أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-4-2019
2185
التاريخ: 19-3-2016
3660
التاريخ: 7-04-2015
3238
التاريخ: 19-10-2015
3436
|
قال السيّد ابن طاووس: و سار ابن سعد بالسبايا، فلمّا قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهنّ، فأشرقت امرأة من الكوفيات فقالت: من أيّ الأسارى أنتنّ؟ فقلن: نحن أسارى محمّد (صلّى اللّه عليه و اله) فنزلت و جمعت مقانع فأعطتهن فتغطين فجعل أهل الكوفة ينوحون و يبكون.
فقال عليّ بن الحسين (عليهما السّلام): أتنوحون و تبكون من أجلنا، فمن قتلنا؟!
و خطبت أمّ كلثوم بنت عليّ (عليه السّلام) في ذلك اليوم من وراء كلّتها رافعة صوتها بالبكاء فقالت: يا أهل الكوفة سوءة لكم ما لكم خذلتم حسينا و قتلتموه و انتهبتم أمواله و ورثتموه و سبيتم نساءه و نكبتموه، فتبّا لكم و سحقا ويلكم أتدرون أيّ دواه دهتكم و أيّ وزر على ظهوركم حملتم و أيّ دماء سفكتموها و أيّ كريمة أصبتموها و أيّ حبيبة سلبتموها و أيّ أموال انتهبتموها؟
فضجّ الناس بالبكاء و الحنين و نشر النساء شعورهنّ و وضعن التراب على رؤوسهنّ فلم ير باكيا و باكية من ذلك اليوم، ثمّ قام زين العابدين (عليه السّلام) و قال: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا عليّ بن الحسين بن علي، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، أنا ابن من انتهك حريمه و سلب نعيمه و انتهب ماله و سبي عياله سوءة لكم بأيّة عين تنظرون إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) إذ يقول لكم: قتلتم عترتي فلستم من أمّتي؟
فقالوا كلّهم: نحن يابن رسول اللّه سامعون مطيعون فمرنا بأمرك، فقال: هيهات هيهات أيّها الغدرة المكرة حيل بينكم و بين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل، كلّا و ربّ الراقصات فإنّ الجرح لمّا يندمل ثمّ قال شعر:
فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي أصيب حسين كان ذلك أعظما
قتيل بشط النهر روحي فداءه جزاء الذي أرداه نار جهنّما
ثمّ إنّ ابن زياد جلس في القصر و أذن إذنا عامّا و جيء برأس الحسين (عليه السّلام) فوضع بين يديه و ادخل نساء الحسين و صبيانه .
و روي عن مسلم الجصّاص قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة فبينما أنا أجصّص الأبواب، فإذا بالأصوات ارتفعت من جوانب الكوفة فسألت، فقالوا: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد فقلت: من هذا؟
فقالوا: الحسين بن عليّ، فلطمت وجهي و خرجت فرأيت أربعين جملا تحمل عليها السبايا و الحرم و إذا بعليّ بن الحسين على البعير بغير وطاء و أوداجه تشخب دما و هو مع ذلك يبكي و يقول شعر:
يا امّة السوء لا سقيا لربعكم يا امّة لم تراعى جدّنا فينا
لو أنّنا و رسول اللّه يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا
تسيّرونا على الأقتاب عارية كأنّنا لم نشيد فيكم دينا
تصفقون علينا كفّكم فرحا و أنتم في فجاج الأرض تسبونا
يا وقعة الطفّ قد أورثتني حزنا و اللّه يهتك أستار المسيئينا
قال: و صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر و الخبز و الجوز، فصاحت بهم امّ كلثوم و قالت: يا أهل الكوفة إنّ الصدقة علينا حرام و صارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال و أفواههم و ترمي به إلى الأرض، قال: و إذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين و هو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول اللّه و لحيته قد نصل عنها الخضاب و وجهه دارة قمر طالع و الريح تلعب بلحيته يمينا و شمالا، فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فضربت رأسها بمقدم المحمل حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها و جعلت تقول، شعر:
يا هلالا لما استتمّ كمالا غاله خسفه فزيد غروبا
ما توهّمت يا شقيق فؤادي كان هذا مقدّرا مكتوبا
يا أخي فاطم الصغيرة كلّمها فقد كاد قلبها أن يذوبا
يا أخي قلبك الشفيق علينا ماله قد قسى و صار صليبا
ما أذلّ اليتيم حين ينادي بأبيه و لا يراه مجيبا
ثمّ وضع رأس الحسين (عليه السّلام) بين يدي ابن زياد و ادخل عليه نساء الحسين و صبيانه.
