عاش فيه ابن العبري (اي القرن السابع الهجري) وقد ظلوا ثابتين على مذهبهم اليعقوبي.