أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-1-2023
1103
التاريخ: 2024-09-01
246
التاريخ: 1-9-2022
1372
التاريخ: 2024-05-06
645
|
حكايات في البديهة والارتجال
ومن حكايات أهل الأندلس(1) في خلع العذار والطرب والظرف وغير ذلك كسرعة الارتجال ما حكاه صاحب " بدائع البدائه " قال(2): أخبرني من أثق به بما هذا معناه ، قال : خرج الوزير أبو بكر ابن عمار والوزير أبو الوليد ابن زيدون ومعهما الوزير ابن خلدون من إشبيلية إلى منظرة لبني عباد بموضع يقال له الفنت(3) تحف بها مروج مشرقة الأنوار ، متنسمة الأنجاد والأغوار ، متبسمة عن ثغور الثوار ، في زمان ربيع سقت الأرض السحب فيه
٢٤٢
بوسميها ووليتها ، وجلتها في زاهر ملبسها وباهر حليتها ، وأرداف الربى قد تأزرت بالأزر الخضر من نباتها وأجياد الجداول قد نظم الثوار قلائده حول لباتها ، ومجامر الزهر تعطر أردية النسائم عند هباتها، وهناك من البهار ما يزري على مداهن(4) النضار، ومن النرجس الريان ما يهزأ بنواعس الأجفان ، وقد نووا الانفراد للهو والطرب ، والتنزه في روضتي النبات والأدب ، وبعثوا صاحباً لهم يسمى خليفة هو قوام لذتهم ، ونظام مسرتهم ، ليأتيهم بنبيذ يذهبون الهم بذهبه في لجين زجاجه، ويرمونه منه بما يقضي بتحريكه للهرب - عن القلوب وإزعاجه ، وجلسوا لانتظاره . وترقب عوده على آثاره ، فلما بصروا به مقبلا من أول الفج بادروا إلى لقائه ، وسارعوا إلى نحوه وتلقائه . واتفق أن فارساً من الجند ركض فرسه فصدمه ووطئ عليه فهشم أعظمه وأجرى دمه ، وكسر قمعل(5) النبيذ الذي كان معه ، وفرق من شملهم ما كان الدهر قد جمعه ، ومضى على غلوائه راكضا حتى خفي عن العين . خائفاً من متعلق به يحين بتعلقه الحين ، وحين وصل الوزراء إليه ، تأسفوا عليه ، وأفاضوا في ذكر الزمان وعدوانه ، والخطب وألوانه ، ودخوله بطوام المضرات ، على تمام المسرات ، وتكديره الأوقات المنعمات ، بالآفات المؤلمات . فقال ابن زيدون:
أنلهو والحتوف بنا مطيفه ونأمن والمنون لنا مخيفه
فقال ابن خلدون:
وفي يوم وما أدراك يوم مضى قمعالنا ومضى خليفه
٢٤٣
فقال ابن عمار :
هما فخارتا راح وروح تكسرتا فأشقاف(6) وجيفه
انتهى .
وذكر ابن بسام ما معناه(7) أن أبا عامر ابن شهيد حضر ليلة عند الحاجب أبي عامر المظفر بن المنصور بن أبي عامر بقرطبة ، فقامت تسقيهم وصيفة عجيبة صغيرة الخلق(8) ، ولم تزل تسهر في خدمتهم إلى أن هم جند الليل بالانهزام ، وأخذ في تقويض خيام الظلام ، وكانت تسمى أسيماء، فعجب الحاضرون من مكابدتها السهر طول ليلتها(9)، على صغر سنها ، فسأله المظفر وصفها ، فصنع ارتجالا :
أفدي أسيماء من نديم ملازم للكؤوس راتب
قد عجبوا في السهاد منها وهي لعمري من العجائب
قالوا : تجافي الرقاد عنها فقلت: لا ترقد الكواكب
۲۹- وحكى ابن بسام(10) ما معناه أن ابن شهيد المذكور كان يوما مع جماعة من الأدباء عند القاضي ابن ذكوان ، فجيء بباكورة باقلا ، فقال ابن ذكوان : لا ينفرد بها إلا من وصفها ، فقال ابن شهيد : أنا لها ، وارتجل :
إن لآليك أحدثت صلفا فاتخذت من زمرد صدفا
تسكن ضراتها البحور وذي تسكن للحسن روضة أنفا
هامت بلحف الجبال فاتخذت من سندس في جنانها لحفا
٢٤٤
علقا فكان حسبي من المني وكفى
شبهتها بالثغور من لطف حسبك هذا من بر(11) من لطفا
جاز ابن ذكوان في مكارمه حدود كعب وما به وصفا
قدم در الرياض منتخباً منه لأفراس مدحه علفا
أكل ظريف وطعم ذي أدب والفول يهواه كل من ظرفا
رخص فيه شيخ له قدر فكان حسبي من المنى وكفى
وقال ابن بسام(12): إن جماعة من أصحاب ابن شهيد المذكور قالوا له : يا أبا عامر، إنك لآت بالعجائب، وجاذب بذوائب الغرائب ، ولكنك شديد الإعجاب بما يأتي منك ، هاز لعطفك عند النادر يتاح لك ، ونحن نريد منك أن تصف لنا مجلسنا هذا ، وكان الذي طلبوه منه زبدة التعنيت ، لأن المعنى إذا كان جلفا ثقيلا على النفس ، قبيح الصورة عند الحس ، كلت الفكرة عنه وإن كانت ماضية ، وأساءت القريحة في وصفه وإن كانت محسنة ، وكان في المجلس باب مخلوع معترض على الأرض ولبد أحمر مبسوط قد صفنت خفافهم(13)عند حاشيته ، فقال مسرعاً:
وفتية كالنجوم حسنا كلهم شاعر نبيل
متقد الجانبين ماض كانه الصارم الصقيل
راموا انصرافي عن المعالي والغرب من دونها كليل(14)
فاشتد في إثرها فسيح كل كثير له قليـل
في مجلس زانه التصابي وطاردت وصفه العقول
٢٤٥
كأنما بابه أسير قد عرضت(15) دونه نصول
يراد منه المقال قسراً وهو على ذاك لا يقول
تنظر من لبده لدينا بحر دم تحتنا يسيل
كان أخفافنا عليه مراكب ما لها دليل
ضلت فلم تدر أين تجري فهل على شطه تقيل
فعجب القوم من أمره ، ثم خرج من عندهم فمر على بعض معارفه من الطرائفيين وبين يديه زنبيل ملآن حرشفا(16)، فجعل يده في لحام بغلته ، وقال : لا أتركك أو تصف الحرشف ، فقد وصفه صاعد فلم يقل شيئا ، فقال له ابن شهيد : ويحك ! أعلى مثل هذه الحال ؟ قال : نعم ، فارتجل(17):
هل أبصرت عيناك يا خليلي قنافـذا تباع في زنبيل
من حرشف معتمد جليل ذي إبر تنفذ جلد الفيل
كأنها أنياب بنت(18) الغول لو نخست في ...امرئ ثقيل
لقفزته نحو أرض النيل ليس يرى طي حشا منديل
نقل السخيف المائن الجهول وأكل قوم نازحي العقول
أقسمت لا أطعمها أكيلي ولا طعمتها على شمول
انتهى .
31- وقال في " بدائع البدائه "(19): دخل الوزير أبو العلاء زهر ابن الوزير أبي مروان عبد الملك بن زهر على الأمير عبد الملك بن رزين في مجلس انس ، وبين يديه ساق يسقي خمرين من كأسه ولحظه ، ويبدي درين من حبابه
٢٤٦
ولفظه ، وقد بدا خط عذاره في صحيفة خده ، وكمل حسنه باجتماع الضد منه مع ضده ، فكأنه بسحر لحظه أبدى ليلا في شمس ، وجعل يومه في الحسن أحسن من أمس ، فسأله ابن رزين أن يصنع فيه ، فقال بديها:
تضاعف وجدي إذ تبدى عـذاره وثم فخان القلب مني اصطباره
وقد كان ظني أن سيمحق ليله بدائع حسن هام فيها نهاره
فأظهر ضد ضده فيه إذ وشت بعنبره في صفحة الخد ناره
و استزاده ، فقال بديها :
محيت آية النهار فأضحى بدر تم وكان شمس نهار
كان يعشي العيون نورا إلى أن شغل الله خده بالعذار
وصنع أيضا:
عذار ألم فأبدى لنا بدائع كنا لها في عمى
ولو لم يجن النهار الظلام لم يستبن كوكب في السما
وصنع أيضا:
تمت محاسن وجهه وتكاملت لما استدار به عذار موفق
وكذلك البدر المنير جماله في أن يكنفه سماء أزرق
انتهى.
وحكى الحميدي(20) وغيره أن عبد الله بن عاصم صاحب الشرطة بقرطبة كان أديباً شاعراً سريع البديهة، كثير النوادر، وهو من جلساء الأمير محمد بن عبد الرحمن الأموي ملك الأندلس وحكوا أنه دخل عليه في يوم ذي غيم،
٢٤٧
وبين يديه غلام حسن المحاسن ، جميل الزي ، لين الأخلاق ، فقال الأمير يا ابن عاصم ما يصلح في يومنا هذا ؟ فقال : عقار تنفر الذبان(21)، وتؤنس الغزلان ، وحديث كقطع الروض قد سقطت فيه مؤونة التحفظ ، وأرخي له عينان التبسط ، يديرها هذا الأغيد المليح ، فاستضحك الأمير ، ثم أمر بمراتب الغناء ، وآلات الصهباء فلما دارت الكأس واستمطر الأمير نوادره(22)، أشار إلى الغلام أن يلح في سقيه ، ويؤكد عليه ، فلما أكثر رفع رأسه إليه وقال على البديهة:
يا حسن الوجه لا تكن صلفاً ما لحسان الوجوه والصلف
تحسن أن تحسن القبيح ولا ترثي لصب متيم دنف
فاستبدع الأمير بديهته، وأمر له ببدرة، ويقال: إنه خيره بينها وبين الوصيف، فاختارها نفيا للظنة عنه(23)، انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- هنا يأخذ المقري بالثقل عن بدائع البدائه لابن ظافر الأزدي أكثر حكايات هذا الباب.
2- بدائع البدائه 1:٢١٤
3- في الأصول : القنت؛ والبدائع : الغيث.
4-البدائع : بمداهن.
5- القمعل: القدح الضخم.
6- البدائع : فشقفات.
7- بدائع البدائه ۲:۳۲.
8- البدائع : وصيفة صغيرة ظريفة الخلق
9- البدائع : ليلها.
10- بدائع البدائه 2: ۳۳ ؛ وانظر الذخيرة 1/4 : ۲۸ .
11- دوزي: رفد.
12- بدائع البدائه ۲ : ۳۳؛ وانظر الأخيرة 1/4 : ۲۷.
13- ب : قد رصت؛ البدائع : نعالهم .
14- في الأصول قليل، والتصويب عن البدائع والذخيرة؛ وفي الأصول أيضا: من دونها.
15- ب : عارضت .
16- ب : زنبیل حرشف
17- الذخيرة 1/4 : ۲۸
18- ب ودرزي: تبت
19- بدائع البدائه ۲:٤٢.
20- الجذوة: 245؛ و بدائع البدائه 2: 86
21- في أصول النفح : تنفد الدنان .
2۲- ب : نواره.
23- ويقال ... عنه: سقطت هذه العبارة من ب.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|