فجلست زينب بنت عليّ متنكّرة، فقال لها ابن زياد: الحمد للّه الذي فضحكم، فقالت: إنّما يفتضح الفاسق، فقال: كيف رأيت صنع اللّه بأخيك و أهل بيتك؟
فقالت: ما رأيت إلّا جميلا؛ هؤلاء قوم كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم و سيجمع اللّه بينك و بينهم، فتحاجّ و تخاصم.
و قال المفيد: لمّا وضع الرأس بين يديه جعل ينظر إليه و يتبسّم و بيده قضيب يضرب به ثناياه، و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول اللّه شيخ كبير، فقال: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو اللّه الذي لا إله إلّا هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) عليها ما لا أحصيه، ثمّ انتحب باكيا، فقال ابن زياد: أتبكي لفتح اللّه لولا أنّك شيخ كبير قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم باكيا إلى منزله، ثمّ أمر ابن زياد بنساء الحسين فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت عليّ: لا يدخلن علينا عربية إلّا امّ ولد أو مملوكة فإنّهنّ سبيتا و نحن قد سبيتا، ثمّ أمر برأس الحسين (عليه السّلام) فطيف به في سكك الكوفة، شعر:
رأس ابن بنت محمّد و وصيّه للناظرين على قناة يرفع
و المسلمون بمنظر و بمسمع لا منكر منهم و لا متفجّع
كحلت بمنظرك العيون عماتة و اصمّ رزؤك كلّ اذن تسمع
ما روضة إلّا تمنّت أنّها لك حفرة و لخط قبرك مضجع
أيقظت أجفانا و كنت لها كرى و أنمت عينا لم يكن بك تهجع
ثمّ إنّ ابن زياد صعد المنبر، و قال في بعض كلامه: الحمد للّه الذي أظهر الحقّ و أهله و نصر المؤمنين و أشياعه و قتل الكذّاب ابن الكذّاب، فقام إليه ابن عفيف الأزدي و كان من الشيعة ذهبت إحدى عينيه في يوم الجمل و الاخرى يوم صفّين فقال: يابن مرجانة إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت و أبوك و من استعملك و أبوه، يا عدوّ اللّه تقتلون أبناء النبيّين و تتكلّمون بهذا الكلام على المنابر.
قال: عليّ به، فتبادرته الجلاوزة و أمر بقتله فقال: الحمد للّه ربّ العالمين أمّا إنّي قد كنت أسأل اللّه ربّي أن يرزقني الشهادة قبل أن تلدك أمّك، و أن يجعل ذلك على يدي ألعن خلقه.
فلمّا كفّ بصري يئست من الشهادة، و الآن الحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس منها، فقال ابن زياد لعنه اللّه: اضربوا عنقه، فضربت عنقه و صلب في السبخة.
و قال المفيد: لمّا أصبح ابن زياد بعث برأس الحسين (عليه السّلام) فدير به في سكك الكوفة.
