المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

علي (عليه السلام) سبب بقاء الاسلام
2023-04-20
مفهوم استعمالات الأرض
4-12-2019
فيروس التخطيط الشاحب في القصب
2-7-2018
وضع خريطة عامة لتنظيم المعلومات في الصحيفة الإلكترونية
10-2-2022
الإضطرار
9-9-2016
سكوت الإمام علي بن ابي طالب عن أخذ حقه
30-7-2016


هل اغتيل الرسول (صلى الله عليه وآله)؟  
  
101   12:16 صباحاً   التاريخ: 2024-10-26
المؤلف : السيد جعفر مرتضى العاملي
الكتاب أو المصدر : مختصر مفيد أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة
الجزء والصفحة : ج5 - ص 148
القسم : العقائد الاسلامية / أسئلة وأجوبة عقائدية / سيرة وتاريخ /

الجواب:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}( سورة آل عمران، الآية 144)..

فهذه الآية الكريمة قد بينت إمكانية ارتكاب جريمة قتل في حق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وذلك يزيف أي ادعاء يهدف إلى تضليل الناس عن حقيقة موت الرسول (صلى الله عليه وآله)، بدعوى أن استشهاده غير ممكن.. أياً كانت دوافع أو مبررات ادعاءات كهذه..

وقد جاءت الأحداث لتؤكد هذه الحقيقة، فبينت أنه (صلى الله عليه وآله) قد تعرض للاغتيال أكثر من مرة، ومن أكثر من جهة: من المشركين، ومن اليهود، ومن المتظاهرين بالإسلام أيضاً..

وقد يمكن القول أيضاً: بأن الفئات المختلفة ـ أحياناً ـ قد تعاونت على ذلك، بعد أن رأت أن مصالحها تلتقي على هذا الأمر. فبذلوا المحاولة، وربما فشلت مرة أو أكثر، ولكنهم استطاعوا في نهاية المطاف أن يصلوا إلى مبتغاهم، فمات (صلى الله عليه وآله) شهيداً بالسم، كما سيأتي..

نماذج من محاولات اغتياله:

وفي جميع الأحوال نقول: إنه قد بذلت محاولات كثيرة لاغتياله (صلى الله عليه وآله)، نذكر منها ما يلي:

1ـ ما روي من تهديدات قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في بدء الدعوة، وعرضهم على أبي طالب أن يقتلوه، وأن يعطوه بعض فتيانهم بدلاً عنه.. وقد ذكرنا ذلك في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) فراجع..

وذكرنا أيضاً: أن أبا طالب (عليه السلام) حين حصر المشركون المسلمين في شعب أبي طالب، كان ينيم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في موضع يراه الناس، ثم إنه حينما تهدأ الرِّجل يقيمه، وينيم ولده الإمام علياً (عليه السلام) مكانه، حذراً من أن تغتاله قريش.

فقال له الإمام علي (عليه السلام)، إني مقتول؟!..

فقال له أبو طالب (عليه السلام):

اصبرن يا بني، فالصبر أحجى ... كل حي مصيره لشعوب

قدر الله والبلاء شديد ... لنداء الحبيب وابن الحبيب

[الأبيات] (1)..

2ـ محاولة اغتياله (صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة، حيث بات الإمام علي (عليه السلام) في فراشه (صلى الله عليه وآله).. وكانوا قد انتدبوا عشرة من الرجال من عشر قبائل في قريش ليقتلوا النبي (صلى الله عليه وآله).. فأنجاه الله سبحانه منهم. وتتبعوه إلى الغار، فصرفهم الله عنه.

3ـ محاولة اغتياله من قبل بني النضير(2)..

4ـ تنفيرهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة(3)..

وقال «يعني ابن حزم»: إن حذيفة لم يصل على أبي بكر، وعمر، وعثمان.. «وكان لا يصلي على من أخبره (صلى الله عليه وآله) بأمرهم».

5ـ محاولة قتله (صلى الله عليه وآله) في خيبر بالسم، وسنذكر بعض نصوص هذه الحادثة.. فيما يأتي إن شاء الله تعالى..

6ـ محاولة قتله (صلى الله عليه وآله) في المدينة بالسم أيضاً، وسنذكر النصوص المرتبطة بذلك أيضاً.

وبعدما تقدم نقول: إننا إذا أردنا الاقتراب من الإجابة على السؤال الوارد، فلا بد لنا من إيراد النصوص، والنظر فيها، ولذلك، فنحن نتابع الحديث على النحو التالي:

نصوص مأثورة عامة:

1ـ روي عن ابن مسعود أنه قال: لأن أحلف تسعاً: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتل قتلاً أحب إلي من أن أحلف واحدة.

وذلك أن الله سبحانه وتعالى، اتخذه نبياً، وجعله شهيداً(4)..

2ـ روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه: أن الإمام الحسن (عليه السلام) قال لأهل بيته: إني أموت بالسم، كما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله)..

قالوا: ومن يفعل ذلك؟!.. قال: امرأتي جعدة بنت الأشعث(5)..

3ـ عن الشعبي قال: لقد سم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسم أبو بكر الخ..(6).

ومن أقوال العلماء نذكر:

ما قاله الشيخ الطوسي (رحمه الله): قبض (صلى الله عليه وآله) مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من الهجرة سنة عشر الخ(7)..

وقال الشيخ المفيد: قبض بالمدينة مسموماً(8)..

وراجع ما قاله العلامة الحلي (رحمه الله) حول ذلك أيضاً(9)..

الروايات حول سم النبي (صلى الله عليه وآله):

وبعدما تقدم نقول:

لقد وردت روايات محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) بواسطة السم عند السنة والشيعة على حد سواء، وهي تنقسم إلى قسمين:

أحدهما يقول: إن يهودية دست السم إلى النبي (صلى الله عليه وآله)..

