يحتاج المؤمن لكثير من الحصون التي تحفظه من كيد ومكر إبليس – لعنه الله -الذي يريد جره الى المعاصي والذنوب، فالسعي لبناء حصون هو من أهم متطلبات سلامة النفس من الآثام وحفظ الإيمان من التزلزل، كما ويدعم الفرد المؤمن بالقوة والعزم الثابت لمواجهة عدوه اللدود الذي يسعى لجره الى نار جهنم – نعوذ بالله تعالى منها-.
جاء في كتاب الخصال للشيخ الصدوق – رحمه الله – عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:
قال إبليس: خمسة أشياء ليس لي فيهن حيلة وسائر الناس في قبضتي:
الأول: من اعتصم بالله عن نية صادقة واتكل عليه في جميع أموره،
الاعتصام بالله تعالى حصن لا يتخطاه ابليس اللعين ، و يفسر الاعتصام في مقامين : الأول : حال باطني، وهو شعور المؤمن بأن القادر الوحيد الذي يحميه من الشرور ويدفع عنه السوء والضر هو الله تعالى وحده لا غير ، والمقام الثاني: الاعتصام الفعلي، وهو التمسك بطاعة الله تعالى في كل ما أمر ونهى عنه دون تبعيض في الطاعة أو ذوقية في الانتقاء ! ، لينال شرف المعية الإلهية ويعصمه من فخاخ ومكائد إبليس . فالاعتصام اعتقاد وعمل لا مجرد لقلقة باللسان بينما القلب والسلوك ينافيان حقيقته! .
الثاني : ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره،
ذكر الله تعالى حصن مانع من اختراق الخواطر الشيطانية و الوسوسة ، و يعتبر التسبيح من أنواع الذكر ، وقد يراد بالتسبيح مطلق ذكر الله تعالى وليس فقط قول ( سبحان الله ) . ، والذكر : هو سلك الاتصال بين قلب المؤمن وحضرة الحق -عز اسمه- فالمؤمن الذاكر هو في حالة اتصال بالله تعالى الذي قال: (فاذكروني أذكركم) .، و إن غفلة العبد عن ذكر الله تعالى تجعله قرينا للشيطان فيستحوذ عليه ، فلا تتوقف في ليلك ونهارك عن التسبيح والذكر لله تعالى؛ فهو أشبه ببرنامج الـ ( Anti-Virus) في جهاز الحاسوب .
الثالث: ومن رضي لأخيه المؤمن بما يرضاه لنفسه،
أن ترضى لأخيك ما ترضاه لنفسك دليل على سلامة الصدر من الغل والحسد والحقد، وكفى بهذا حصنا يبتر حبال إبليس من أن تجر المؤمن الى التفكير بمضرة الآخرين أو التسبب في إدخال الهم والغم على إخوانه بدوافع أنانية، فالشيطان يذبحه التحاب والتواصل والتراحم فيما بين الأخوة والأصدقاء.
الرابع: ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه،
ضبط النفس في مواطن الفاجعة حصن عزيز يجعل الشيطان صاغرا ذليلا أمام من يمتلك هذه القوة في التجلد والتصبر أمام المواقف التي تهز مشاعر الإنسان بفقدان حبيب أو عزيز أو تلف مال أو ضياع ثروة أو خسارة في شيء نفيس وغال ، فمثلا نقرأ عن السيدة العالمة زينب ابنة أمير المؤمنين-عليها السلام- بعد مقتل أخيها وأهل بيتها في الحادثة الأليمة والفاجعة العظيمة في يوم عاشوراء، وأخذها هي وحرائر النبوة مسبيات إلى مجالس الطواغيت ، ولما أدخلن على ابن زياد ، قال لها متشفيا شامتا بمقتل سبط الرسول :كيف رأيت صنع الله بكم – قالت السيدة مقولتها الخالدة : ما رأيت إلا جميلا ، وهذا أرقى أنواع الصبر وعدم الجزع .
الخامس: ومن رضي بما قسم الله له ولم يهتم لرزقه
القناعة حصن من سوء الظن بالله تعالى، فالرضا بما قسم الله تعالى يجعل الفرد المؤمن في أمان من إلقاءات الشيطان ووسوسته فيما يخص الرزق من جهة سعته وضيقه وكثرته وقلته فما دام الله تعالى هو الذي بيده خزائن السموات والأرض؛ فإن خزائنه لا تنفد وعطاياه ليس لها منتهى، وكرمه لا حد له فلماذا القلق؟ وعلام الخوف من الافتقار؟ فلا تحزن لوسوسة الشيطان الذي يعد بالفقر والبؤس والله يعدنا منه رزقا ومغفرة ورحمة.