قال الشاعر :
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه...فصدر الذي يستودع السر أضيق
أسرار الإنسان تعتبر جزءا من شخصيته، وحفاظه عليها يعد من سلوكياته الثابتة ودوافعه النفسية المتأصلة؛ إذ أنه لا يرغب أن يتسلل أحد الى كيانه الشخصي ويحيط بمكنوناته وأسراره، ليكون ذلك ذريعة للنيل منه ولو بكلمة تخدش نقاء سمعته أو كلام يقال من هنا أو من هناك يربك أمنه النفسي!
لذا يعتبر الإنسان المسؤول الأول والأخير عن أسراره ، فعليه أن يقفل عليها ، ولا يسمح للسانه أن يبوح بها ما أمكنه ، فإن السر إذا جاوز الإثنين شاع و لم يعد سرا، وحينها سيقع الفرد أسيرا عند من أسره و يضطر الى مداراته خشية أن يغدر به أو يبوح به للآخرين ، وقد وقع كثير من الناس ضحية الابتزاز؛ بسبب إذاعتهم أسرارهم عند من لا أمانة لديه أو ورع يحجزه ... ، فإن كنت ترى إذاعة أسرارك أمرا مهما بالنسبة لك، وترى البوح لأحد أصدقائك متنفسا يريحك ويمدك بالطاقة ، فنحن ننصحك بكتمان أربعة أمور عن أصدقائك والآخرين؛ لأهمية كتمانها وإن لم يعتبرها البعض من الأسرار؛ لما يترتب على البوح بها من مشاكل تسوؤك ، فكتمانها أفضل وأوكد إن لم يكن أوجب ..، وهذه الأربعة هي :
1 - كل ما يتعلق بشخصيتك ( عاداتك ، دخلك المادي ، مواقف خاصة ، مقتنياتك الثمينة ، علاقاتك ) فإن البعض من الأصدقاء أو المعارف قد تتغير نظرته لو علم بشيء من ذلك نحو الغيرة و الحسد ،أو ينظر لك نظرة احتقار ، أو قد يتخذ ذلك سلاحا ضدك ليفضحك أو يعيرك به ...، وحينها ستشعر بالندم والقلق وهذا ما أكدته دراسات حديثة من أن حوالي خمس وثمانين بالمئة من الأشخاص يندمون على كشف أسرارهم الخاصة لأصدقائهم ، لذا يعطي الإمام الصادق ( عليه السلام) ضابطا مهما فيقول (عليه السلام) : لا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلعت عليه عدوك لم يضرك .، وهذا لا يعني أن تكون غامضا بالمرة ، ولكن ننصحك أن تفلتر أسرارك، ولا تبح لأي أحد إلا بما لا يشكل البوح به خطرا عليك .
2- أهدافك المستقبلية ومشاريعك الخاصة لا تتحدث عنها مطلقا؛ لأن ذلك سيوهن عزيمتك عن إكمالها وإتمامها ، جاء في المرويات عن هذه الحقيقة أحاديث كثيرة منها : عن الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) أنه قال : "إظهار الشيء قبل أن يستحكم مفسدة له" . ، وقد توصل العلم الحديث الى هذه الحقيقة، فقد ذكر علماء النفس وأطباء المخ والأعصاب أن الشخص الذي يتحدث الى مقرب منه عن أهدافه ومشاريعه التي لا تزال قيد التخطيط والإنشاء من ثم يسمع الإطراء والمديح على فكرته ، فإن المخ سيفرز مادة تسمى الإندروفين تبعث على شعور الشخص بالارتياح والرضا عن نفسه، وكأنه قد حقق ما كان يحلم به ، ويستهدف إنجازه ، فيصاب بحالة تشابه الاحباط وتلازمه حالة التقاعس والتكاسل عن إتمام هدفه، وربما يتركه بالمرة ، ولذا ينصح علماء النفس بعدم البوح عن أمور تخص مشاريعك المستقبلية والاحتفاظ بها سرا لحين تنفيذها على أرض الواقع .
3- كل ما يتعلق بأسرتك وحياتك الزوجية؛ فمن الأخطاء الشائعة هو أن تنقل الزوجة ما يدور في بيتها الى جارتها أو صديقتها حتى ما يحدث بينها وبين زوجها ، وما إن تمر الأيام ويحدث شجار بينها وبين صديقتها تلك أو جارتها إلا ويدب القلق والتوتر بهذه الزوجة خشية أن تتحدث جارتها او صديقتها بسرها ، فينبغي على الرجل والمرأة أن يحفظا ما يدور في داخل بيتهم وما يتعلق بأسرتهم من مواقف ومشاكل؛ لأنها تعد من الأسرار، ثم إن إظهار المشاكل الأسرية خارج المنزل ربما يزيد من اتساعها وتفاقمها ..، جاء عن الإمام علي (عليه السلام): سرك أسيرك فإن أفشيته صرت أسيره .
4- أعمال البر والخير ، الإخلاص مرتبة مهمة في حياة المؤمن، ولكي يتحقق الإخلاص يجب كتمان أعمال البر والخير؛ لئلا تصاب بآفة الرياء والعجب والمن، كما وأن الكتمان يجعلك تشعر بالسعادة وأنت تقدم الخير والعطاء للفقراء أو أصدقائك المحتاجين لعونك من دون أن يعلم بذلك سوى الله تعالى. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : "لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك، فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك ، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك ، فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية" . ، وجاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) متحدثا عن سيرة أبيه الإمام زين العابدين (عليه السلام) : "إنه كان يخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره حتى يأتي بابا بابا، فيقرعه ثم يناول من كان يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيرا لئلا يعرفه" . ، ويحكى عن محمد بن إسحاق : أنه كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم، فلما مات علي بن الحسين-عليه السلام- فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل .. هكذا ينبغي إخفاء العطاء والصدقات وأعمال البر، لا أن تصور ويشهر بالفقراء في مواقع السوشيال ميديا ! .