أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-8-2022
2430
التاريخ: 10-7-2019
1057
التاريخ: 23-5-2022
1911
التاريخ: 23-5-2022
1201
|
دور الصحافة في تكوين الرأي العام
نحن نعرف أن الصحافة أقدر من غيرها على التأثير في الجمهور، وهي بلا شك أقدر في هذه الناحية من الإذاعة ومن الخطابة، بل هي أخطر منها في الوصول إلى هذه الغاية.
والسبب في ذلك أن الصحيفة تستطيع بخلاف الخطب والإذاعة أن تدعو إلى فكرة من الافكار، أو رأي من الآراء، وأن تكرر هذه الدعوة يوماً بعد يوم بصور مختلفة، والصحيفة بهذا التكرار أشبه شيء بقطرات الماء التي تسقط تباعاً وباستمرار على صخرة قوية، ولابد لها يوماً أن تخرق هذه الصخرة، وقد تصل إلى تحطيمها وتهشيمها في نهاية الامر.
غير أنه من الخطأ مع هذا وذاك أن نعتقد أن الصحافة تصنع الرأي العام بكل ما في هذه الكلمة من معنى. فإن الاولى من ذلك أن يقال إن الصحافة تأخذ من هذا الرأي وتعطي، وتؤثر فيه وتتأثر به، تقود الشعب وتنقاد له، توجه الحكومات وتتلقى توجيهاتها وهكذا.
ومن ثم نجد الفرق واسعاً بين الرأي العام في أمة متعلمة ناهضة واعية، والرأي العام في أمة جاهلة نائمة متغافلة.
الاولى تستطيع الاستفادة من الصحافة، أو بعبارة أخرى تؤثر فيها وتتأثر بها والثانية عاجزة عن الانتفاع بالصحافة، ولا دخل لها تقريباً في تكوين الرأي العام الذي تعنى به الصحف.
وفي هذا المعنى يقول الاستاذ "توماس جيفرسون" عبارته المشهورة":
"إنني لا أستطيع الاعتقاد بأن الصحافة قد بلغت غايتها إلا إذا أصبح كل إنسان يعرف القراءة والكتابة ويعرف كيف يقرأ الصحيفة".
)والخلاصة) حتى الآن أن الامانة الصحفية تحتم على الصحف أن تتوخى الدقة في رواية الاخبار داخلية كانت أم خارجية كما تحتم عليها كذلك ألا تنظر إلى الربح المادي وحده، بأن تعرض الاخبار على الجمهور عرضاً ينطوي على سوء القصد قبل كل شيء، أو بأن تحرف الاخبار تحريفاً يبعدها عن الحقيقة كل البعد.
ذلك أن الصحافة مسؤولة عن توجيه الامة، مسؤولة عن تكوين الرأي العام الناضج فيها، وهذه المسؤولية في الامم الضعيفة أو الجاهلة أو المتأخرة أثقل منها بكثير في الأمم القوية المتعلمة المناهضة.
وفي هذا المعنى يقول الزعيم الشاب مصطفى كامل:
"إذا كانت الصحافة في كل بلاد العالم شديدة التأثير، عظيمة الفائدة، فإنها يجب أن تكون في مصر أشد تأثيراً، وأكبر نفعاً، لان الامم أخية غنية عن إرشاد الصحف في كثير من الشئون".
"أما في مصر وبقية بلاد الشرق فوظيفتها أن تكون المهذبة المؤدبة، المنشطة المشجعة، القائمة مقام المجالس النيابية، حتى تترقى الامة وتنال كل حقوقها".
ومهما يكن من شيء ففي استطاعتنا أن نقول إن هناك أموراً كثيرة تؤثر في الدور الذي تؤديه الصحافة في توجيه الرأي العام.
منها صبغة الصحيفة أو الهدف الذي ترمي إليه هذه الصحيفة، فإذا كان الهدف تجارياً في مجموعه، وكان الربح المادي هو الغرض الاساسي من إصدارها فإنها إذ ذاك تقل عنايتها بتوجيه الرأي العام، وتزداد عنايتها بتملق القراء، فلا تنشر لهم إلا ما يلائم رغباتهم، ولو كان في ذلك ما يضر بمصلحتهم التي هي مصلحة المجتمع.
ويتصل بهذا العامل عامل آخر هو سياسة الصحيفة، فإذا كانت سياستها ترمي إلى العبث بالأخبار أو تلوينها تلويناً خاصاً لغاية من الغايات الخاصة بها كذلك، فإن الرأي العام إذ ذاك يتعرض بنفسه لمحنة من أشد المحن، ويحار القراء يومئذ في معرفة الحقيقة فتنحرف الافكار والخطط انحرافاً بليغاً.
وثم مظهر آخر من مظاهر سياسة الصحيفة، فقد ترغب هذه الصحيفة في إتباع سياسة الإثارة، وقد تزهد في هذه السياسة، ومن الصحف ما تعتمد اعتماداً تاماً في كتابة الاخبار على الإثارة، ومنها ما تقتصد اقتصاداً ظاهراً في ذلك، والذي لا شك فيه أن الرأي العام يصلح بإتباع الطريقة الاخيرة، ولا يصلح مطلقاً بإتباع خطة الإثارة.
ثم إنه من العوامل المؤثرة في الرأي العام عن طريق الصحافة عامل الحكومة، وسيطرة هذه الاخيرة أو عدم سيطرتها على الصحافة، والذي لا شك فيه أيضاً أن الرأي العام لا يتكون تكوناً صحيحاً في ظل حكومة من النوع الاول، ولكنه يقترب من الكمال في ظل حكومة تبسط للصحافة من الحرية ما يكفي للتعبير عن جميع الآراء ومختلف الاتجاهات.
وهنا يحلو لنا مرة أخرى أن نسوق عبارة للأستاذ أمين الرافعي ذكرها في افتتاحية السنة الثالثة لجريدة الاخبار(1) قال:
"قامت الصحافة بدور كبير في النهضات الوطنية التي شهدها الشرق والغرب، وقد عرفت لها الشعوب المختلفة هذا الفضل فجعلت في مقدمة أنظمتها الدستورية أن تكون الصحافة حرة لتستطيع تأدية واجبها العظيم الذي أنشئت من أجله، وقد تبين قادة الحركات السياسية أن هذه الحركات يصعب نجاحها ما لم تكن الصحافة بجانبها لتقوم بقسطها الكبير فيها".
وقال "سايبس": "الصحافة هي الضامن الحقيقي للحرية السياسية، فإذا أردت إصلاح العيوب العامة وجدت من الصحافة أكبر عضد لك في عملك، فهي التي تنير الرأي العام، وتكون بمثابة المصباح يهتدي بضوئه، ومتى ظهر هذا المصباح أمام أعداء الامة، وخصوم الإنسانية استولى عيهم الرعب وبادروا إلى العدول عن تنفيذ نياتهم الضارة التي كانوا يتآمرون عليها في الظلام".
"فاتركوا الصحافة تعمل لإعداد النفوس لفعل الخير، اتركوها تؤهل العقول للشعور بالواجب الوطني".
ومضى الاستاذ أمين الرافعي يقول: "وقد ارتأى كثير من الفلاسفة والسياسيين والمؤرخين أن الامة التي لا تحترم حرية الصحافة لا تستطيع النهوض بنفسها، ولا يسعها الانتفاع من جميع الحق وق الاخرى التي تكون متمتعة بها، مهما كانت هذه الحقوق عظيمة الشأن في ذاتها".
وقال جول "سيمون":
"إذا كان للشعب حق التشريع لنفسه بواسطة النواب الذين ينتخبهم، وإذا كانت السلطة الحاكمة لا تمتلك سن القوانين، ولا عرضها، ولا رفضها، وإذا كانت الانتخابات للهيئات النيابية حرة وغير مقيدة إذا كان للشعب كل هذه الحقوق فإنها تظل جوفاء وهمية خيالية ما لم تتايد بضمانة كبرى هي حرية الصحافة".
فالذين يتقدمون للخدمة الوطنية عن طريق الصحافة إنما يتقدمون لتحمل عبء ثقيل لا يجوز أن يستهان فيه بالمسؤولية المترتبة عليه، ولاسيما إذا كانت الصحافة في عهدهم محرومة من التمتع بحريتها، فهم مضطرون من جهة للنضال في سبيل تحرير صحافتهم، كما أنهم مطالبون من جهة ثانية بأن يستخدموا الدائرة الضيقة المخصصة لعملهم في سبيل الدفاع عن القضايا الوطنية التي وقفوا أنفسهم على خدمتها، والسعي في نجاحها مهما تحملوا في هذا الطريق من تضحيات مختلفة.
فذلك إذن هو الدور الذي تقوم به الصحافة في جميع الامم وهو دور خطير للغاية ما دامت الصحافة تقوم بواجبها بكل شرف ونزاهة. وهنا يطيب لي أن أستطرد قليلا فأقول عن الصحافة المصري: إنها كانت في العشر الاخير من القرن التاسع عشر والعشور الثلاثة الاولى من القرن العشرين كانت في نظر التاريخ صحافة رأي بالمعنى الصحيح، وذلك بالرغم مما تعرضت له تلك الصحافة من إيذاء وتعطيل، وبالرغم مما كانت تعانيه من قانون المطبوعات(2).
كان الصحفيون في تلك الفترة التي نشير إليها يقدرون مهمة الصحافة على الوجه الذي شرحه أحدهم، وهو هنا الاستاذ أمين الرافعي، وكانوا يوطنون أنفسهم على البذل والتضحية في سبيل قيامهم بهذا الواجب الاعلى.
أما اليوم فالصحافة المصرية قد وجهت كل عنايتها إلى أمرين: هما الإخراج، والتوزيع، وهما الناحيتان اللتان لم تبد صحافة الامس عناية كافية بهما في الحقيقة. ولسنا نبالغ إذ نقول: إن صحافة اليوم وجدت في الاهتمام بالإخراج الفني كل ما يعوضها عن الاهتمام بإبداء الرأي، والثبات على المبدأ، وتوخي مصلحة المحكوم قبل توخي مصلحة الحاكم.
________________
(1) انظر العدد رقم (587) بتاريخ 28 يناير سنة 1925 .
(2) ارجع إلى ص 24 من "القانون والرأي العام".
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|