في الحياة الاجتماعية والأسرية تبرز شخصية الإنسان بحكم الاحتكاك مع الآخرين والتفاعل معهم ، ومتى ما استطاع أن يجعل شخصيته منسجمة مع الآخرين ويحقق احتراما متبادلا ، سيصفو له العيش وتطيب أوقاته في أي مجال ومكان سواء في العمل أو في المنزل أو مع الأصدقاء أو الجيران ، ومتى ما افتقد الانسجام في زاوية من زوايا العيش اضطرب البعد النفسي عند الإنسان وأحاطت به الهموم والمكدرات ، ولا تعود عليه تلك العلاقات إلا بما هو مر ونكد حتى قيل في المثل العراقي الشعبي: ( أكل مر ...واشرب مر ... بس لا تعاشر مر !!!) – وعبر عنها الحديث النبوي المنسوب لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالفواقر، أي الداهية التي تقصم فقرات الظهر، حيث قال: صلى الله عليه وآله:
(تعوذوا بالله من ثلاث فواقر: تعوذوا بالله من مجاورة جار سوء، إن رأى خيرا كتمه، وإن رأى شرا أذاعه؛ وتعوذوا بالله من زوجة سوء، إن دخلت عليها ألسنتك، وإن غبت عنها خانتك؛ وتعوذوا بالله من إمام سوء، إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر)
تأملوها أيها الأكارم: جار سوء! – زوج سيء، أو زوجة سيئة! – مدير أو رئيس عمل سيء !!
كل هذه العناصر هي من صميم علاقتنا الأسرية والاجتماعية التي نكون فيها على احتكاك يومي بهم، فكيف سيحلو العيش مع هذه النماذج؟
؛ لذا توجب على العاقل أن لا يتساهل في أن يقدم بسؤاله عن الجار قبل الدار، فالجار في شدة قربه ولصوقه واطلاعه على بعض الأمور التي تدور في المنزل كأنه أسرة ثانية فمن الابتلاء العظيم أن يصبح الجار مصدر قلق ويهدد راحة الإنسان في تتبع العثرات وإذاعة الأسرار والسعي إلى طمس الفضائل والخيرات.
كما ويتوجب على العاقل أن يحسن الاختيار بكثرة التفحص والتدقيق في من يريد الزواج منها أو تريد الاقتران به-فالأمر لا يفرق بين الرجل والمرأة - فالإنسان قد يبتلى بزوجة سليطة اللسان تؤذيه بقسوة حديثها وتمردها و تخونه في غيبته، أما بماله أو شرفها فهذا من أشد قواصم الظهر !
ومن أراد العمل في مؤسسة أو دائرة يتوجب عليه أن يعرف نظامها وقوانينها ومن يقف على رأس الهرم ويدير تلك الدائرة وماهي طبيعة تعامله مع موظفيه ومرؤوسيه قبل أن يوقع عقد العمل فإن بعض المدراء السيئين لاهم لهم سوى رصد الإخفاقات من الموظفين ومعاقبتهم أو يتجاهل منجزاته وما تميز به أداؤه أو يقلل من قيمته فلا يمتدحه ولا يسعى لمكافأته وإثابته.