والآخر يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد استشهد بالسم على يد بعض زوجاته.. ونحن نذكر هنا نصوصاً من هذا القسم وذاك.. مع بعض التوضيح أو التصحيح، فنقول:

روايات السنة في سم اليهودية لرسول الله (صلى الله عليه وآله):

إننا نذكر من الروايات التي أوردها أهل السنة في مجاميعهم الحديثية والتاريخية، وتحدثت عن سم اليهودية له (صلى الله عليه وآله) ما يلي:

1ـ عن عائشة أنه (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه الذي توفي فيه: إني أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم(10)..

2ـ عن أبي هريرة أنه حين فتحت خيبر، أهديت له (صلى الله عليه وآله) شاة فيها سم، فقال (صلى الله عليه وآله): إجمعوا من كان ههنا من اليهود، فجمعوا، فقال لهم: إني سائلكم عن شيء.. إلى أن قال: أجعلتم في هذه الشاة سماً؟

قالوا: نعم.

قال: فما حملكم على ذلك؟!..

قالوا: أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك(11)..

3ـ عن أنس: أن يهودية أتت النبي (صلى الله عليه وآله)، بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك..

فقال (صلى الله عليه وآله): ما كان الله ليسلطك على ذلك. أو قال: علي..

قالوا: ألا نقتلها؟

قال (صلى الله عليه وآله): لا.

فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله (صلى الله عليه وآله)(12)..

4ـ في سيرة ابن هشام: أن التي سمته هي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) لاك من الشاة مضغة فلم يسغها، فلفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم.. وكان معه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها وأساغها.. فسأل النبي (صلى الله عليه وآله) تلك اليهودية عن ذلك.. إلى أن قال: فتجاوز عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومات بشر من أكلته التي أكل(13).. في نص آخر أضاف قوله: فلما مات بشر أمر بها فقتلت، وقيل: صلبت كما في أبي داود وروى أبو داود: أنه (صلى الله عليه وآله) قتلها.

وفي كتاب شرف المصطفى: أنه قتلها وصلبها وقيل: تركها لأنها أسلمت، فلما مات بشر دفعها إلى أوليائه، فقتلوها به.. كما في الإمتاع، وفي صحيح مسلم أنه قتلها. وعند ابن إسحاق: أجمع أهل الحديث على ذلك، وقال مغلطاي: لم يقتلها(14)..

وعند الدارمي، عن الزهري: أنه عفا عنها(15)..

5ـ زاد في بعض المصادر قوله: «فلما ازدرد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقمته ازدرد بشر ما كان في فيه، وأكل القوم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ارفعوا أيديكم، فإن هذه الذراع، أو الكتف يخبرني: أنها مسمومة.

فقال له بشر: والذي أكرمك، لقد وجدت ذلك في أكلتي التي أكلت، فما منعني أن ألفظها إلا أن أنغص عليك طعامك، فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا تكون ازدردتها..

فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان [أي أسود]. وماطله وجعه سنة، لا يتحول إلا ما حول، حتى مات.. وطرح منها لكلب فمات(16)..

6ـ وفي رواية: أنه بعد أن اعترفت اليهودية بتسميم الشاة، بسط النبي (صلى الله عليه وآله) يده إلى الشاة، وقال: كلوا باسم الله، فأكلوا وقد سموا بالله، فلم يضر ذلك أحداً منهم(17)..

7ـ عن أبي هريرة: ما زالت أكلة خيبر تعتادني في كل عام، حتى كان هذا أوان قطع أبهري(18).

وفي المنتقى: ولاكها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلفظها، فأخذها بشر بن البراء، فمات من ساعته، وقيل: بعد سنة(19)..

8ـ وعند ابن سعد، عن الواقدي: أن اليهودية اعتذرت عن ذلك بأنه (صلى الله عليه وآله) قد قتل أباها، وزوجها، وعمها، وأخاها، ونال من قومها. فأرادت الانتقام لهم(20)..

9ـ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن النبي (صلى الله عليه وآله) أكل من الشاة المسمومة، هو وأصحابه، فمات منهم بشر بن البراء، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر باليهودية فقتلت(21)..

نظرة في النصوص المتقدمة:

ولا نريد أن نناقش في أسانيد الروايات المتقدمة، فإن لنا فيها مقالاً.. بل نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية:

أولاً: إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم يكن من السذاجة بحيث يقبل هدية هذه اليهودية، ثم يأكل منها، ويأمر أصحابه بالأكل منها.. وهو قد فرغ لتوه من تسديد الضربة القاضية لقومها.. كما أنه كان قد قتل زوجها، سلام بن مشكم، وأخاها كعب بن الأشرف قبل ذلك، وعمها، وغير هؤلاء..

كما أن كل أحد قد رأى غدر اليهود المتكرر بالمسلمين، وتآمرهم على حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من مرة، فلم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) ليغفل عن هذا الأمر، ويتصرف بهذا الطريقة.

ولو فرض جدلاً أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد سكت عن هذا الأمر، أو تغافل عنه لمصلحة رآها.. فإن من المتوقع جداً أن يبادر أحد المسلمين إلى الجهر بالاعتراض على الأكل من ذلك الطعام، وإبداء مخاوفه من أن يكون مسموماً..

ثانياً: إن من يقرأ الروايات المتقدمة، ويقارن بينها، يلاحظ: أنها غير منسجمة فيما بينها.. فلاحظ ما يلي:

1ـ إن بعضها يصرح بأن الله تعالى ما كان ليسلط تلك المرأة عليه (صلى الله عليه وآله).

لكن بعضها الآخر يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) في مرض موته: قد وجد ألم الطعام الذي أكله في خيبر، وأخبر أن مطاياه قد قطعت، أو أن ذلك هو أوان انقطاع أبهره..

2ـ يقول بعضها: إنه (صلى الله عليه وآله) قد قتل تلك المرأة، وبعضها الآخر يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد عفا عنها.. وثالث يقول: إنه عفا عنها أولاً. ثم قتلت بعد موت بشر بن البراء..

3ـ بعضها يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) لم يسغ ما تناوله من لحم الشاة.. لكن البعض يقول: إنه قد أساغ ما أكله منها..

4ـ وقالوا: إن الذي مات، هو بشر بن البراء؟!. وقيل: هو مبشر بن البراء؟!(22)..

5ـ في بعض تلك الروايات: أنه (صلى الله عليه وآله) قد اتهم جماعة من اليهود بالأمر، فجمعهم، وسألهم عنه، فأقروا به..

وفي بعضها الآخر: أن المتهم هو امرأة واحدة منهم..

6ـ بعضها يقول: إن الذي أكل هو بشر بن البراء فقط، وبعضها الآخر يضيف قوله: وأكل القوم..

7ـ بعضها يقول: إن الذي حجم النبي (صلى الله عليه وآله) في هذه المناسبة هو أبو طيبة وقيل: بل حجمه أبو هند..

8 ـ بعضها يقول: أكل القوم. وبعضها الآخر يقول: كانوا ثلاثة، وضعوا أيديهم في الطعام، ولم يصيبوا منه..

9ـ بعض الروايات يقول: إنه بعد اعتراف اليهودية بما فعلت، أمرهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالتسمية، والأكل من الشاة، فأكلوا فلم يضر ذلك أحداً منهم..

وبعضها الآخر يقول: لم يأكلوا.. وتضرر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وتضرر بشر بن البراء..

ثالثاً: كيف يحسُّ بشر بن البراء بالسم، ثم لا يخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بالأمر، ويتركه يمضغ ما تناوله، ثم يبتلعه؟!.. فهل كان يعتقد أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يموت؟!.. أو أنه كان يعرف أنه يموت، وأراد له ذلك؟!. أم أنه لم يرده له.. ولكنه سكت عن إعلامه بالأمر؟!. فكيف سكت؟!. ولماذا؟!.

رابعاً: يقول بشر: إنه خاف أن ينغص على النبي (صلى الله عليه وآله) طعامه.. وهذا غريب حقاً إذ كيف رضي من لا يحب أن ينغص على النبي (صلى الله عليه وآله) طعامه: أن يتناول هذا النبي ذلك السم، ويموت به؟!..

وهل تنغيص الطعام على الرسول أعظم وأشد عليه من موته (صلى الله عليه وآله)؟!.

خامساً: إنه كيف أقدم بشر على ازدراد ما يعلم أنه مسموم؟!.

وما معنى هذه المواساة منه للنبي (صلى الله عليه وآله) بنفسه؟!..

وهل يجوز له أن يقتل نفسه لمجرد المواساة؟!. وما هي الفائدة التي توخاها من ذلك؟!..

سادساً: هل الحجامة تنجي من السم حقاً؟!.. ولو كانت كذلك، فلماذا إذن لا يستفاد منها في معالجة من تلدغه الحية.. أو من يشرب سماً خطأ، أو عمداً؟!..

ولماذا أمر النبي (صلى الله عليه وآله) الذين وضعوا أيديهم في الطعام ولم يأكلوا منه أن يحتجموا؟! فإنهم لم يأكلوا من ذلك الطعام شيئاً!!

سابعاً: ما معنى قوله (صلى الله عليه وآله): هذا أوان انقطاع أبهري، فهل إن تناول السم يقطع العرق الأبهر، حتى بعد أن تمضي على تناول ذلك السم سنوات عدة؟!..

وما هو الربط بين هذا العرق، وبين ذلك السم؟!..

ثامناً: إن زينب بنت الحارث اليهودية قد اعتذرت للنبي (صلى الله عليه وآله) عن فعلتها الشنعاء تلك، بأنه (صلى الله عليه وآله) قد قتل أباها، وعمها، وزوجها، وأخاها..

وأخوها هو مرحب اليهودي، الذي قتله الإمام علي (عليه السلام) في حصن السلالم، الذي فتح بعد حصن القموص.. بل كان آخر ما افتتح من تلك الحصون(23)..

وقصة الشاة المسمومة إنما كانت في حصن القموص حيث قتل مرحب هناك، كما قاله ابن إسحاق(24).

هذا كله مع غض النظر عن الشك في صحة كون مرحب أخاً لتلك المرأة.. فإن هناك من يقول: إنه عمها(25)..

تاسعاً: إن بعض الروايات تحدثت عن أن اليهودية قد قُتلت وصُلبت، حين مات بشر، كما في شرف المصطفى. لكن عند أبي داود: أنه صلبها(26)..

غير أننا نعلم: أنه ليس في العقوبات الإسلامية الصلب للقاتل.. لاسيما إذا أخذنا بروايات العفو عنها من قِبل الرسول (صلى الله عليه وآله) قبل ذلك.. حيث لا يحتمل أن تكون عقوبة قاتل غير النبي القتل والصلب..

هذا كله.. مع غض النظر عن أن روايات العفو عنها تناقض الروايات القائلة بأن بشراً مات من ساعته، ولم يبق إلى سنة..

عاشراً: أما ما ذكره أنس من أنه ما زال يعرف ذلك ـ أي السم أو أثره ـ في لهوات رسول الله (صلى الله عليه وآله)!!! فهو غريب، إذ كيف يمكن أن يرى أنس ـ باستمرار ـ لهوات رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!. فإن اللهاة لا تكون ظاهرة للناس، إذ هي لحمة حمراء معلقة في أصل الحنك..