فروي عن زيد بن أرقم أنّه لمّا مرّ به و هو على رمح و أنا في غرفة لي، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9]فوقف و اللّه شعري و ناديت: رأسك و اللّه يابن رسول اللّه أعجب و أعجب، ثمّ أنفذ برأس الحسين (عليه السّلام) و كتب إلى والي المدينة يبشّره بقتل الحسين، فنادى في المدينة بقتله فلم يسمع بكاء قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين حين سمعوا النداء بقتله فدخل بعض موالي عبد اللّه بن جعفر الطيّار فنعى إليه ابنيه فاسترجع، فقال أبو السلاسل مولى عبد اللّه هذا: و اللّه لو شهدته لأحببت أن أقتل معه، الحمد للّه أصيبا مع أخي و ابن عمّي الحمد للّه عزّ عليّ مصرع الحسين أن لا أكون واسيته بيدي فقد آساءه ولداي، فخرجت امّ لقمان بنت عقيل حين سمعت نعي الحسين حاسرة و معها أخواتها تبكي قتلاها بالطفّ و تقول، شعر:
ما ذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الامم
بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي منهم اسارى و قتلى ضرّجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحته لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
و سمع أهل المدينة في جوف الليل مناديا ينادي، شعر:
أيّها القاتلون جهلا حسينا ابشروا بالعذاب و التنكيل
كلّ أهل السماء يدعو عليكم من نبيّ و مرسل و قبيل
قد لعنتم على لسان ابن داود و موسى و صاحب الإنجيل
و سمع قائل في الهوى بالمدينة يقول، شعر:
يا من يقول بفضل آل محمّد بلّغ رسالتنا بغير تواني
قتلت شرار بني اميّة سيّدا خير البرية ماجدا ذا شأني
ابن المفضّل في السماء و أرضها سبط النبيّ و هادم الأوثان
بكت المشارق و المغارب بعدما بكت الأنام له بكلّ لسان
و أمّا يزيد بن معاوية، فكتب إلى ابن زياد يأمره بحمل رأس الحسين و أصحابه و نساءه و ثقله، فاستدى ابن زياد بمفخر بن ثعلبة فسلّم إليه الرؤوس و النساء فسار بهم كما يسار بسبايا الكفّار يتفصّح وجوههنّ أهل الأقطار فنزلوا أوّل مرحلة و جعلوا يشربون، فخرجت عليهم كفّ من الحائط معها قلم من حديد فكتب سطر بدم، شعر:
أترجوا أمّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب
و روى ابن لهيعة و غيره قال: كنت أطوف بالبيت، فإذا برجل يقول: اللّهم اغفر لي و ما أراك فاعلا، فقلت له: يا عبد اللّه اتّق اللّه فإنّه غفور رحيم.
قال: قصّتي إنّنا كنّا خمسين نفرا ممّن سار مع رأس الحسين إلى الشام، و كنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت و شربنا الخمر، فشرب أصحابي ليلة و لم أشرب.
فلمّا جنّ الليل سمعت رعدا و برقا، فإذا السماء قد فتحت و نزل آدم و نوح و إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و نبيّنا محمّد (صلّى اللّه عليه و اله) و معهم جبرئيل و خلق من الملائكة فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس و ضمّه إلى صدره و قبّله و كذلك فعل الأنبياء و بكى النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) على رأس الحسين، فقال جبرائيل: يا محمّد إنّ اللّه أمرني أن أطيعك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض و جعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط، فقال: لا يا جبرئيل إنّ لي معهم موقفا يوم القيامة بين يدي اللّه، ثمّ صلّوا عليه ثمّ أتى قوم من الملائكة و قالوا: إنّ اللّه تعالى أمرنا بقتل الخمسين فقال لهم النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله): شأنكم بهم فجعلوا يضربونهم بالحربات، ثمّ قصدني واحد منهم بحربة فقلت: الأمان الأمان يا رسول اللّه فقال: اذهب فلا غفر اللّه لك، فلمّا أصبحت رأيت أصحابي كلّهم رمادا.
قال السيّد ابن طاووس: و قال ابن طاووس رحمه اللّه: و ساروا برأس الحسين و السبايا إلى
الشام، فلمّا قربوا من دمشق قالت امّ كلثوم للشمر: حاجتي إليك إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة و قل لهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل و ينحّونا عنها فقد خزينا من كثرة النظر إلينا، فأمر في جواب سؤالها أن تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل و سلك بهم بين الناس حتّى أتى باب دمشق فوقفوا على باب المسجد الجامع حيث يقام السبي .
