المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 8996 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
رسالة من لسان الدين إلى سلطان تونس
2024-08-31
مخاطبات بين ابن البناء ولسان الدين
2024-08-31
مخاطبات بين لسان الدين وابن الجياب
2024-08-31
ترجمة النباهي
2024-08-31
رسالة من النباهي للسان الدين
2024-08-31
ترجمة عبد العزيز أبي سلطان
2024-08-31

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


مسؤولية المبلغ . . وعظمة عاشوراء  
  
254   04:10 مساءً   التاريخ: 2024-07-18
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص317-332
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

بمناسبة أيام عاشوراء يوجد أمران مهمان ، أرجو أن تتأملوا فيهما بعمق :

للعلامة الحلي أعلى الله مقامه كتابان : التبصرة ، ألفه لعامة الناس ، والتذكرة ألفها للفقهاء . وطبيعي أن لا يكون حديثي إليكم التبصرة وأنتم تحضرون هذا البحث ، وأكثركم والحمد لله من العلماء ، وعدة منكم أساتيذ السطوح العالية وبحوث الخارج .

المطلب الأول : ما هو واجبكم في موسم عاشوراء ؟

عاشوراء لها حكم ربيع القلوب ، فكما أن الأرض في الربيع تستعد لإنبات النبات وتنميته ، فإن قلوب الناس تستعد في موسم عاشوراء لتقبل بذور الحكمة والموعظة الحسنة ، ومن المهم جداً أن نستفيد من ربيع قلوب الناس من أجل تربيتها . . فماذا يجب عمله ؟

لقد عين الله تعالى في كتابه واجبنا بقوله تعالى : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَر مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ . ( سورة التوبة : 122 ) ، فواجبكم أمران : التفقه في الدين ، والإنذار ، وإنه لا يصح ولا يناسب أن نملأ وقت الناس بالقصص ومواد الجرائد ، فواجبنا تجاه أنفسنا التفقه ، وتجاه الناس الإنذار : رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( سورة النساء : 165 ) ، فلابد أن نقتدي في دعوة الناس إلى الله تعالى بالأنبياء عليهم السلام ، يعني أن تتعلموا مخاطبة الناس من طريقة مخاطبه الله تعالى لهم .

للقرآن في تربية البشر طريقتان : إحداهما التخويف من المسؤولية والمستقبل والثانية بعث الرجاء والأمل في نفوسهم .

فلماذا نرى التأثير في الناس قليلاً ، وتطبيقهم للأحكام الشرعية قليلاً ؟

إن السبب يكمن في تبليغنا وخطابنا للناس عندما لا يكون على أساس صحيح ، فنحن لم نستفد كما ينبغي من طريقة الرسل والأنبياء عليهم السلام في تحريك الفطرة التي فطر الله الناس عليها !

إن طريق تربية الناس توجب أولاً أن نتفقه نحن ! أرجو أن تتأملوا أن كلمة ( تفقُّه ) من باب ( التفعل ) الذي يعني قبول الفقه ، وأن تكون شخصية أحدكم بلون الفقه ، لا أقصد اللون الظاهري فقط ، بل أن يرسخ الفقه في الأعماق ، فينعكس لونه على الشخصية . فإن حصلتم على هذه المرحلة ، فقد حصلتم على التفقه . وإذا صار الإنسان متفقهاً ، فمحال أن لا يحدث في سلوكه تحول !

إن فقه الدين حالة إذا رسخ في فكر الإنسان وصار له خلقاً ، فإن نفسه تتغير لا محالة ، وإذا تغيرت نفسه نحو الكمال ، فقد آن الوقت الذي يكون فيه منذراً ، وحينئذ لابد أن يؤثر في الناس ويغيرهم .

المتفقه في دينه عندما يقول للناس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شئ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ . ( سورة الحج : 1 - 2 ) فإنه يحدث انقلاباً في القلوب بإنذاره !

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ، ثم : وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ .

من روايات الإمام الحسن العسكري عن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله أنه قال :

( من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا ، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به ، جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور ، يضئ لجميع أهل العرصات ، وحلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ، ثم ينادي مناد : يا عباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد ، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان . فيخرج كل من كان علَّمه في الدنيا خيراً ، أو فَتَحَ عن قلبه من الجهل قفلاً ، أو أوضح له عن شبهة ) . ( الاحتجاج للطبرسي : 1 / 7 )

من كان عالماً بشريعتنا . . هذا قول أمير المؤمنين عليه السلام . فالشرط هو العلم بالشريعة ، وكلمات الأئمة عليهم السلام تحتاج إلى دقة عالية لفهمها ، فقد استعمل الإمام هنا لفظ ( الشريعة ) وهي ولفظ ( المشرعة ) من جذر واحد ! وعند التأمل فيهما نفهم معنى : من كان عالماً بشريعتنا ، فمثل هذا الشخص يستطيع أن يخرج ضعفاء شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله من ظلمة جهلهم ، إلى نور العلم الذي تعلمه من أهل بيت النبوة عليهم السلام .

