أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2016
3542
التاريخ: 6-4-2016
3418
التاريخ: 6-4-2016
2934
التاريخ: 5-6-2022
1794
|
وجه معاوية دعوة رسمية الى جميع الشخصيات الرفيعة فى العالم الإسلامى يدعوهم الى الحضور في دمشق ليفاوضهم في أمر البيعة ليزيد فلما حضروا عنده دعا الضحاك بن قيس الفهري سرّا وقال له : إذا جلست على المنبر وفرغت من بعض موعظتي وكلامي فاستأذنني للقيام فاذا أذنت لك فاحمد الله تعالى واذكر يزيد وقل فيه الذي يحق له عليك من حسن الثناء عليه ثم ادعني الى توليته من بعدي فاني قد رأيت وأجمعت على توليته فاسأل الله في ذلك وفى غيره الخيرة وحسن القضاء ؛ ثم دعا فريقا آخر من الأذناب والعملاء الذين هان عليهم دينهم فباعوه بأبخس الأثمان فأمرهم بتصديق مقالة الضحاك وتأييد فكرته وهم : عبد الرحمن بن عثمان الثقفي وعبد الله بن مسعدة الفزاري وثور بن معن السلمي وعبد الله بن عصام الأشعري فاستجابوا لدعوته ونزى معاوية على المنبر فحدث الناس بما شاء أن يتحدث به وبعد الفراغ من حديثه انبرى إليه الضحاك فاستأذنه بالكلام فأذن له فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أصلح الله أمير المؤمنين وأمتع به إنا قد بلونا الجماعة والألفة والاختلاف والفرقة فوجدناها ألمّ لشعثنا وأمنة لسبلنا وحاقنة لدمائنا وعائدة علينا فى عاجل ما نرجو وآجل ما نؤمل مع ما ترجو به الجماعة من الألفة ولا خير لنا أن نترك سدى والأيام عوج رواجع والله يقول : كل يوم هو في شأن ولسنا ندري ما يختلف به العصران وأنت يا أمير المؤمنين ميت كما مات من كان قبلك من أنبياء الله وخلفائه نسأل الله بك المتاع وقد رأينا من دعة يزيد بن أمير المؤمنين وحسن مذهبه وقصد سيرته ويمن نقيبته مع ما قسم الله له من المحبة في المسلمين والشبه بأمير المؤمنين في عقله وسياسته وشيمته المرضية ما دعانا الى الرضا به في امورنا والقنوع به في الولاية علينا فليوله أمير المؤمنين عهده وليجعله لنا ملجأ ومفزعا بعده نأوي إليه إن كان كون فانه ليس أحد أحق بها منه فاعزم على ذلك عزم الله لك في رشدك ووفقك في امورنا .
ودل هذا الكلام على أن صاحبه رجل سوء ونفاق فقد عمد الى سحق جميع القيم الإنسانية في سبيل أطماعه ومنافعه ؛ ولما فرغ الضحاك من مقالته انبرى من بعده زملاؤه فأيدوا مقالته وأخذوا ينسبون ليزيد فضائل المحسنين ويضفون عليه مواهب العبقريين ويطلقون عليه الألقاب الضخمة والنعوت الشريفة التي اتصف بعكسها وأخذوا يموهون على المجتمع أنهم إنما تكلموا من صالحه واسعاده وهم إنما أرادوا هلاكه وتحطيمه والقضاء على نواميسه ومقدساته وبعد ما انتهى حديث هؤلاء التفت معاوية الى الوفد العراقي ليسمع رأيه وكان شخصية الوفد الأحنف بن قيس حليم العرب وسيد تميم فطلب منه معاوية الرأي فى الأمر فقام الأحنف خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم التفت الى معاوية قائلا : أصلح الله أمير المؤمنين ان الناس قد أمسوا فى منكر زمان قد سلف ومعروف زمان مؤتنف ويزيد بن أمير المؤمنين نعم الخلف وقد حلبت الدهر أشطره يا أمير المؤمنين فاعرف من تسند إليه الأمر من بعدك ثم اعص أمر من يأمرك لا يغررك من يشير عليك ولا ينظر لك وأنت أنظر للجماعة وأعلم باستقامة الطاعة مع أن أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا : لقد منح الأحنف النصيحة الى معاوية وأرشده الى الحق فأشار عليه بعدم سماع أقوال المرتزقين الذين ينظرون الى صالح أنفسهم أكثر مما ينظرون لصالحه وبيّن له أن العراقيين والحجازيين لا يرضون بهذه البيعة ما دام حفيد الرسول وسبطه الأول حيا وقد اثارت هذه الكلمات غضب النفعيين والمرتشين الذين تذرع معاوية بهم الى تحقيق هدفه فقام إليه الضحاك بن قيس فندد بمقالته وشتم العراقيين وهذا نص كلامه : أصلح الله أمير المؤمنين إن أهل النفاق من أهل العراق مروءتهم في أنفسهم الشقاق والفتهم في دينهم الفراق يرون الحق على أهوائهم كأنما ينظرون بأقفائهم اختالوا جهلا وبطرا لا يرقبون من الله راقبة ولا يخافون وبال عاقبة اتخذوا ابليس لهم ربا واتخذهم ابليس حزبا فمن يقاربوه لا يسروه ومن يفارقوه لا يضروه فادفع رأيهم يا أمير المؤمنين فى نحورهم وكلامهم في صدورهم ما للحسن وذوي الحسن في سلطان الله الذي استخلف به معاوية في أرضه؟ هيهات لا تورث الخلافة عن كلالة ولا يحجب غير الذكر العصبة فوطنوا أنفسكم يا أهل العراق على المناصحة لإمامكم وكاتب نبيكم وصهره يسلم لكم العاجل وتربحوا من الآجل ؛ ولم نحسب أن العراق قد ذم بمثل هذا الذم الفظيع أو وصم بمثل هذه الامور ولكن العراقيين هم الذين جروا لأنفسهم هذا البلاء وتركوا هذا الوغد وأمثاله يحط من كرامتهم ويتطاول عليهم , وعلى أي حال فان الأحنف لم يذعن لمعاوية ولم يعتن بمقالة الضحاك فقد انبرى يهدد معاوية بإعلان الحرب إن أصرّ على تنفيذ فكرته قائلا : يا أمير المؤمنين إنا قد فررنا عنك قريشا فوجدناك أكرمها زندا وأشدها عقدا وأوفاها عهدا قد علمت أنك لم تفتح العراق عنوة ولم تظهر عليها قعصا ولكنك أعطيت الحسن بن علي من عهود الله ما قد علمت ليكون له الأمر من بعدك فان تف فأنت أهل الوفاء وإن تغدر تعلم والله إن وراء الحسن خيولا جيادا وأذرعا شدادا وسيوفا حدادا إن تدن له شبرا من غدر تجد وراءه باعا من نصر وإنك تعلم أن أهل العراق ما أحبوك منذ أبغضوك ولا أبغضوا عليا وحسنا منذ أحبوهما وما نزل عليهم فى ذلك غير من السماء وإن السيوف التي شهروها عليك مع علي يوم صفين لعلى عواتقهم والقلوب التي أبغضوك بها لبين جوانحهم وأيم الله إن الحسن لأحب لأهل العراق من علي ؛ لقد بالغ الأحنف فى نصح معاوية وذكر له تمسك العراقيين بولاء أهل البيت (عليه السلام) وان اخلاصهم للإمام الحسن أكثر من أبيه وهم على استعداد الى مناجزته إن نفذ بيعة يزيد وانطلق عبد الرحمن بن عثمان فندد بمقالة الأحنف وحرض معاوية على تنجيز مهمته قائلا له : أصلح الله أمير المؤمنين ان رأي الناس مختلف وكثير منهم منحرف لا يدعون أحدا الى رشاد ولا يجيبون داعيا الى سداد مجانبون لرأي الخلفاء مخالفون لهم في السنة والقضاء وقد وقفت ليزيد فى أحسن القضية وأرضاها لحمل الرعية فاذا خار الله لك فاعزم ثم اقطع قالة الكلام فان يزيد أعظمنا حلما وعلما وأوسعنا كنفا وخيرنا سلفا قد أحكمته التجارب وقصدت به سبل المذاهب فلا يصرفنك عن بيعته صارف ولا يقفن بك دونها واقف ممن هو شاسع عاص ينوص للفتنة كل مناص لسانه ملتو وفي صدره داء دوّى إن قال فشر قائل وإن سكت فذو دغائل قد عرفت من هم أولئك وما هم عليه لك من المجانبة للتوفيق والكلف للتفريق فاجعل ببيعته عنا الغمة واجمع به شمل الأمّة فلا تحد عنه إذا هديت له ولا تنش عنه إذا وقفت له فان ذلك الرأي لنا ولك والحق علينا وعليك اسأل الله العون وحسن العاقبة لنا ولك ؛ وصورت لنا هذه الكلمات ضميرا قلقا ونفسا أثيمة قد اعتنقت الشر وابتعدت عن الخير وانبرى معاوية يهدد من لا يوافقه على رغبته ليفرض على المجتمع الخضوع لفكرته والرضا ببيعة يزيد قائلا : أيها الناس : إن لإبليس إخوانا وخلاّنا بهم يستعد وإياهم يستعين وعلى ألسنتهم ينطق إن رجوا طمعا أو جفوا وإن استغنى عنهم أرجفوا ثم يلحقون الفتن بالفجور ويشققون لها حطب النفاق عيابون مرتابون إن ولوا عروة أمر حنقوا وإن دعوا الى غي أسرفوا وليسوا أولئك بمنتهين ولا بمقلعين ولا متعظين حتى تصيبهم صواعق خزي وبيل وتحل بهم قوارع أمر جليل تجتث اصولهم كاجتثاث اصول الفقع فأولى لأولئك ثم أولى فانا قد قدما وأنذرنا إن أغنى التقدم شيئا أو نفع النذر ؛ بمثل هذا الإرهاب الفظيع الذي لم يعهد له نظير تذرع معاوية الى تحقيق فكرته ثم استدعى الضحاك بن قيس فولاه الكوفة جزاء لكلامه بعد هلاك المغيرة واستدعى عبد الرحمن فولاه الجزيرة وقام يزيد بن المقفع رافعا عقيرته قائلا : أمير المؤمنين هذا وأشار الى معاوية ؛ ثم قال : فإن هلك فهذا وأشار الى يزيد ؛ ثم قال : فمن أبى فهذا وأشار الى السيف ؛ فاستحسن معاوية كلامه وقال له : اجلس فأنت سيد الخطباء وأكرمهم!! بهذا اللون من الإرهاب فرض معاوية ابنه الفاسق الفاجر خليفة على المسلمين فلولا السيف لما وجد الى ذلك سبيلا ؛ ولما رأى الأحنف بن قيس تصميم معاوية على فكرته وعدم تنازله عنها انبرى إليه قائلا : يا أمير المؤمنين : أنت أعلمنا بليله ونهاره وبسره وعلانيته فان كنت تعلم أنه خير لك فوله واستخلفه وإن كنت تعلم أنه شر لك فلا تزوده الدنيا وأنت صائر الى الآخرة فانه ليس لك من الآخرة إلا ما طاب واعلم أنه لا حجة لك عند الله إن قدمت يزيد على الحسن والحسين وأنت تعلم من هما وإلى ما هما وإنما علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير .
ولم يعتن معاوية بمقالة الأحنف ونصحه ولم يفكر في مصير المسلمين إذا استخلف عليهم ولده قرين الفهود والمدمن على الخمور وأخذ معاوية ولده يزيد فأجلسه فى قبة حمراء وبايعه بولاية العهد وأمر الناس بمبايعته وأقبل بعض العملاء فسلم عليهما ثم أقبل على معاوية فقال له : يا أمير المؤمنين : اعلم انك لو لم تول هذا وأشار الى يزيد أمور المسلمين لأضعتها .
فالتفت معاوية الى الأحنف : ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟
فقال : أخاف الله إذا كذبت وأخافكم إذا صدقت.
قال : جزاك الله على الطاعة خيرا ؛ وخرج الأحنف فلقيه ذلك الرجل بعد أن أجزل له معاوية بالعطاء فقال للأحنف معتذرا من مقالته : يا أبا بحر : إني لأعلم ان شر من خلق الله هذا وابنه يعنى معاوية ويزيد ولكنهم استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال فليس يطمع في استخراجها إلا بما سمعت ؛ لقد أحدث معاوية بهذه البيعة المشومة صدعا في الإسلام وقد صور لنا الشاعر الموهوب عبد الله بن هشام السلولي بمقطوعته الرائعة جزعه وجزع خيار المسلمين من خلافة يزيد بقوله :
فان تأتوا برملة أو بهند نبايعها أميرة مؤمنينا
إذا ما مات كسرى قام كسرى نعد ثلاثة متناسقينا
فيا لهفا لو أن لنا ألوفا ولكن لا نعود كما عنينا
لقد ذعر المسلمون في جميع أقطار الأرض من هذا الحادث الخطير لأن الخلافة عندهم ليست كسروية ولا قيصرية حتى تورث بل أمرها شورى بين المسلمين يختارون لخلافتهم من أحبوا وذلك عند الجمهور من أبناء السنة والجماعة وأما عند الشيعة فإنها حق شرعي لأمير المؤمنين وأولاده الطيبين كما نصّ النبي (صلى الله عليه واله) على ذلك ؛ ومهما يكن من شيء فإن معاوية بعد ما أخذ البيعة ليزيد من أهل دمشق رفع مذكرة الى جميع عماله يطلب فيها أخذ البيعة ليزيد من جميع المواطنين واستجاب جميع عماله لذلك سوى مروان بن الحكم فإنه قد ورم أنفه لصرف الأمر عنه وهو شيخ الأمويين بعد معاوية وتوجّه فورا بحاشيته الى دمشق فلما مثل عند معاوية انبرى إليه وهو مغيظ قائلا : أقم الامور يا ابن أبي سفيان واعدل عن تأميرك الصبيان واعلم أن لك من قومك نظراء وأن لك على مناوءتهم وزراء ؛ فاندفع إليه معاوية يخادعه قائلا له بناعم القول : أنت نظير أمير المؤمنين وعدته في كل شديدة وعضده والثاني بعد ولي عهده ؛ ثم أعطاه ولاية العهد حيلة منه ومكرا وأخرجه من عاصمته مكرما فلما وصل الى يثرب عزله عن منصبه وجعل مكانه سعيد بن العاص وقيل الوليد بن عاقبة وكتب إليه أن يأخذ البيعة من أهل المدينة لولده إلا انه فشل أخيرا فى أداء مهمته فقد أصرت الجماهير على رفض دعوة معاوية وعدم طاعته في شأن خليفته الجديد خصوصا الشخصيات الرفيعة من أبناء المهاجرين والأنصار فإنهم قد شجبوا ذلك وأعلنوا سخطهم وإنكارهم على معاوية فإنهم كانوا يحقرون يزيد ويأنفون أن يعد في مصافهم ، فضلا عن أن يكون خليفة عليهم.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|