كلمة العقيدة مشتقة من (العقْد) بمعنى الشدّ والربط والإحكام، وتصدق على الماديات والمعنويات وأيضا على الحقائق والاعتباريات، وفي قولنا لها نقصد ما يتصل بذهن الإنسان وروحه وفكره، وتقبّل الذهن لفكرة يعني شدّ الفكرة له وإحكام صلتها به وهذه الصلة تسمى عقدا والفكرة تسمى عقيدة.
ودور العقيدة أيّا كانت في حياة الإنسان تعتبر أساسا لتوجهاته وتكون صاحبة دور كبير على مستواه الفردي والإجتماعي، وبهذا نصل إلى نتيجة أن العقيدة الصحيحة السليمة تصحح الحياة والعقيدة الخاطئة المعاقة تُخطئها وتحرفها وتؤدي الأولى الى معرفة المصير والثانية الى جهل المصير وضياعه..
لذا اهتم الإسلام بتصحيح العقيدة قبل أي شيء آخر، ولا يوجد هنالك مدرسة فكرية اهتمت بالعقيدة كالمدرسة الإسلامية فاعتبرتها معيار تقييم الأعمال وأي عمل إن لم ينبعث عن عقيدة صحيحة فلا يخلو من إشكال -على أقل تقدير- في المأثور عن الإمام الباقر "ع" (لا يَنفَعُ مَعَ الشَّكِّ وَالجُحودِ عَمَلٌ) وبهذا فالأعمال صحةً وفائدةً مرتبطة بالعقيدة، - وسيأتي الكلام عن دور العقيدة في العمل كمحفز أو كمثبط - .
وأكد الإسلام أن أول ما يُسأل عنه الميت في قبره عن إلهه ودينه وأسوته ورائده وهنا نذكر قصة تربوية مفيدة نلتمس منها أهمية العقيدة في شتى الظروف:
روى المرحوم الشيخ الصدوق "رض" إنّ أعرابيًّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين "ع" ، فقال : يا أَميرَ المُؤمِنينَ ، أَتَقولُ إِنَّ اللهَ واحِدٌ ؟!
سؤال لم تكن له أيّ مناسبة في نظر المقاتلين، فلو أنّ سائلاً أراد أن يسأل عن شيء في ذلك الموقف فلابدّ أن يكون سؤاله مرتبطًا بالحرب ، لذا الكثير منهم اعترضوا عليه فلمّا رأى الإمام علي "ع" ذلك الأعرابي وسط وابل من الاعتراض تداركه بعبارة تاريخية وموعظة تعليمية عظيمة ، تعبّر بدقّة عن أهمّية البحوث العقائديّة ؛ حيث قال "ع" :
دَعوهُ ، فَإِنَّ الَّذي يُريدُهُ الأَعرابِيُّ هُوَ الَّذي نُريدُهُ مِنَ القَومِ !
كان بإمكان الإمام إحالة الجواب لفرصة اخرى أنسب من هذه الفرصة وهم في شدة الحرب إلاَّ أنّه لا أحالها ولا اعتذر عنها لضيق الوقت ، وإنّما رآها فرصةً ليعطي المسلمين درسًا ، قائلاً ما مضمونه:
اتركوا الأعرابي يسأل مسألته ، فنحن أيضًا لا هدف لنا من قتالنا ضدّ هؤلاء القوم إلاّ هذا ، نحن لا نهدف إلى التسلّط والاستغلال ، وإنّما هدفنا هو المعرفة والإدراك والتَّنَوُّر ، وما القتال إلاّ من أجل تحطيم السدود وإزالة العراقيل ورفع الحجب التي تمنع الحقيقة من أن تتجلّى عن نفسها ، ففلسفة الجهاد هي تحرير الإنسان من ربقة المعتقدات الموهومة ، وتهيئة المُناخ اللازم لتصحيح العقائد ، وازدهار المعتقدات العلمية الصحيحة .
لذلك أدار الإمام علي "ع" وجهه نحو الأعرابي وأجاب عن سؤاله في غاية الوقار والدقّة ، قائلاً :
يا أَعرابِيُّ ، إِنَّ القَولَ في أَنَّ اللهَ واحِدٌ عَلى أربَعَةِ أَقسام : فَوَجهانِ مِنها لا يَجوزانِ عَلَى اللهِ عزّ وجلّ ، ووَجهانِ يَثبُتانِ فيهِ ... إلخ.
ثمّ وضّح له الإمام ( عليه السلام ) الأقسام الأربعة قسمًا قسمًا وسيأتي عليها الكلام في المقالات القادمة حيث ستكون هذه سلسلة من المقالات لتوضيح بعض المفاهيم المرتبطة بالعقيدة الإسلامية ونسأل الله التوفيق والسداد.
25/9/1444







وائل الوائلي
منذ 17 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN