ما أسهل القول من دون تطبيق وفعل، وكم سيقبح سلوك الفرد عندما يقول مالا يفعل؟! حتى أن الله سبحانه وبخ هذا النموذج من الناس فقال عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون﴾ بل ستتصف شخصيته بالازدواجية، فمن جهة يدعو الى الخير ويتحدث بالقيم والأخلاق، ولكنه في مقام التطبيق تكشف المواقف حقيقة أمره وتفضحه أنانيته، بأنه ممن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه كما قال تعالى:
{أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}
هذا اللسان هو علامة على أن الواعظ غير المتعظ ليس عاقلا، وإن كان عالما. فكثير ممن يدعون الناس إلى البر كأن يدرسون، أو يؤلفون، أو يخطبون، أو يرشدون، أو ينشرون في المواقع الإلكترونية، أو يقومون بالوعظ والإرشاد، هم علماء ولكنهم ليسوا عاقلين؛ لأن الشخص الذي يفكر بإصلاح الآخرين وينسى نفسه ليس عاقلا، فلا هو يصبح صالحا ولا ينجح في إصلاح الآخرين؛ لأن إصلاح الآخرين ليس مجرد الأمر بالمعروف اللفظي، بل ورد في الأخبار: (كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم).
أي عندما تعيشون في المجتمع بوصفكم علماء صالحين، فأنتم أسوة للمتقين، بسيرتكم التي من خلالها تدعون الناس إلى الاقتداء بكم، وليس إلى أنفسكم وتتخذون من إظهار الدين جسرا لإظهار أنفسكم، ولذلك فإن نموذجا كهذا سيكون من أشد الناس حسرة وندامة في يوم القيامة: عن الإمام الباقر -عليه السلام-: (إن أشد الناس حسرة يوم القيامة الذين وصفوا العدل ثم خالفوه).
فعلى المرء أن يبدأ بنفسه فيحرز صفاءها، ويجتهد في استقامتها، ومن ثم يصف الدواء إلى غيره.