و روي عن سهل بن سعد قال: خرجت إلى باب المقدس حتّى أتيت الشام، فإذا أنا بمدينة قد علّقوا الأستار و الحجب و هم مستبشرون و نساؤهم يلعبن بالدفوف و الطبول فقلت:
هذا ليس يوم عيد، فسألتهم، فقالوا؛ هذا رأس الحسين يهدى من أرض العراق، فقلت:
وا عجبا يهدي رأس الحسين و الناس يفرحون، فرأيت الرايات يتلو بعضها بعضا، فإذا فارس على رمحه رأس أشبه الناس برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و اله) و من ورائه نسوة على جمال، فدنوت من أولاهم فقلت: يا جارية من أنت؟
فقالت: سكينة بنت الحسين، فقلت: أ لك حاجة؟
فقالت: قل لصاحب هذا الرأس يقدمه أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه و لا ينظروا إلى حرم رسول اللّه، فدنوت من صاحب الرأس و أعطيته أربعمائة دينار حتّى قدّم الرأس أمام الحرم و دخلوا على يزيد و دخلت معهم و كان جالسا على السرير و على رأسه تاج مكلّل بالدرّ و الياقوت، فدخل صاحب الرأس و هو يقول، شعرا:
املأ ركابي ذهبا و فضّة أنا قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس أمّا و أبا إذ ينسبون النسبا
قال: لو علمت أنّه خير الناس لم قتلته؟
قال: رجوت الجائزة منك، فأمر بضرب عنقه و خرّ رأسه و وضع رأس الحسين على طبق من ذهب و هو يقول: كيف رأيت يا حسين ثمّ قال: لعن اللّه ابن مرجانة إذ قدم على قتل الحسين بن فاطمة لو كنت صاحبه لما فعلت هذا، ثمّ قال، شعر:
نعلّق هامات من أناس أعزّة علينا و هم كانوا أعقّ و أظلما
و لمّا وضع رأس الحسين ورآه عليّ بن الحسين لم يأكل الرؤوس بعد ذلك أبدا.
و قال عليّ بن الحسين: فقلت لزيد و أنا مغلول: ما ظنّك برسول اللّه لو رآني في الغلّ؟
فقال لمن حوله: حلّوه، و أمّا زينب فإنّها لمّا رأته هوت إلى جيبها فشقّته ثمّ نادت بصوت حزين: يا حسيناه يابن مكّة و منى يابن فاطمة الزهراء يابن بنت المصطفى فأبكت من في المجلس، ثمّ دعا بقضيب خيزران فجعل ينكث به ثنايا الحسين فأقبل عليه الأسلمي و قال: ويحك أتنكث ثغر الحسين و لقد رأيت النبيّ (صلّى اللّه عليه و اله) يرشف ثناياه و ثنايا أخيه الحسن و يقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، فقتل اللّه قاتلكما و لعنه و أعدّ له جهنّم، فغضب يزيد و أمر بإخراجه.
ثمّ قال عليّ بن الحسين: ائذن لي يا يزيد حتّى أصعد المنبر، فأذن له.
فلمّا صعد قال في بعض كلامه: أيّها الناس، أنا ابن مكّة و منى أنا ابن زمزم و الصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا أنا ابن خير من حجّ و لبّى أنا ابن من حمل على البرق في الهوى أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا: لا إله إلّا اللّه، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه بسيفين و طعن برمحين و هاجر الهجرتين و بايع البيعتين و قاتل ببدر و حنين، أنا ابن قاتل المارقين و الناكثين و القاسطين، بستان حكمة اللّه و عيبة علمه سمح سخيّ بهيّ أبطحيّ مقدام صابر صوّام قاطع الأصلاب و مفرّق الأحزاب أسد باسل يطحنهم في الحروب طحن الرحاء، ليث الحجاز و كبش العراق، مكيّ مدنيّ خيفيّ عقبيّ بدريّ أحديّ شجريّ مهاجريّ من العرب سيّدها و من الوغا ليثها وارث المشعرين و أبو السبطين الحسن و الحسين ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء.
