حين يهمس الليل بأسراره على أرض الرافدين، ويضيق النهار بما فيه من صخبٍ وفوضى، تتسلل كلمات الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كنسيمٍ عليلٍ يربو فوق صخب العقول: "اتخذوا الشيطان لأمرهم ملكًا، واتخذهم له شركاء...". إنها كلمات تتسرب في الصدور قبل الآذان، تكشف عن سرٍّ قديمٍ، عن قلوبٍ صار فيها الطغيان سلطانًا، ولبس فيها الضلال ثوبَ البراءة.
في واقعنا اليوم، يرى المتأمل ما يشبه هذا المشهد: أرواحٌ تسللت فيها الشياطين البشرية، تتمايل بين الرغبة والهوى، تصنع من المظاهر أقنعة، ومن الكذب أعمدةً للحكم، ومن الغرور وسيلة للوصول إلى عروشٍ هشة، تتهاوى مع أول زلّة. والزلل هنا ليس حدثًا مفاجئًا، بل رحلة من التواطؤ والتزييف، رحلة بدأها أولئك الذين جعلوا مصالحهم الخاصة فوق دماء الناس .
إن الملك الذي اتخذه الشيطان في الخطبة، رمزٌ لكل سلطة تسكنها الأهواء، والذين صارت لهم صلة بالشياطين هم شركاء الشر، أولئك الذين يتحدثون بلسان الحق، وقلوبهم غارقة في الباطل، يزينون الفساد كمن يزين الذهب المزيف، ويغمسون المجتمع في أوحال الخداع، فيكاد الظل يبتلع النور.
أما المواطن العادي، فهو الشاهد الصامت على هذه المسرحية البائسة، يحلم بعراقٍ نظيفٍ من الشوائب، بعراقٍ يستعيد فيه العدل، ويشرق فيه النور على القلوب قبل الأراضي. خطبة الإمام تحذره من أن يكون قلبه سوقًا للباطل، ولسانه أداةً للزيف، وتدعوه إلى أن يظل يقظًا، صامدًا، حكيمًا، بعيدًا عن شرك الأهواء، متخذًا من الحق منهجًا ومن العدالة راية.
إن في هذه الخطبة مرآة لشياطينٌ تتكاثر في صدور الأجساد، وتحاكي العيون واللسان، فتسوس كل قولٍ وفعل .
فلتبقَ كلمات الحكيم سراجًا، ونبراسًا، ومرشدًا، ولنتعلّم أن الشيطان ليس مجرد رمز، بل كل فسادٍ يراكمه الإنسان في قلبه، وكل زللٍ يعتنقه باسم السلطة، وكل باطلٍ يُتحدث به وكأنه حق. وإن ظل الشعب يقظًا، صادقًا، مؤمنًا بالحق والعدل، فستظل شعلة الحقيقة متقدة، مهما طال الليل، ومهما استعرت رياح الفساد باسم الإصلاح .







وائل الوائلي
منذ 13 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN