أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-2-2020
1852
التاريخ: 23-12-2019
2714
التاريخ: 13-12-2019
1832
التاريخ: 3-1-2020
5505
|
فتنة « التحكيم »
الامامة والسياسة : فأقبل الأشعث بن قيس في أناس كثير من أهل اليمن فقالوا لعي : لا نرد ما دعاك القوم اليه ؛ قد انصفك القوم ، والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء معك ولا نرمي معك بسهم ولا حجر ولا نقف معك موقفا (1) .
ويروى : ان معاوية قال لأصحابه حين استقامت المدة ولم يُسم الحكمين : من ترون عليا يختار ؟ فأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص . قال عتبة بن أبي سفيان : أنت أعلم بعلي منا . فقال معاوية : أن لعليّ خمسة رجال من ثقاته منهم عدي بن حاتم وعبدالله بن عباس وسعد بن قيس وشريح بن هاني والأحنف بن قيس ... ومع هذا أن الناس قد ملوا هذه الحرب ولم يرضوا إلا رجلا له تقية ، وكل هؤلاء له تقية لهم ، ولكن انظروا أين أنتم من رجل من أصحاب رسول الله « صلى الله عليه وآله » تأمنه اهل الشام وترضى به أهل العراق ؟ فقال عتبة : ذلك ابو موسى الأشعري (2) .
عقد الفريد : لما كان يوم الهرير ـ وهو أعظم يوم بصفين ـ ، زحف أهل العراق على أهل الشام فأزالوهم عن مراكزهم حتى انتهوا الى سرادق معاوية ، فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة ، ثم التفت الى عمرو بن العاص وقال له : ما عندك ؟ قال : تأمر بالمصاحف فتُرفع في أطراف الرماح ... ثم اجمع رأيهم على التحكيم ، فهم البرانس وهم وجوه اصحاب عليّ ، وعلى أن يُقدم أبا الأسود الدّؤلي ، فأبى الناس عليه ... ثم اجتمع اصحاب البرانس وهم وجوه اصحاب عليّ ، على أن يُقدموا ابا موسى الأشعري وكان مبرنسا ، وقالوا : لا نرضى بغيره . فقدّمه عليّ ، وقدّم معاوية عمرو بن العاص فقال معاوية لعمرو : أنك قد رُميت برجل طويل اللسان قصير الرأي فلا ترمه بعقلك كله (3) .
ويروى : لما قدم ابو الأسود الدؤلي على معاوية عام الجماعة ، قال له معاوية : بلغني يابا الأسود ان علي بن أبي طالب أراد أن يجعلك أحد الحكمين ، فما كنت تحكم به ؟ قال : لو جعلني احدهما لجمعت الفا من المهاجرين وأبناء المهاجرين والف من الأنصار وابناء الأنصار ن ثم ناشدتهم الله : المهاجرون وأبناء المهاجرين اولى بهذا الأمر أما الطلقاء ؟ قال له معاوية : لله أبوك اي حكم كنت تكون لو حُكّمت (4) .
تاريخ الطبري : فلما رأى عمرو بن العاص أن امر أهل العراق قد اشتد وخاف في ذلك الهلاك قال لمعاوية : هل لك في امر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ولا يزيدهم إلا فرقة ؟ قال : نعم . قال : نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكم بيننا وبينكم ، فإن أبى بعضهم أن يتقبّلها وجدت فيهم من يقول : بلى ينبغي ان نقبل ، فتكون فرقة تقع بينهم ، وأن قالوا : بلى نقبل ما فيها ، رفعنا هذا القتال عنا ، وهذه الحرب الى اجل أو الى حين ، فرفعوا المصاحف بالرماح ... ان عليا قال : عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم ، قتال عدوكم ! فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن ابي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال ، ويحكم أنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة . فقالوا له : ما يسعنا أن نُدعى الى كتاب الله عزوجل فنأبى أن نقبله . فقال لهم : فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب ، فإنهم قد عصوا الله عزوجل فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه . فقال له مسعر بن فدّكي التميميّ وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي في عصابة معهما من القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك : يا عليّ أجب الى كتاب الله عزوجل اذا دُعيت اليه وإلا ندفعك برمّتك الى القوم او نفعل كما فعلنا بابن عفان ، انه علينا أن نعمل بما في كتاب الله عزوجل فقبلناه والله لتفعلنها أو لنفعلنها بك ؟ قال : فاحفظوا عني نهيي اياكم واحفظوا مقالتكم فيّ ، أما انا فإن تطيعوني تقاتلوا وان تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم . قالوا له : أما لا فأبعث الى الأشتر فليأتك ... فقال الاشتر : ليس هذه الساعة التي ينبغي لك ان تُزيلني عن موقفي اني قد رجوت ان يُفتح لي فلا تُعجلني . فرجع يزيد بن هاني الى عليّ فأخبره فما هو إلا ان انتهى الينا، فارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر، فقال له القوم: والله ما نراك إلا أمرته أن يُقاتل، قال: من أين ينبغي أن تُروا ذلك رأيتموني ساررته اليس إنما كلّمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعوني، قالوا: فابعث اليه فليأتك وإلا والله اعتزلناك. قال له: ويحك يا يزيد قل له أقبل اليّ فإن الفتنة قد وقعت (5) .
أقول : بايع المهاجرون والأنصار عليا « عليه السلام » على أن يعمل بالكتاب وسنة رسول الله « صلى الله عليه وآله» ، وهو أعلم الأمة وأتقاها واقضاها ، وأحب الناس الى الله والى رسوله ، وهو مع الحق والحق يدور معه كيفما دار . وهو وليّ كل مؤمن ومؤمنة وأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن عمه وزوج البتول . وأول من أسلم وجاهد في سبيل الله عزوجل .
فمن أراد أن يعمل بالكتاب والسنة فلا بد أن يبايع عليا (عليه السلام) ويستقر تحت رايته ويهتدي بهداه ويتبع سبيله . ومن خالفه فهو مخالف للكتاب والسنة ، والدعوة الى علي (عليه السلام)هي الدعوة الى كتاب الله ، والتابع له على يقين من امره ودينه ، فلا معنى في دعوة معاوية وعمرو العاص له الى العمل بالكتاب وأن يكون الكتاب حكما بينهما ، وهذا نهاية تنزيل مقام اميرالمؤمنين (عليه السلام)، ويدل على نهاية جهل اصحابه وقصور معرفتهم وضعف دينهم حيث قالوا : يا على أجِب الى كتاب الله اذا دُعيت اليه وإلا ندفعك برمّتك الى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان .
وليعلم ان هذه الفتنة اشد من فتنة حرب صفين: فإن نتيجة هذه الفتنة هي تنزيل مقام امير المؤمنين والتسليم لحكم معاوية والانخداع بخدعته وترك حكومة الحق والخلاف لعلي (عليه السلام)، ومن هذا الخلاف نشأت حرب الخوارج .
تاريخ الطبري : فقال اهل الشام : فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص فقال الأشعث : واولئك القوم الذين صاروا خوارج بعدُ : فإنا قد رضينا بأبي موسى الأشعري قال عليّ : فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن ، إني لا أرى أن أولّي أبا موسى . فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي لا نرى إلا به، فإنه ما كان يُحذّرنا وقعنا فيه .
قال عليّ: فإنه ليس لي بثقة قد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب مني حتى آمنته بعد أشهر ، ولكن هذا ابن عباس نُوليه ذلك . قالوا ما نُبالي انت كنت أم ابن عباس لا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ليس اى واحد منكما بأدنى منه الى الآخر . فقال عليّ: فإني أجعل الأشتر . قال الأشعث : وهل سعّر الأرض غيرُ الأشتر ... قال علي : فقد أبيتم إلا ابا موسى ؟ قالوا : نعم . قال : فاصنعوا ما أردتم . فبعثوا اليه ، وقد اعتزل القتال وهو بُعرض (6) .
أقول: يظهر من جملات ( فإنه ماك ان يُحذّرنا وقعنا فيه ، وخذل الناس عني ، هو منك ومن معاوية سواء ، وهل سعّر الأرضَ ، وقد اعتزل القتال : أنهم ندموا ورجعوا عن الحرب ، وقد اختاروا رجلا معتزلا عنه ، حتى يختار الاعتزال ، ويحذّرهم من الحرب وان كان خلاف رأي عليّ (عليه السلام).
تاريخ الطبري : ان عليا قال للناس يوم صفين : لقد فعلتم فعلة ضعضعت قوة وأسقطت مُنة وأوهنت وأورثت وهنا وذلة . ولما كنتم الأعلين وخاف عدوكم الاجتياح واستحرّ بهم القتل ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف ودعوكم الى ما فيها ليفثؤكم عنهم ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم ويتربّصون ريب المنون خديعة ومكيدة ، فأعطيتموهم ما سألوا وأبيتم إلا أن تدهنوا وتجوّزوا وأيم الله ما أظنكم بعدها توافقون رشدا ولا تصيبوا باب حزم (7) .
أقول : ضعضع : أي وضع . المنّة : كالقوة لفظا ومعنا . اجتاح : استأصل وأهلك . فثأ الحرّ والغضب : سكن غليانها .
جريان امر الحكمين
خصائص النسائي : عن علقمة قال : قلت لعلي عليه السلام تجعل بينك وبين ابن آكلة الأكباد ؟ قال : إني كنت كاتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الحُديبية فكتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ، قالوا : لو نعلم أنه رسول الله ما قاتلناه ، أمحها قلت : هو والله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان رغم انفك ولا والله لا أمحوها ، فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أرنيه ؟ فأريته فمحاها ، وقال : أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطرّ (8) .
تاريخ الطبري : فكتبوا هذا ما تقاضى عليه عليّ امير المؤمنين . فقال عمرو أكتب اسمه واسم ابيه ، هو أميركم وأما اميرنا فلا . وقال الأحنف : لا تمح اسم إمارة المؤمنين فإني أتخوّف إن محوتها إلا ترجع اليك أبدا ، لا تمحها وان قتل الناس بعضهم بعضا . فأبى ذلك عليّ مليا من النهار ، ثم ان الأشعث بن قيس قال امحُ هذا الاسم برّحه الله فمحى . وقال عليّ : الله اكبر سنة بسنّة ومثل بمثل ، والله إني لكاتب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الحديبية اذ قالوا لست رسول الله ولا نشهد لك به ولكن أكتب اسمك واسم ابيك . فقال عمرو بن العاص : سبحان الله ! ومثل هذا أن نشبّه بالكفار ونحن مؤمنون . فقال عليّ : يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين وليا وللمسلمين عدوا وهل تشبه إلا امك التي وضعت بك (9) .
الطبقات : فاجتمعا على امرهما فأداره عمرو على معاوية فأبى ، وقال أبو موسى عبدالله بن عمر ، فقال عمرو أخبرني عن رأيك ؟ فقال أبو موسى : أرى أن نخلع هذين الرجلين ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين فيختارون لأنفسهم من أحبوا ، فقال عمرو : الرأي ما رأيت ! فأقبلا على الناس وهم مجتمعون ، فقال له عمرو : يا ابا موسى أعلمهم بان رأينا قد اجتمع ، فتكلم أبو موسى فقال : ان رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمة ، فقال عمرو صدق وبر ونعم الناظر للاسلام واهله ، فتكلم يا أبا موسى ! فأتاه ابن عباس فخلا به فقال : أنت في خدعة ألم أقل لك لا تبدأه وتعقّبه فإني أخشى أن يكون أعطاك أمرا خاليا ثم ينزعنه على ملأ من لناس واجتماعهم . فقال الأشعري : لا تخش ذلك قد اجتمعنا واصطلحنا ، فقام أبو موسى فحمد الله وأثنى عيه ثم قال : أيها الناس قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من ان تبتزّ امورها ولا نعصبها حتى يكون ذلك عن رضى منها وتشاور ، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد ، على خلع عليّ ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون منهم من أحبوا عليهم ، وأني قد خلعت عليا ومعاوية فولوا أمركم من رأيتم ! ثم تنحّى . فأقبل عمرو بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ان هذا قد قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه وأن أخلع صاحبه كما خلعه وأُثبت صاحبي معاوية فإنه وليّ ابن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه . فقال سعد بن أبي وقاص : ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكائده ! فقال أبو موسى : فما أصنع ؟ جامعني على امر ثم نزع عنه ، فقال ابن عباس : لا ذنب لك يا أبا موسى الذنب لغيرك . للذي قدّمك في هذا المقام ! فقال أبو موسى رحمك الله غدرني فما أصنع ؟ وقال أبو موسى لعمرو : إنما مثلك كالكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، فقال له عمرو : إنما مثلك مثل الحمار يحمل اسفارا . فقال ابن عمر : الى مَ صيرت هذه الأمة ؟ الى رجل لا يبالي ما صنع وآخر ضعيف . وقال عبدالرحمن بن أبي بكر : لو مات الأشعري من قبل هذا كان خيرا له (10) .
اقول : يظهر من هذه الكلمات مقام ابي موسى علما ومعرفته :
1 ـ وقال ابو موسى : عبدالله بن عمر : هذا خلاف ما رأى ابوه عمر وقال في حقه ، ولم يجعله من أفراد الشورى ، والعجب أن أبا موسى فضّله على امير المؤمنين (عليه السلام) ورأى خلعه ونصب عبدالله .
2 ـ أرى أن نخلع هذين الرجلين : ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصب عليا علما وهاديا واميرا وخليفة ووليا وملى لقاطبة المسلمين ، فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه . ويريد أبو موسى أن يَخلعه كما يريد أن يخلع معاوية .
3 ـ غَدَرني فما أصنع ؟ من كان نظره وعرفانه بهذه الدرجة من الضعف والانحطاط والتزلزل فهو محجوب عن الحق وواقع في معرض الغدر والحيلة .
4 ـ مثل الحمار يحمل اسفارا : اشر عمرو الى ضعف معرفته وتدبره وسياسته . راجع وتدبر في مكالمته عمروا في ما يرويه الطبري وعقد الفريد :
عقد الفريد : فأُخلي لهما مكان يجتمعان فيه ، فأمهله عمرو بن العاص ثلاثة ايام ، ثم أقبل اليه بأنواع من الطعام يُشهّيّه بها ، حتى اذا استبطن أبو موسى . ناجاه عمرو فقال له : يا أبا موسى أنك شيخ اصحا محمد (صلى الله عليه وآله) وذو فضلها وذو سابقتها وقد ترى ما وقعت فيه هذه الأمة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها ، فهل لك ان تكون ميمون هذه الأمة فيحقن الله بك دماءها . فإنه يقول في نفس واحدة ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ـ فكيف بمن أحيا أنفس هذا الخلق كله؟ قال له: وكيف ذلك؟ قال: تخلع أنت عليّ بن أبي طالب وأخلع أنا معاوية بن أبي سفيان، ونختار لهذه الأمة رجلا لم يحضر في شيء من الفتنة ولم يغمّس يده فيها. قال له: ومن يكون ذلك ؟ وكان عمرو بن العاص قد فهم رأي ابي موسى في عبدالله بن عمر ، فقال له : عبدالله بن عمر ، فقال : انه لك ما ذكرت ، ولكن كيف لي بالوثيقة منك ؟ فقال له : يا أبا موسى ألا بذكر الله تطمئن القلوب ، خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى ، ثم لم يُبق عمرو بن العاص عهدا ولا موثقا ولا يمينا مؤكدة حتى حلف بها ، حتى بقي الشيخ مبهوتا ، وقال له : قد أجبتُ . فنودي في الناس بالاجتماع اليهما ، فاجتمعوا . فقال له عمرو : قم فاخطب الناس يا أبا موسى . فقال : قم أنت أخطبهم . فقال : سبحان الله أنا أتقدّمك وأنت شيخ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) والله لا فعلت أبدا ، قال : أو عسى في نفسك أمر ؟ فزاده أيمانا وتوكيدا ، حتى قام الشيخ فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا أيها الناس إني قد اجتمعت أنا وصاحبي ... الخ (11) .
تاريخ الطبري : والتقى الحكمان ، فقال عمرو بن العاص : يا أبا موسى ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما ؟ قال : أشهد . قال ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية أولياؤه ؟ قال : بلى . قال : فإن الله عزوجل قال : ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا ـ فما يمنعك من معاوية وليّ عثمان يا أبا موسى وبيته في قريش كما قد علمت ، فإن تخوّفت أن يقول الناس وُلّي معاوية وليست له سابقة : فإن لك بذلك التدبير ، وهو أخو أم حبيبة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) وقد صحبه فهو أحد الصحابة ، ثم عرض له بالسلطان ، فقال : أن ولي أكرمك كرامة لم يُكرمها خليفة . فقال أبو موسى : يا عمرو إتّقِِ الله عزوجل فأما ما ذكرت من شرف معاوية : فإن هذا ليس على الشرف يُولاه أهله ، ولو كان على الشرف لكان هذا الأمر لآل أبرهة بن الصبّاح ، إنما هو لأهل الدين والفضل مع أني لو كنت مُعطيه أفضل قريش شرفا أعطيته عليّ بن أبي طالب . وأما قولك أن معاوية وليّ دم عثمان فولّه هذا الأمر : فإني لم أكن لأوليه معاوية وأدَع المهاجرين الأولين . وأما تعريضك لي بالسلطان .
فوالله لو خرج لي من سلطانه كله ما وليته ، وما كنت لأرتشي في حكم الله عزوجل ، ولكنك ان شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب (12) .
أقول : طلب الثأر دعوى خصوصيّ لا ارتباط له بالخلافة والبيعة ووحدة الكلمة ، ثم ان معاوية من اين جُعِل وليا لعثمان ؟ ، مع أنه خذله وترك نصرته في حياته .
ويروى أيضا : عن أبي جناب الكلبي أن عمرا وابا موسى حيث التقيا بدومة الجندل ، أخذ عرو يُقدّم أبا موسى ، في الكلام يقول : أنك صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت أسنّ مني ، فتكلم وأتكلّم ، فكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدمه في كل شيء اغتزى بذلك كله أن يقدّمه فيبدأ بخلع عليّ ، قال ، فنظر في أمرهما وما اجتمعا عليه ، فاراده عمرو على معاوية فأبى واراده على ابنه فأبى ، وأراد اب وموسى عمرا على عبدالله بن عُمر فأبى عليه . فقال له عمرو : خبّرني ما رأيك ؟ قال : رأيي أن نخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين المسلمين فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبّوا ، فقال له عمرو : فإن الرأي ما رأيت فأقبلا الى الناس وهم مجتمعون ، فقال : يا أبا موسى أعلِمهم بأن راينا قد اجتمع واتفق ، فتكلم أب وموسى فقال : ان رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجوا أن يصلح الله عزوجل به أمر هذه الأمة ، فقال عمرو : صدق وبرّ ، يا أبا موسى تقدّم ، فتقدّم أبو موسى ليتكلم فقال له ابن عباس : ويحك والله اني لأظنه قد خدعك ان كنتما قد افقتما على امر فقدّمه فليتكلم بذلك الأمر قبلك ، ثم تكلم أنت بعده فإن عمرا رجل غادر ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فاذا قمت في الناس خالفك ! وكان أبو موسى مغفّلا ، فقال : إنا قد اتفقنا ، فتقدم أبو موسى فحمد الله عزوجل وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر أصلح لأمره ولا ألمّ لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه ، وهو أن نخلع عليا ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر ، فيولوا منهم من أحبوا عليهم ، واني قد خلعت عليا ومعاوية ، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر اهلا ، ثم تنحّى . وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال : أن هذا قد قال ما سمعتم وخلّع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه وليّ عثمان بن عفان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه . فقال أبو موسى : ما لك لا وفّقك الله غدرت وفجرت ، إنما مثلك كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث قال عمرو فقنذعه بالسوط ... فكان أبو موسى يقول : حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكني اطمأننت اليه وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة (13) .
أقول : التحكيم كان باطلا من أصله ، حيث أن خلافة عليّ (عليه السلام) كانت بالحق وللحق وعلى الحق ، وكانت واقعة ومحققة بالنص والاجماع ، والعجب من جمود فكر أبي موسى وقصور عقله حيث سوّى بين عليّ (عليه السلام) وبين رجال آخرين ، ثم انخدع بخدعة عمرو ولم يتنبّه ولم يحتط في مثل هذه المسألة مع تحذير ابن عباس وتنبيه .
ونعم ما قال ابن عباس كما في ( البدء والتاريخ ) فقال ابن عباس لأبي موسى : أنك قد رُميت بحجر الأرض وداهية العرب ، فمهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان ، وليست فيه خصلة واحدة تباعده من الخلافة ، وليس في معاوية خصلة واحدة تُدانيه من الخلافة (14) .
هذا مضافا الى أن نصب عليّ (عليه السلام) للخلافة كان من جانب الله ومن جانب الرسول « صلى الله عليه وآله »، فهو خليفة الهيّ وامام منصوب ووليّ الله في خلقه وحجته على عباده وأفضل الأمة وأعلمها وأتقاها وأحبّ الناس الى الله والى رسوله . كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، ومن والاك فقد والاني ومن عاداك فقد عاداني ، وأنه أحب الخلق الى الله والى رسوله .
فكيف يجوز ان يقول فيه كل ضعيف محجوب ما يقول ، هذا مثل ما قالوا في رسول الله بعقولهم الضعيفة ، وكما قالوا في القرآن الكريم ، وداؤهم جهلهم وضعف تفطّنهم وقلة معرفتهم . فانظر الى هذه الروايات في حق ابي موسى :
عقد الفريد : فكتب أبو موسى الى معاوية في جواب كتابه : سلام عليك ، أما بعد : فإني لم يكن مني في عليّ إلا ما كان من عمرو فيك ، غير أني أردت بما صنعت ما عند الله ، وأراد به عمرو ما عندك . وقد كان بيني وبينه شروط وشورى عن تراض ، فلما رجع عمرو رجعت . أما قولك أن الحكمين اذا حكما على رجل لم يكن له الخيار عليهما ؛ فإنما ذلك في الشاة والبعير والدينار والدرهم ، فأما أمر هذه الأمة فليس لأحد فيما يكره حكم ، ولن يُذهب الحق عجز عاجز ولا خدعة فاجر (15) .
ويروى : فبلغ عليا كتاب معاوية الى أبي موسى الأشعري فكتب اليه : سلام عليك ، أما بعد ، فإنك امرؤ ظلمك الهوى واستدرجك الغرور ، حقق بك حسن الظن لزومك بيت الله الحرام غير حاجّ ولا قاطن ، فاستقل الله يُقلك ، فإن الله يغفر ولا يغفل ، وأحب عباده اليه التوابون (16) .
ويروى : فبينما عليّ يوما على المنبر اذ التفت الى الحسن ابنه فقال : قم يا حسن فقل في هذين الرجلين ـ عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص ـ . فقام الحسن فقال : أيها الناس أنكم قد أكثرتم في هذين الرجلين ، وإنما بُعثا ليحكما بالكتاب على الهوى ، فحكما بالهوى على الكتاب ، ومن كان هذا لم يُسمّ حكما ولكنه محكوم عليه ، وقد أخطأ عبدالله بن قيس اذ جعلها لعبدالله بن عمر ، فأخطأ في ثلاث خصال : واحدة أنه خالف أباه اذ لم يرضه له ولم يجعله من أهل الشورى ، وأخرى أنه لم يستأمره في نفسه ، وثالثة أنه لم يجتمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يقعدون الإمارة ويحكمون بها على النفس (17) .
أقول : يستفاد من روايات هذه الفتنة امور راجعة الى امير المؤمنين عليّ ، والى معاوية ، والى عمرو بن العاص ، والى ابي موسى :
أما ما يرجع الى عليّ (عليه السلام)، فنذكرها بالترتيب :
1 ـ قول أهل اليمن له (عليه السلام): لا نرد ما دعاك القوم اليه قد أنصفك القوم والله لئن لم تقبل هذا منهم لا وفاء .
2 ـ فهمّ عليّ أن يُقدّم ابا الأسود الدؤلي فأبى الناس عليه .
3 ـ ان عليا قال : عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم .
4 ـ قول الخوارج له : يا عليّ أجِب الى كتاب الله اذ دُعيت اليه وإلا ندفعك برمّتك الى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان .
5 ـ قول عليّ الى الأشتر : ويحك يا يزيد قل له أقبِل اليّ فإن الفتنة قد وقعت .
6 ـ قال عليّ : فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا عصوني الآن .
7 ـ قال عليّ قد فعلتم فعلة ضعضعتْ قوة ، وأسقطت مُنة ، وأوهنتْ وأورثتْ وهنا وذلة .
8 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعليّ : أما أن لك مثلها وستأتيها وأنت مضطرّ .
9 ـ قال ابن عباس لابي موسى : فلا تنس ان عليا بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان .
10 ـ كتب اب وموسى الى معاوية : لم يكن منّي في عليّ إلا ما كان من عمرو فيك .
وأما ما يرجع الى معاوية :
1 ـ حتى انتهوا الى سرادق معاوية فدعا بالفرس وهمّ بالهزيمة .
2 ـ قول أبي الأسود : المهاجرون أولى بهذا الأمر أما الطلقاء ؟.
3 ـ قول عليّ (عليه السلام): فإن معاوةي وعمرا وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحاك ليسوا باصحاب دين ولاقرآن .
4 ـ قال علي : ويحكم أنهم ما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ... إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب .
5 ـ قال ابو موسى : أما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا ليس على الشرف يولاه أهله ... مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته عليّ بن أبي طالب ... فإني لم أكن لأولّيه معاوية وأدع المهاجرين الأولين .
6 ـ كتب أبو موسى اليه : ولن يُذهب الحق عجز عاجز ولا خدعة فاجر .
وأما ما يرجع الى عمرو بن العاص :
1 ـ قال معاوية : وأما نحن فصاحبنا عمرو بن العاص .
2 ـ قال عمرو : تأمر بالمصاحف فتُرفع في أطراف الرماح .
3 ـ ان معاوية وعمرا ... ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن .
4 ـ قال عليّ : يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين وليا وللمسلمين عدوا وهل تشبه إلا أمّك .
5 ـ قال ابو موسى : ما أصنع جامعني على أمر ثم نزع عنه ... ثم قال : إنما مثلك كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث .
6 ـ ثم أقبل عليه بانواع من الطعام يُشهّيّه بها ... ثم لم يُبق عهدا ولا موثقا ولا يمينا مؤكدة حتى حلف بها .
7 ـ فكان عمرو قد عوّد ابا موسى أن يقدّمه في كل شيء .
8 ـ يقول ابو موسى : حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق .
9 ـ كتب ابو موسى : لن يُذهب الحق خدعة فاجر .
10 ـ قال الامام الحسن (عليه السلام): فحكما بالهوى على الكتاب .
وأما ما يرجع الى ابي موسى :
1 ـ قال معاوية : ان الناس قد ملوا ولم يرضوا إلا رجلا لم تقيّة .
2 ـ ثم اجتمع أصحاب البرانس على أن يُقدموا ابا موسى .
3 ـ قال معاوية لعمرو أنك قد رُميت برجل طويل اللسان قصير الرأي .
4 ـ فقال الأشعث واولئك القوم الذين صاروا خوارج بعد : فانا قد رضينا بأبي موسى ، قال عليّ فإنكم قد عصيتموني .
5 ـ قال عليّ : فإنه ليس لي بثقة قد فارقني وخذلني .
6 ـ قال ابن عباس : أنت في خدعة ألم أقل لك لا تبدأه .
7 ـ قال سعد : ويحك يا ابا موسى ما أضعفك عن عمرو .
8 ـ قال عمرو له : مثلك مثل الحمار يحمل اسفارا .
9 ـ قال عبدالرحمن : لو مات الأشعري قبل هذا لكان خيرا له .
10 ـ وكان ابو موسى مغفّلا ، فقال إنا قد اتفقنا .
11 ـ فحمل شريح عليه فقنّعه بالسوط .
12 ـ قال ابو موسى : وكان بيني وبين عمرو شروط فلما رجع رجعت ويناسب ان نروي روايات فيه :
سير الأعلام : عن شقيق ، كنا مع حذيفة جلوسا ، فدخل عبدالله وابو موسى المسجد ، فقال : أحدهما منافق ، ثم قال : ان اشبه الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله (صلى الله عليه وآله) عبدالله . ( وهو ابن مسعود ) (18) .
ويروى : وكان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أسرّ الى حذيفة اسماء المنافقين (19) .
وفي الاستيعاب : كان عمر بن الخطاب يسأله عن المنافقين ، وهو معروف في الصحابة بصاحب سر رسول الله (20) .
ويروى الذهبي ايضا : فجاء ابن عباس الى عليّ ، فقال : علام تُحكّم ابا موسى ؟ لقد عرفت رأيه فينا فوالله ما نصرنا ، وهو يرجو ما نحن فيه ، فتُدخله الآن في معاقد امرنا مع أنه ليس بصاحب ذلك ، فاذا أبيت ان تجعلني مع عمرو فاجعل الأحنف بن قيس فإنه مجرّب من العرب وهو قِرن لعمرو . فقال : نعم .
فأبت اليمانية أيضا . فلما غُلب جعل ابا موسى (21) .
اقول : قد مرّ في الروايات السابقة جريان تحكيم أبي موسى ، وأن عليا امير المؤمنين (عليه السلام) حكّمه اجبارا من الخوارج ، فإنهم لم يرضوا إلا به .
_________________
(1) الإمامة والسياسة ج 1 ص 108 .
(2) نفس المصدر ص 109 .
(3) عقد الفريد ج 4 ص 346 .
(4) نفس المصدر ص 349 .
(5) تاريخ الطبري ج 6 ص 26 .
(6) تاريخ الطبري ج 6 ص 28 .
(7) نفس المصدر السابق ص 31 .
(8) خصائص النسائي ص 36 .
(9) تاريخ الطبري ج 6 ص 29 .
(10) الطبقات ج 4 ص 256 .
(11) عقد الفريد ج 4 ص 347 .
(12) تاريخ الطبري ج 6 ص 38 .
(13) تاريخ الطبري ج 6 ص 39 .
(14) البدء والتاريخ ج 5 ص 227 .
(15) عقد الفريد ج 4 ص 348 .
(16) نفس المصدر ص 349 .
(17) عقد الفريد ج 4 ص 350 .
(18) سير الأعلام ج 2 ص 282 .
(19) نفس المصدر ص 262 .
(20) الاستيعاب ج 1 ص 335 .
(21) سير الأعلام ج 2 ص 283 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|