ولو أنه كان يرى لهواته (صلى الله عليه وآله)، فما الذي كان يراه فيها، هل كان يرى السم نفسه، أو يرى صفرة أو خضرة، أو أي شيء آخر فيها؟!..

حادي عشر: ظاهر رواية المنتقى: أن بشراً قد التقط اللقمة التي لفظها الرسول (صلى الله عليه وآله)، فأكلها، فمات منها..

فلماذا فعل ذلك يا ترى؟!. ألم يلتفت إلى أن لفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها قد كان لأمر غير محبب دعاه إلى ذلك؟!.

ولنفترض: أنه إنما أخذها ليتبرك بأثر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبريقه الشريف، فإن السؤال هو: ألم يكن ينبغي أن ينهاه الرسول (صلى الله عليه وآله) عن أكلها، بعد أن أحس بما فيها من سم قاتل؟!..

هذا الحديث من طرق الشيعة:

أما ما رواه الشيعة في مصادرهم حول محاولة سم اليهودية له (صلى الله عليه وآله)، فنذكر منه ما يلي:

1ـ لقد جاء في التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) ما ملخصه:

إنه لما رجع النبي (صلى الله عليه وآله) من خيبر، جاءته امرأة من اليهود ـ قد أظهرت الإيمان ـ بذراع مسمومة، وأخبرته أنها كانت قد نذرت ذلك..

وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) البراء بن معرور، والإمام علي (عليه السلام)، فطلب النبي (صلى الله عليه وآله) الخبز، فجيء به، فأخذ البراء لقمة من الذراع، ووضعها في فيه..

فقال الإمام علي (عليه السلام): لا تتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقال له البراء: كأنك تبخِّل رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فأخبره الإمام علي (عليه السلام): بأنه ليس لأحد أن يتقدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأكل ولا شرب، ولا قول ولا فعل.. فقال البراء: ما أبخِّل رسول الله (صلى الله عليه وآله)..

فقال الإمام علي (عليه السلام): ما لذلك قلت. ولكن هذا جاءت به يهودية، ولسنا نعرف حالها، فإذا أكلتها بدون إذنه وكلت إلى نفسك..

هذا.. والبراء يلوك اللقمة، إذ أنطق الله الذراع، فقالت: يا رسول الله، إني مسمومة، وسقط البراء في سكرات الموت، ومات.

ثم دعا (صلى الله عليه وآله) بالمرأة فسألها.. فأجابته بما يقرب مما نقلناه من مصادر أهل السنة، فأخبرها النبي (صلى الله عليه وآله) بأن البراء لو أكل بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكفي شره وسمه..

ثم دعا بقوم من خيار أصحابه، فيهم سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وصهيب، وبلال، وعمار، وقوم من سائر الصحابة تمام العشرة، والإمام علي (عليه السلام) حاضر..

فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الله تعالى، ثم أمرهم بالأكل من الذراع المسمومة، فأكلوا حتى شبعوا، وشربوا الماء.

وحبس المرأة، وجاء بها في اليوم التالي.. فأسلمت..

ولم يصلِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على البراء حتى يحضر الإمام علي (عليه السلام) ليُحِلَّ البراء مما كلمه به حين أكل من الشاة.. وليكون موته بذلك السم كفارة له..

فقال بعض من حضر: إنما كان مزحاً مازح به علياً، لم يكن جداً فيؤاخذه الله عز وجل بذلك.

فقال (صلى الله عليه وآله): لو كان ذلك منه جداً لأحبط الله أعماله كلها. ولو كان تصدق بمثل ما بين الثرى إلى العرش ذهباً وفضة, ولكنه كان مزحاً وهو في حل من ذلك، إلا أن رسول الله يريد أن لا يعتقد أحد منكم: أن علياً (عليه السلام) واجد عليه، فيجدد بحضرتكم احلالاً، ويستغفر له، ليزيده الله عز وجل بذلك قربة ورفعة في جنانه.. الخ(27)..

2ـ وفي رواية أخرى: أن امرأة عبد الله بن مشكم أتت النبي (صلى الله عليه وآله) بشاة مسمومة، ومع النبي (صلى الله عليه وآله) بشر بن البراء بن عازب.. فتناول النبي (صلى الله عليه وآله) الذراع فلاكها، ولفظها، وقال: إنها لتخبرني أنها مسمومة.

أما بشر فابتلعها فمات.. ثم سأل النبي (صلى الله عليه وآله) اليهودية فأقرت(28)..

3ـ وفي رواية عن الأصبغ، عن الإمام علي (عليه السلام): أنه يقال للمرأة اليهودية: عبدة. وأن اليهود هم الذين طلبوا منها ذلك، وجعلوا لها جعلاً.

فعمدت إلى شاة فشوتها، ثم جمعت الرؤساء في بيتها، وأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا محمد، قد علمت ما توجَّب لي من حق الجوار، وقد حضر في بيتي رؤساء اليهود، فزيني بأصحابك..

فقام (صلى الله عليه وآله) ومعه الإمام علي (عليه السلام)، وأبو دجانة، وأبو أيوب، وسهل بن حنيف، وجماعة من المهاجرين..

فلما دخلوا، وأخرجت الشاة، سدت اليهود آنافها بالصوف، وقاموا على أرجلهم، وتوكأوا على عصيهم..

فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله): اقعدوا..

فقالوا: إنا إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد، وكرهنا أن يصل إليه من أنفاسنا ما يتأذى به.

وكذبت اليهود لعنهم الله، إنما فعلت ذلك مخافة سَوْرة السم.. ودخانه..

ثم ذكرت الرواية تكلُّم كتف الشاة، وسؤال النبي (صلى الله عليه وآله) لعبدة عن سبب فعلها، وجوابها له.. وأن جبرئيل هبط إليه وعلَّمه دعاء، فقرأه النبي (صلى الله عليه وآله)، وكذلك من معه، ثم أكلوا من الشاة المسمومة، ثم أمرهم أن يحتجموا(29)..

