أقرأ أيضاً
التاريخ: 6/11/2022
1462
التاريخ: 26-09-2014
4970
التاريخ: 6-1-2023
1361
التاريخ: 3-12-2015
4777
|
وبالرغم من كثرة الأقوال والكلام بين المفسّرين في شأن عالم الذّر، إلاّ أنّنا نحاول أن نبيّن التّفسير الإجمالي لهذه الآيات الكريمة، ثمّ نختار الأهم من أبحاث المفسّرين، ونبيّن وجهة نظرنا بصورة استدلالية موجزة!
يقول الله سبحانه مخاطباً نبيّه في هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } [الأعراف: 172].
«الذريّة» كما يقول أهل اللغة وعلماؤها، معناها في الأصل الأبناء الصغار اليافعون، إلاّ أنّها تطلق في الغالب على عموم الأبناء، وقد تستعمل هذه الكلمة في معنى المفرد، كما قد تستعمل في معنى الجمع، إلاّ أنّها في الأصل تحمل معنى الجمع!
والجذر اللغوي لهذه الكلمة مُختَلفٌ فيه، إذ احتملوا له أوجهاً متعددة..
فقال بعضهم: إنّ جذر هذه الكلمة مأخوذ من «ذَرَأَ» على زنة «زَرَعَ» ومعناه الخلق، فعلى هذا الوجه يكون معنى الذرية مساوياً «للمخلوق».
وقال بعضهم: بل الجذر مأخوذ من «ذَرَّ» على وزن «شَرَّ» ويعني الموجودات الصغيرة جدّاً كذرّات الغبار مثلا والنمل الصغير، ومن هنا فإنّ أبناء الإِنسان تبدأ حياتهم من نطفة صغيرة جداً.
والإِحتمال الثّالث أنّه مأخوذ من مادة ذَرْو ومعناه النثر والتفريق والتنقية
[ومنه ذَرْوُ الحنطة] وإنما سمي أبناء الإِنسان بالذرية لأنّهم يتفرقون في أنحاء الأرض بعد التكاثر!
ثمّ يشير الله سبحانه إلى الهدف النهائي من هذا السؤال والجواب، وأخذ العهد من ذرية آدم في مسألة التوحيد، فيقول: (أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين).
الآية التّالية تشير إلى هدف آخر من أخذ هذا العهد، وهو أنّه إنّما أخذ ربّك هذا العهد من ذرية بني آدم لئلا تعتذروا (أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذريّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون).
أجَلْ ... (وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون).
إيضاح لما ورد عن عَالَم الذَّرِ.
رأينا أنّ الآيات محل البحث تتحدث عن أخذ العهد من ذريّة آدم، لكن كيف أُخِذَ هذا العهدُ؟!
لم يرد في النص إيضاح في جزئيات هذا الموضوع، إلاّ أنّ للمفسّرين آراء متعددة تعويلا منهم على الرّوايات الإِسلامية(1) «الواردة عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام)» ومن أهم هذه الآراء رأيان.
1 ـ حين خُلق آدم ظهر أبناؤه على صورة الذّر إلى آخر نسلِ له من البشر «وطبقاً لبعض الرّوايات ظَهرَ هذا الذّر أو الذرّات من طينة آدم نفسه» وكان لهذا الذرّ عقلٌ وشعور كافً للإِستماع والخطاب والجواب، فخاطب الله سبحانه الذرّ قائلا (الستُ بربّكم)؟!...
فَأجاب الذرّ جميعاً: (بلى شهدنا).
ثمّ عاد هذا الذرّ «أو هذه الذرات» جميعاً إلى صُلب آدم «أو إلى طينته» ومن هنا فقد سُميَ بهذا العالم بعالم الذرّ ... وهذا العهدُ بعهد «ألست»؟
فبناءً على ذلك، فإنّ هذا العهد المشار إليه آنفاً هو عهد تشريعي، ويقوم على أساس «الوعي الذاتي» بين الله والناس.
2 ـ إنّ المراد من هذا العالم وهذا العهد هو عالم الإِستعداد «والكفاءات»، و«عهد الفطرة» والتكوين والخلق. فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الأُمهات، وهم نطف لا تعدو الذرات الصغار، وهبهم الله الإستعداد لتقبل الحقيقة التوحيدية، وأودع ذلك السرّ الإِلهي في ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلي... كما أودعه في عقولهم وأفكارهم بشكل حقيقة واعية بنفسها.
وقد رُوي عن بعض أُدباء العرب وخطبائهم أنّه قال في بعض كلامِهِ: سَل الأرض من شق أنهارَكِ وغرس أشجارَكِ وأينع ثمارَكِ؟ فإنّ لم تُجبكَ حواراً أجابتك اعتباراً(2)!...
كما ورد في القرآن الكريم التعبير على لسان الحال، كالآية (11) من سورة فصلت، إذ جاءَ فيها (فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين).
هذا باختصار هو خلاصة الرأيين أو النظرتين المعروفتين في تفسير الآيات آنفة الذكر...
إلاّ أنّ التّفسير الأوّل فيه بعض الإشكالات، ونعرضها في ما يلي:
1 ـ ورد التعبير في نصّ الآيات المتقدمة عن خروج الذريّة من بني آدم من ظهورهم، إذ قال تعالى... (من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) مع أنّ التّفسير الأوّل يتكلم عن آدم نفسه أو عن طينة آدم.
2 ـ إذا كان هذا العهد قد أُخذ عن وعي ذاتي وعن عقل وشعور، فكيف نسيه الجميعُ؟! ولا يتذكر أحد مع أنّ الفاصلة الزمانية بين زماننا ليست بأبعدَ مدىً من الفاصلة بين هذا العالم والعالم الآخر «أو القيامة»؟ ونحن نقرأ في آيات عديدة من القرآن الكريم أنّ الناس سواءً كانوا من أهل الجنّة أو من أهل النّار لا ينسون أعمالهم الدنيوية في يوم القيامة، ويتذكرون ما اكتسبوه بصورة جيدة، فلا يمكن أن يُوجَّه هذا النسيان العمومي في شأن عالم الذر أبداً «ولا مجال لتأويله!».
3 ـ أيّ هدف كان من وراء مثل هذا العهد؟! فإذا كان الهدف أن يسير المعاهدون، في طريق الحق عند تذكرهم مثل هذا العهد، وألاّ يسلكوا إلاّ طريق معرفة الله، فينبغي القول بأنّ مثل هذا الهدف لا يتحقق أبداً وبأي وجه كان، لأنّ الجميع نسوه!!...
وبدون هذا الهدف يعدّ هذا العهد لغواً ولا فائدة فيه.
4 ـ إنّ الإِعتقاد بمثل هذا العالم يستلزم ـ في الواقع ـ القبول بنوع من التناسخ، لأنّه ينبغي ـ طبقاً لهذا التّفسير ـ أن تكون روح الإِنسان قد خلقت في هذا العالم قبل ولادته الفعلية، وبعد فترة طويلة أو قصيرة جاء إلى هذا العالم ثانيةً، وعلى هذا فسوف تحوم حوله كثيراً من الإِشكالات في شأن التناسخ!
غير أنّنا إذا أخذنا بالتّفسير الثّاني، فلا يرد عليه أيُّ إشكال ممّا سبق، لأنّ السؤال والجواب، أو العهد المذكور ـ عهد فطري، وما يزال كلّ منّا يحس بآثاره في أعماق روحه، وكما يعبر عنه علماء النفس بـ «الشعور الديني» الذي هو من الإِحساسات الأصيلة في العقل الباطني للإِنسان. وهذا الإِحساس يقود الإنسان على امتداد التأريخ البشري إلى «طريق» معرفة الله... ومع وجود هذا الإِحساس أو الفطرة لا يمكن التذرّع بأنّ أباءنا كانوا عبدةً للأصنام ونحن على آثارهم مقتدون!!....
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا } [الروم: 30].
والإِشكال الوحيد الذى يَرِدُ على التّفسير الثّاني هو أنّ هذا السؤال والجواب يتخذ شكلا «كنائيّاً» ويتسم بلغة الحوار. إلاّ أنّه مع الإِلتفات إلى ما بيّناه آنفاً بأن مثل هذه التعابير كثير في لُغَةِ العرب وجميع اللغات، فلا يبقي أيّ إشكال في هذا المجال.
ويبدو أن هذا التّفسير أقرب من سواه!
2- بحار الانوار , ج5 , ص269.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|