فضجّ الناس بالبكاء و النحيب و أمر يزيد المؤذّن فقطع عليه الكلام، فلمّا قال المؤذّن:
أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه التفت عليّ بن الحسين (عليه السّلام) من فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّي فلم قتلت عترته.
و كان في مجلس يزيد حبر من أحبار اليهود فقال: من هذا الغلام؟
قال يزيد: عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب و امّه فاطمة بنت محمّد، فقال:
يا سبحان اللّه، فهذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه في هذه السرعة بئسما خلفتموه في ذرّيته و اللّه لو ترك فينا موسى بن عمران سبطا من صلبه لظنّنا انّا كنّا نعبده من دون ربّنا و أنتم إنّما فارقكم نبيّكم بالأمس فوثبتم على ابنه فقتلتموه سوء لكم من أمّة، فأمر به يزيد فضرب على حلقه فقام و هو يقول: إن شئتم فاضربوني و إن شئتم فاقتلوني أو قدروني فإنّي وجدت في التوراة أنّ من قتل ذرّية نبيّ لا يزال ملعونا في الدّنيا و إذا مات يصليه اللّه نار جهنّم.
ثمّ إنّ يزيد أمر بنساء الحسين (عليه السّلام) فحبسن في محبس لا يكنّهم من حرّ و لا برد حتّى تقشّرت وجوههم، و لم يرفع في بيت المقدس حجر على وجه الأرض إلّا و تحته دم عبيط و أبصروا الشمس على الحيطان حمراء إلى أن خرج عليّ بن الحسين بالنسوة و ردّ رأس الحسين إلى كربلاء .
و روي أنّ سكينة رأت في منامها و هي في الشام كأنّ خمس نوق من نور أقبلت و على كلّ ناقة شيخ و الملائكة محدّقة بهم و معهم و صيف يمشي، فقال لي الوصيف: يا سكينة إنّ جدّك يسلّم عليك، فقلت: و على رسول اللّه السلام، من أنت؟
قال: وصيف من وصائف الجنّة قلت: من هؤلاء المشايخ؟
قال: الأوّل آدم صفيّ اللّه و الثاني إبراهيم خليل اللّه و الثالث موسى كليم اللّه و الرابع عيسى روح اللّه، فقلت: من هذا القابض على لحيته يسقط مرّة و يقوم اخرى؟
فقال: جدّك رسول اللّه، قاصدون إلى أبيك الحسين فجئت أشكو إليه فرأيت خمسة هوادج من نور في كلّ هودج امرأة فقلت: من هذه النسوة؟
قال: الأولى حوّاء امّ البشر و الثانية آسية بنت مزاحم و الثالثة مريم بنت عمران و الرابعة خديجة بنت خويلد و الخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرّة و تقوم أخرى، فقال:
جدّتك فاطمة بنت محمّد فوقفت بين يديها أبكي و أقول: يا أمّتاه استباحوا و اللّه حريمنا و قتلوا الحسين أبانا فقالت: يا سكينة كفّي صوتك أقرحت كبدي و قطّعت نياط قلبي هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتّى ألقى اللّه به، ثمّ انتبهت .
و روي عن محمّد بن عبد الرحمن قال: لقيني عالم النصارى فقال: و اللّه إنّ بيني و بين داود سبعين أبا و أنّ اليهود لتلقاني فتعظّمني، و أنتم ليس بينكم و بين ابن نبيّكم إلّا أب واحد قتلتموه .
و روي عن زين العابدين (عليه السّلام) إنّه لمّا أتى برأس الحسين (عليه السّلام) إلى يزيد كان يشرب الخمر فحضر مجلسه رسول ملك الروم، فقال: هذا رأس من؟
قال: رأس الحسين بن علي أمّه فاطمة بنت رسول اللّه، فقال النصراني: أف لك و لدينك إنّ أبي من نسل داود و النصارى يأخذون من تراب قدمي تبرّكا بي، و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه ما بينه و بينكم إلّا امّ واحدة، ثمّ قال: إنّ بين عمّان و الصين بحرا ليس فيه عمران إلّا بلدة واحدة في الماء طولها ثمانون فرسخا في ثمانين و منها يحمل الكافور و الياقوت، أشجارهم العود و العنبر و هي في أيدي النصارى و فيها كنائس كثيرة أعظمها كنيسة الحافر في محرابها حقّة ذهب معلّقة فيها حافر يقولون إنّه حافر حمار عيسى يقصدها في كلّ عام عالم من النصارى يطوفون حولها و يقبّلونها، و أنتم تقتلون ابن بنت رسول اللّه؟
فقال يزيد: اقتلوا هذا النصراني لئلّا يفضحني في بلاده.
فلمّا أحسّ بالقتل قال: إنّي رأيت البارحة نبيّكم في المنام يقول لي: يا نصراني أنت من أهل الجنّة فتعجّبت، و أنا أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه، ثمّ ضمّ رأس الحسين إلى صدره و جعل يقبّله و يبكي حتّى قتل .
و روي أنّ يزيد لعنه اللّه أمر بأن يصلب الرأس على باب داره، فخرجت بنت عبد اللّه بن عامر امرأة يزيد و كانت قبل ذلك تحت الحسين (عليه السّلام) حتّى شقّت الستر و هي حاسرة فوثبت إلى يزيد و هو في مجلس عام فقالت: يا يزيد رأس ابن فاطمة بنت رسول اللّه مصلوب على فناء داري، فوثب إليها يزيد فغطّاها و قال: ابكي على ابنت بنت رسول اللّه عجّل عليه ابن زياد لعنه اللّه فقتله قتله اللّه.
و خرج زين العابدين (عليه السّلام) يوما يمشي في أسواق دمشق فقيل له: كيف أمسيت يابن رسول اللّه؟
قال: أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبّحون أبناءهم و يستحيون نساءهم، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا عربي و أمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّدا منها، و أمسينا معشر أهل بيته مغصوبون مقتولون مشرّدون فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون، و للّه درّ مهيار حيث قال، شعر:
يعظّمون له أعواد منبره و تحت أرجلهم أولاده وضعوا
بأيّ حكم بنوه يتبعونكم و فخركم أنّكم صحب له تبع
و دعى يزيد يوما بعليّ بن الحسين و عمرو بن الحسن و عمره إحدى عشر سنة فقال لابن الحسن: أتصارع ابني خالدا؟
فقال له عمر: لا، ولكن أعطني سكّينا و اعطه سكّينا ثمّ أقاتله، قال يزيد: شنشنة أعرفها من أخزم، و هل تلد الحيّة إلّا الحيّة.
و قال لعليّ بن الحسين: اذكر حاجاتك الثلاث اللّاتي وعدتك بقضائهنّ؟
فقال: الاولى أن تريني وجه أبي الحسين فأودّعه، و الثانية أن تردّ إلينا ما اخذ منّا، و الثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجّه مع هؤلاء النسوة من يردّهنّ إلى حرم جدّهم.
فقال: أمّا وجه أبيك فلن تراه أبدا و أمّا قتلك فقد عفوت عنك، و أمّا النساء ما يؤدّيهن إلى المدينة غيرك، و أمّا ما اخذ منكم فأنا أعوّضكم أضعاف قيمته، فقال: إنّما طلبت ما اخذ منّا لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمّد و مقنعتها و قلادتها و قميصها، فأمر بردّ ذلك .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
أولياء أمور الطلبة يشيدون بمبادرة العتبة العباسية بتكريم الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|