4ـ عن إبراهيم بن هاشم، عن جعفر بن محمد، عن القداح، عن إبراهيم، عن الإمام الصادق (عليه السلام): سمت اليهودية النبي (صلى الله عليه وآله) في ذراع ـ إلى أن قال: فأكل ما شاء الله، ثم قال الذراع: يا رسول الله، إني مسمومة، فتركتها. وما زال ينتقض به سمه حتى مات (صلى الله عليه وآله)(30)..

5ـ أحمد بن محمد، عن الأهوازي، عن القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن الإمام الصادق (عليه السلام): سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر، فتكلم اللحم، فقال: يا رسول الله، إني مسموم.

قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله)، عند موته: اليوم قطعت مطاياي الأكلة التي أكلت بخيبر، وما من نبي ولا وصي إلا شهيد(31).

نقد الروايات:

وكما لم نتعرض لمناقشة أسانيد روايات أهل السنة، رغم ما فيها من هنات، فإننا سوف نغض النظر عن الحديث عن أسانيد روايات الشيعة أيضاً، وإن كنا نجد من بينها ما هو معتبر من حيث السند، ونكتفي بمناقشة متونها، فنقول:

أولاً: قد ذكرت الرواية الأولى: أن البراء بن معرور هو الذي أكل من الشاة المسمومة فمات.

مع أن البراء بن معرور، قد توفي قبل أن يهاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة بشهر(32)..

ولم يحضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) موت البراء، لكنه (صلى الله عليه وآله) حين هاجر زار قبره. ويقال: إنه قد صلى على قبره(33)..

وقضية خيبر إنما كانت في السنة السابعة بعد الهجرة، فكيف يكون البراء بن معرور قد مات من أكلة خيبر، إذا كان قد مات قبلها بسبع سنوات؟!.

وقد يعتذر عن ذلك بأن ثمة سقطاً من الرواية. وأن الصحيح هو: بشر بن البراء.. لكن تكرر كلمة البراء في الروايات مرات عديدة يأبى قبول هذا الاعتذار، فإن السهو لا يتكرر في جميع الموارد عادة كما هو واضح.

ثانياً: إن هذه الروايات التي رواها الشيعة تختلف مع بعضها البعض:

1ـ فرواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام)، تقول: إن الضحية هو البراء بن معرور، وروايات أخرى تقول: إنه بشر بن البراء بن معرور، ورواية ثالثة تقول: إنه بشر بن البراء بن عازب..

2ـ رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) تقول: إن الذي مات، قد مات وهو يلوك اللقمة.

والرواية التي بعدها تقول: إنه قد ابتلع اللقمة.

3ـ يظهر من بعض تلك الروايات: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأكل من الذراع..

ومن رواية أخرى: أنه (صلى الله عليه وآله) قد لاك اللقمة ولم يسغها..

وبعضها يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد أكل منها ما شاء الله..

4ـ بعضها يقول: إن إخبار الذراع له (صلى الله عليه وآله) بأنها مسمومة كان قبل أن يسيغ اللقمة، وغيرها يقول: إن الذراع تكلمت قبل أن يبدأ هو وأصحابه بالأكل منها، وبعض آخر يقول: إنه (صلى الله عليه وآله) قد أكل منها ما شاء الله، ثم أخبرته الذراع بأنها مسمومة..

5ـ الروايات تصرح بأن اليهودية هي زوجة سلام بن مشكم، لكن رواية الخرائج والجرائح تقول: إنها امرأة عبد الله بن مشكم، ولا نعرف أحداً بهذا الاسم فيما بين أيدينا من مصادر..

6ـ الروايات تقول: إن اسمها زينب، ورواية الأصبغ عن الإمام علي (عليه السلام) تقول: إنها يقال لها عبدة..

7ـ رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) تقول: إن القضية كانت في المدينة. وسائر الروايات تقول: في خيبر..

8ـ الروايات تتحدث عن أن اليهودية جاءته بذراع أو شاة مسمومة، لكن رواية الأصبغ تقول: إن اليهودية دعته للاجتماع مع الرؤساء في بيتها، حيث قدمت له الشاة المسمومة.

9ـ وأخيراً.. هل جاءته بذراع؟! أم جاءته بشاة؟! إن الروايات قد اختلفت في ذلك.

إلى غير ذلك من موارد الاختلاف، التي تظهر بالتتبع والمقارنة..

ثالثاً: إنه إذا كان الإمام علي (عليه السلام) قد صرح بأنه يشك في هدية تلك اليهودية، كما ذكرته رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام)، معللاً ذلك بقوله: ولسنا نعرف حالها..

فلماذا لم يشك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها أيضاً، ولم يحذِّر من معه من الأكل منها. بل بادر إليها فأكل منها ما شاء الله، أو أنه لاك ما تناوله منها، ثم أساغه، أو لم يسغه، حسب اختلاف الروايات؟!..

ولماذا لم يحذر الإمام علي (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله)، من الأكل منها، كما حذر البراء بن معرور؟!

وإذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) حاضراً في المجلس ينتظر إحضار الخبز، وكان يسمع الحوار بين الإمام علي (عليه السلام)، وبين ابن معرور، فلماذا لم يأخذ تحذير الإمام علي (عليه السلام) بعين الاعتبار؟!..

بل لماذا لم يؤثر هذا التحذير بالبراء نفسه أيضاً؟!..

رابعاً: قد ذكرت رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام): أنه (صلى الله عليه وآله) دعا قوماً من خيار أصحابه.. ثم عددتهم، وذكرت من بينهم صهيباً. مع أن صهيب الرومي كما ذكرته الروايات والنصوص، كان عبد سوء، وهو ممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان من أعوان المعتدين على الزهراء (عليها السلام)، والغاصبين لحق الإمام علي (عليه السلام)، بل كان من المعادين لأهل البيت (عليهم السلام)(34)..

خامساً: إنه كيف يدعو النبي (صلى الله عليه وآله) خيار أصحابه ليأكلوا من الشاة، فيأكلون إلى حد الشبع، ثم لا يصيبهم أي شيء. ويبقون أحياءً بعد موته (صلى الله عليه وآله) عشرين عاماً وأكثر من ذلك.. لكنه هو (صلى الله عليه وآله) وحده الذي يصاب.

حيث تذكر الروايات الأخرى: أنه (صلى الله عليه وآله) بعد ثلاث سنوات قد وجد ألم أكلته بخيبر، وأن عرقه الأبهر قد انقطع.. بل بعض الروايات تقول: فما زال ينتقض به سمه حتى مات (صلى الله عليه وآله)؟!.

سادساً: إن رواية التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السلام) قد ذكرت أيضاً أمراً خطيراً، نجل عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل الإجلال.. وهو : أنه (صلى الله عليه وآله) لم يصلِّ على البراء بانتظار حضور الإمام علي (عليه السلام)، لكي يُحِلَّه مما كلمه به. وليكون موته بذلك السم كفارة له..

ولكنه (صلى الله عليه وآله) حين اعترضوا عليه، بأن البراء قد قال ذلك مزاحاً، ولم يكن ليؤاخذه الله بذلك، تراجع (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، وقال: «.. ولكنه كان مزحاً، وهو في حل من ذلك»..

ثم اعتذر لهم عن موقفه الأول بأنه يريد أن لا يعتقد أحد منهم بأن الإمام علياً (عليه السلام) واجد عليه، فأراد أن يجدد بحضرتهم إحلالاً له، ويستغفر له.. ليزيده الله بذلك قربة ورفعة في جنانه..

وهذا معناه: أن هذه الرواية تنسب إلى رسول الله ـ والعياذ بالله ـ التدليس، والإخبار بغير الحق.. ثم التراجع عن الموقف بعد ظهور الأمر.. و.. و الخ.. وحاشاه من ذلك كله..

سابعاً: هل صدَّق رؤساء اليهود بنبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قالوا له: إذا زارنا نبي لم يقعد منا أحد؟!

وكيف صدقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون في قولهم هذا؟!. ألم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) قد زارهم قبل ذلك، واجتمع بهم؟! فهل كانوا يقومون أيضاً، ويسدَّون آنافهم بالصوف..حتى لا يتأذى بأنفاسهم؟!.

وحين سدوا آنافهم بالصوف مخافة سَوْرة السم، هل تنفسوا من أفواههم بعد سد الآناف؟!.. وهل أن التنفس من الفم يمنع من سَوْرة السم حقاً؟! أم أنهم سدوها بالصوف، والتزموا بأن يتنفسوا منها أيضاً؟

إن الرواية لم توضح لنا ذلك!!

وإذا كان السم يؤثر إلى هذا الحد، فلا حاجة بهم إلى إطعام الرسول (صلى الله عليه وآله) من الشاة، بل يكفي أن يضعوها أمامه.. ويدخل السم إلى بدنه الشريف عن طريق التنفس.

ثامناً: إذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد علم بالسم، وقرأ الدعاء، وأمرهم بأكل ما هو مسموم، ليظهر المعجزة، والكرامة بذلك، فما معنى أمره لمن معه بالاحتجام بعد ذلك؟!..

فهل أثّر الدعاء في حجب أثر السم أم لم يؤثر؟ فإن كان قد أثّر، فما الحاجة إلى الحجامة؟!. وإن كان لم يؤثر، فلماذا كان الدعاء؟! وكيف أقدم على تناول سم يؤدي إلى الموت من دون تثبُّت من تأثير الدعاء في منع تأثير السم؟!..

تاسعاً: إن بعض تلك الروايات تقول: إنه بعد أن أكل النبي (صلى الله عليه وآله) ما شاء الله، كلمته الذراع، وقالت: إني مسمومة.. فلماذا أخرت الذراع كلامها إلى حين أكل النبي (صلى الله عليه وآله) منها ما شاء الله؟!.

ولماذا لم يمت النبي (صلى الله عليه وآله) من ذلك السم من ساعته، إذا كان ذلك السم مؤثراً؟!.. بل تأخر أثره إلى ثلاث سنوات؟!.. ولماذا إن لم يكن مؤثراً، وجد النبي (صلى الله عليه وآله) ألم أكلة خيبر، ثم انقطعت مطاياه، أو انقطع أبهره؟!..

هل سم المسلمون رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!..

وبعدما تقدم نقول: إن أصابع الاتهام لا تتوجه في هذا الأمر إلى اليهود وحسب، فإن هناك روايات تلمِّح، وأخرى تصرح بأنه (صلى الله عليه وآله) قد مات مسموماً بفعل بعض نسائه..

فمن الروايات التي ربما يقال: إنها تلمح إلى ذلك، الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق (عليه السلام): أن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) قال لأهل بيته: إني أموت بالسم، كما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله).. ثم ذكر لهم: أن زوجته هي التي تسممه..

فربما يقال: إنه (عليه السلام) يريد الإشارة إلى هذا الأمر بالذات، وإلا فقد كان يكفيه أن يقول: إن امرأتي تقتلني بالسم.. ولكنه لم يفعل ذلك، بل شبه ما يجري له بما جرى لرسول الله (صلى الله عليه وآله).. فكما أن زوجتيه (صلى الله عليه وآله) قد سمتاه، فإن زوجة الإمام الحسن (عليه السلام) سوف تدس له السم أيضاً..

