
قرن الله تعالى وجوب التعبد له، بوجوب البر بالوالدين في العديد من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، وقوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا}.
ثم قرن الشكر له بالشكر لهما في قوله تعالى: {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير}.
وهكذا نجد أن الله تعالى يعتبر الإحسان إلى الوالدين قضية جوهرية؛ فهي من الأهمية بمكان، بحيث يبرزها تارة في عالم الاعتبار بصيغة القضاء: {وقضى ربك}، ويجسدها تارة أخرى في عالم الامتثال بصيغة الميثاق: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل}، ويعتبر التعدي على حرمتهما حراما.
وهنا لابد من التنبيه على أن القرآن الكريم وفي العديد من آياته يؤكد على الأولاد بضرورة الإحسان إلى الآباء، أما الآباء فلا يؤكد عليهم الاهتمام بأبنائهم إلا نادرا، وفي حالات غير عادية كأن لا يقتلوا أولادهم خشية الإملاق، ويكتفي بالتأكيد على أن الأولاد زينة ومتعة، وموضع فتنة وإغراء للوالدين، ولم يذكرهم إلا مقرونين بالمال وفي موضع التفاخر.
قال تعالى:{واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم}، وقال تعالى:{وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد}، والسر في ذلك: أن علاقة الوالدين بأولادهم هي أشد وأقوى من علاقة الأولاد بوالديهم، فالآباء بحكم الغريزة الطبيعية أكثر حبا للأولاد من حب الأولاد لهم، وخصوصا الأم التي تلف أبناءها برداء الحنان وتضحي بالغالي والنفيس من أجلهم، وتندفع غريزيا وتلقائيا للقيام بما يؤمن حوائجهم، وتعمل جاهدة من أجل صنع إكليل سعادتهم.
ومن هنا ورد الأمر القرآني القاضي بالإحسان إلى الوالدين من أجل رسم علاقة متكافئة بين الطرفين، لذا وضع حقهم في المرتبة اللاحقة بعد حقه تعالى.