وعهدة هذا الفهم للرواية بهذه الطريقة تبقى على مدّعيه..

أما الروايات التي تصرح بذلك، فهي:

1ـ ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}( سورة آل عمران، الآية 144)..

حيث قال (عليه السلام): «أتدرون، مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو قتل؟! إنهما سقتاه قبل الموت»..

2ـ وروي أيضاً عن عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «أتدرون مات النبي (صلى الله عليه وآله) أو قتل؟!.. إن الله يقول: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}( سورة آل عمران، الآية 144).. فسم قبل الموت، إنهما سمتاه»، أو سقتاه (35)..

3ـ وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): في حديث الحسين بن علوان الديلمي، أنه حينما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) إحدى نسائه، لمن يكون الأمر من بعده، أفشت ذلك إلى صاحبتها، فأفشت تلك ذلك إلى أبيها، فاجتمعوا على أن يسقياه سماً، فأخبره الله بفعلهما. فهمَّ (صلى الله عليه وآله) بقتلهما، فحلفا له: أنهما لم يفعلا، فنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ(سورة التحريم، الآية 7)}(36)..

أي ذلك هو الصحيح؟!

ونحن، رغم أننا قد ذكرنا بعض الإشكالات على الطائفتين المتقدمتين أولاً، من روايات السنة والشيعة حول سم اليهود له (صلى الله عليه وآله).. فإننا لا نريد أن نتسرع في إصدار الحكم النهائي على أي من الطوائف الثلاث من الروايات..

وذلك لأننا نجد في الطائفة الثانية روايات معتبرة، لا ترد عليها الإشكالات في مضمونها، إذا أخذت بمفردها، وهي أيضاً تتوافق مع بعض روايات أهل السنة في أصل المسألة، ولأجل ذلك، نقول: إن النظرة المنصفة لهذه الطوائف الثلاث تدعونا إلى أن نقول:

إنه ربما يظهر من مجموع ما ذكرناه: أن المحاولات التي بذلها اليهود لقتله (صلى الله عليه وآله) قد تعددت، ولعل بعضها قد حصل في خيبر، وبعضها حصل بالمدينة..

ولعل التي سمته في خيبر هي زينب بنت الحارث اليهودية، والتي سمته في المدينة هي تلك اليهودية التي يقال لها: عبدة..

وربما تكون الذراع قد كلمت النبي (صلى الله عليه وآله) مرتين: إحداهما في خيبر، والأخرى في المدينة.

ولعله أهديت له (صلى الله عليه وآله) ذراع تارة، وأهديت له (صلى الله عليه وآله) شاة أخرى..

ثم لعل الذي مات في إحداهما هو مبشر بن البراء، وأما أخوه بشر بن البراء فمات في حادثة أخرى..

وربما يكون بشر قد مات في إحداهما، ولم يمت أحد من المسلمين في المحاولة الأخرى..

ويمكن أن يقال أيضاً: إن المحاولة التي جرت في المدينة ربما تكون قد جرت بالتواطؤ مع بعض نسائه.. وربما تكون محاولة بعض نسائه قد جاءت منفصلة عن قصة اليهودية واليهود..

وربما تكون محاولة بعض نسائه قد فشلت مرة، وذلك في قضية إفشاء سره (صلى الله عليه وآله) في موضوع سورة التحريم، إذ إن الرواية تقول: إن الله قد أخبره بذلك، ثم نجحت في المحاولة الثانية، واستشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بفعل السم الذي دسسنه له.. وإنما فضح الله أمرهن في المرة الأولى ليعرف الناس: أنهن قد يقدمن على هذا الأمر الشنيع، حتى إذا فعلن ذلك بعد ذلك، وذلك حين وفاته (صلى الله عليه وآله)، فتصديق الناس بهذا الأمر يصبح أسهل وأيسر.. كما أن تعريف الناس بحقيقة أولئك النسوة يحصِّن الناس من الاغترار بهن، من حيث كونهن زوجات له (صلى الله عليه وآله)..

نعم.. إن ذلك كله.. وسواه محتمل في تلك الروايات..

ونحن وإن لم نستطع الجزم بأي من تلك الوجوه.. ولكن لا شك في أنها لا تكون متعارضة فيما بينها، لأنها إنما تكون متعارضة متنافرة، لو فرض أنها كلها تحكي عن قضية واحدة دون سواها..

ولكن هذا أعني أن تكون القضية واحدة مما لا سبيل إلى إثباته أبداً..

وإن تعدد محاولات اغتياله مما دلت عليه النصوص الكثيرة، وسياق كثير من تلك الروايات التي ذكرناها يؤيد هذا الأمر..

وتبقى حقيقة واحدة لا مجال لإنكارها من أحد أيضاً..

وهي أنه في ظل هذا الذي ذكرناه، لا بد أن تسقط كل الآراء التي تسعى لتبرئة هذا الفريق أو ذاك.. وتبقى الشبهة القوية تحوم حول كل الذين ذُكرت أسماؤهم في الروايات في الطوائف الثلاث المتقدمة. لاسيما مع وجود نصوص صحيحة السند عند الشيعة والسنة.. بل إنه حتى أولئك الذين كانوا من المعروفين. فإن التاريخ قد أثبت لنا كيف شنوا حرباً ضارية ضد علي (عليه السلام) وقد قتل فيها 7 ألوف من المسلمين، ولو استطاعوا قتله لقتلوه، مع أنه وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخوه..

بل إنه حتى بالنسبة إلى النصوص التي لم توفق لسند صحيح، فإنه لا يمكن دفع احتمالات صحتها، بل هي تبقى قائمة في ظل الظروف التي أحاطت برسول الله (صلى الله عليه وآله) من أول بعثته، وإلى حين وفاته.

خصوصاً وأن الجهر بالحقيقة كان يساوق المجازفة بالحياة وبالأخص بالنسبة لبعض الشخصيات التي كانت تحتل مكانة خاصة في قلوب بعض الفئات، التي كانت هي الحاكمة عبر أحقاب التاريخ..

ولتفصيل هذا الأمر، محل ومجال آخر..

والحمد لله رب العالمين..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص64 وما روته العامة من مناقب أهل البيت ^ للشراوني ص61 و62 والدرجات الرفيعة ص42.

(2) راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج8 ص40 ـ 50.

(3) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص143 ط دار التراث ـ بيروت، وأسد الغابة ج1 ص468 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص260 ـ 262 والمغازي للواقدي ج3 ص1042 ـ 1045 وإمتاع الأسماع ص477 ومجمع البيان ج3 ص46 وإرشاد القلوب للديلمي ص330 ـ 333 والمحلى ج11 ص225.

(4) طبقات ابن سعد ج2 ص201 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص303 ودلائل النبوة للبيهقي ج7 ص172 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص58 وصححه على شرط الشيخين، هو والذهبي في تلخيص المستدرك (مطبوع بهامشه)، وراجع فيض القدير للمناوي ج5 ص448 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ.

(5) مناقب آل أبي طالب ج3 ص25 والبحار ج44 ص153.

(6) المستدرك على الصحيحين ج3 ص59 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه.

(7) البحار ج22 ص514 وتهذيب الأحكام ج6 ص1.

(8) المقنعة ص456.

(9) منتهى المطلب ج2 ص887.

(10) المستدرك على الصحيحين ج3 ص58، وتلخيص المستدرك للذهبي، وصححاه على شرط الشيخين، وذكر نحوه عن تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص169 وراجع: تاريخ الخميس 2/53 وكنز العمال ج11 ص466 وراجع ص467 ومجمع البيان ج9 ص121 و122 وفيه: ما أزال أجد ألم الطعام..

وفي نص آخر: ما زالت أكلة خيبر تعاودني كل عام..

وراجع البحار ج21 ص6 و7 والمحلى ج11 ص25 و27 والمصنف للصنعاني ج11 ص29 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج1 ص434 والبداية والنهاية ج3 ص400 والكامل لابن عدي ج3 ص402 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص32 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ والسيرة النبوية لابن هشام المجلد الثاني ص338 سلسلة تراث الإسلام.

(11) المغازي للذهبي ص362 وسنن الدارمي ج1 ص33.

(12) المغازي للذهبي، وعن صحيح البخاري ج5 ص179 والمحلى ج11 ص26 وصحيح مسلم ج7 ص14 و15 كتاب السلام.

(13) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص337 تراث الإسلام، وتاريخ الخميس ج2 ص52.

(14) راجع فيما تقدم: السيرة الحلبية ج3 ص55 و56 وراجع تاريخ الخميس ج2 ص52 والمحلى ج11 ص26 و27 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير والمغازي للواقدي ج2 ص678.

(15) سنن الدارمي ج1 ص33.

(16) السيرة الحلبية ج3 ص45 وراجع: سنن أبي داود ج4 ص174 وطبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص7 ط دار التحرير والمغازي للواقدي ج2 ص677 و678 وتاريخ الخميس ج2 ص52 عن الاكتفاء.

(17) السيرة الحلبية ج3 ص56.

(18) وهو عرق مستبطن الصلب، [والظاهر: أنه هو ما يعرف بالنخاع الشوكي] والأبهران يخرجان من القلب، ثم يتشعب منهما سائر الشرايين ـ أقرب الموارد ج1 ص64..

الجامع الصغير عن ابن السني، وأبي نعيم في الطب، وفيض القدير للمناوي ج5 ص448 ط دار المعرفة.

(19) تاريخ الخميس ج2 ص52.

(20) فتح الباري ج10 ص208.

(21) طبقات ابن سعد ج2 قسم2 ص6 و7 ط دار التحرير بالقاهرة سنة 1388هـ.

(22) راجع: مغازي الواقدي ج2 ص679.

(23) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص347 والكامل في التاريخ ج2 ص217 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص50.

(24) تاريخ الخميس ج2 ص52.

(25) راجع: المغازي للذهبي ص437 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص263 وإمتاع الأسماع ج1 ص316.

(26) السيرة الحلبية ج3 ص56.

(27) راجع: البحار ج17 ص318/320 و396 والتفسير المنسوب للإمام العسكري ص177 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128.

(28) البحار ج17 ص408 وراجع ص406 عن الخرائج والجرائح. وراجع: الخرائج والجرائح ج1 ص27 والخصائص الكبرى ج2 ص63 ـ 65.

(29) راجع: الأمالي للصدوق ص135 والبحار ج17 ص395 و396 عنه. ومناقب آل أبي طالب ج1 ص128.

(30) البحار ج17 ص406 وج22 ص516 وبصائر الدرجات ص503.

(31) بصائر الدرجات ص503 والبحار ج22 ص516 وج17 ص405 وإثبات الهداة ج1 ص604.

(32) راجع: أسد الغابة ج1 ص174 والإصابة ج1 ص144 و145 والاستيعاب بهامشها ج1 ص136.

(33) راجع: أسد الغابة ج1 ص174 والإصابة ج1 ص144 و145 والاستيعاب بهامشها ج1 ص136.

(34) راجع: قاموس الرجال ج5 ص135 ـ 137 وغيره من كتب التراجم.

(35) راجع: البحار ج28 ص20 وج22 ص516 وتفسير العياشي ج1 ص200 وتفسير البرهان ج1 ص320 وتفسير الصافي ج1 ص359 و389 ونور الثقلين ج1 ص33.

(36) البحار ج22 ص246 عن الصراط المستقيم.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.