معنى هذه الجملة أنكم عندما تجلسون على منبر الخطابة والتبليغ ، فلا تطعموا الناس المساكين ما يلوكه زيد وعمرو ، وما يتجشأه هذا وذاك ! وليكن ما تقدمونه لهم علماً ينبع من عين معين القرآن المبين والعترة الطاهرة ، فبهذا الزلال فقط تحيون قلوب الناس .

من كان عالماً بشريعتنا . . ثم أخرج الناس من جهالتهم إلى نور علمنا ، فما هو جزاؤه ؟ ما جزاء تبليغكم في عاشوراء وغيرها ، إن أتقنتموه ؟

إن إتقانه بثلاثة أمور :

أن تعلموهم خيراً .

وأن تكسروا قفل الجهل عن ضعفاء شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله .

وأن تدفعوا شبهات أهل الريب التي يلقونها في قلوب الشيعة .

ولا بد أن تؤدوا هذه الأمور الثلاثة مستضيئين بنور علمهم عليهم السلام . وعند ذلك يكون جزاؤكم عندما تبعثون للمحشر أن يضع الله تعالى على رأس الواحد منكم تاجاً : من نور ، يضئ لجميع أهل العرصات ! والجزاء أيضاً : حلة لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ! هذا واجبكم في عاشوراء .

والمطلب الثاني : أن تُفهموا الناس ما هي عاشوراء ؟ ومن هو صاحب عاشوراء ؟ ونقصد بذلك قدر استطاعتنا من الفهم ، وإلا فلا يمكن أن ندعي أننا نفهم عاشوراء وصاحب عاشوراء صلوات الله عليه ، لا أنا ولا أنتم ولا ملايين من أمثال الشيخ الأنصاري ، والطوسي ، والعلامة ، أعلى الله مقامهم .

إنها قضية بلغت من أهميتها وعظمتها أن الإنسان مهما زاد تبحره في المعقول والمنقول ، لم يرجع من الغور فيها إلا بالإكبار والحيرة والذهول !

وأكتفي بعدة كلمات من مصادر الخاصة والعامة المتقنة ، لتعرفوا أن قضية الإمام الحسين عليه السلام فوق الوصف والتقرير ! بل إن ذلك الغلام الأسود الذي استشهد معه ، فوق وصفنا وبياننا ! لأنه بلغ مقاماً أن سيد المرسلين وخاتم النبيين يحضر من عالمه الأعلى بنفسه فيحفر له قبره ويدفنه !

نعم ، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله الشخص الأول في عوالم المخلوقات ، لكنه هو الذي يتولى حفر قبر أصحاب الحسين سلام الله عليه ، ورضوان الله عليهم ! !

إنها عظمة قضية كربلاء ، وعظمة الحسين عليه السلام وأصحابه !

فلنفكر في هذا الأمر ، وفيما يستلزمه !

والأمر الثاني أن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وصلوا إلى مرتبة بحيث أن جبرئيل قال للنبي صلى الله عليه وآله إن الله تعالى بنفسه يقبض أرواحهم !

فما هذا المقام ؟ ! الذي بلغ أن الله يقبض أرواحهم وليس عزرائيل عليه السلام !

والنبي صلى الله عليه وآله يحفر لهم ويدفنهم !

هذا عن أصحاب الحسين ، أما عن مقام الحسين نفسه عليه السلام فإني أورد لكم رواية من مصادر العامة صححها كبارهم ، تدل على أن قضية الحسين أعظم من كل ما ذكرناه ! فقد رواها إمام الحنابلة في مسنده ، والحاكم النيشابوري في مستدركه ، وآخرون من أئمة السنة ، كالخطيب ، وابن كثير ، وابن الأثير ، وابن حجر . وغرضي هنا فقه المطلب وإلا فالأحاديث والآثار كثيرة ، لكن المهم إدراك دقائق المعاني وفقه الحديث .

( قال ابن عباس : رأيت رسول الله في المنام نصف النهار أشعث أغبر ، معه قارورة فيها دم ، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم ! قال عمار : فأحصينا ذلك اليوم فوجدناه قد قتل فيه ) .

وقال ابن الأثير في تاريخه ( ج 1 ص 582 طبعة إحياء التراث - بيروت ) : ( قال ابن عباس : رأيت النبي الليلة التي قتل فيها الحسين ، وبيده قارورة يجمع فيها دماً فقلت : يا رسول الله ما هذا ؟ فقال : هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى الله تعالى ) ! . انتهى .[1]

أرجو أن تنتبهوا ، فإن أحاديث النبي والأئمة صلى الله عليه وآله فيها دقائق ، فقد وردت عبارة : ( كنت ألتقطه ) في رواياتهم التي صححوها وهي تعبير فيه رمز عجيب ! لأن مادة التقط تستعمل في اللغة لالتقاط الضائع ، وجمع المتفرق المنثور من سلكه ومجمعه ، فماذا يعني دم الحسين وأصحابه ؟ ولماذا يجمع النبي صلى الله عليه وآله دم الحسين عليه السلام ، وكيف يمكن جمعه ؟ ولماذا عبر عن جمعه بالإلتقاط ، ولماذا قام هو بالإلتقاط ؟ والى أين يريد أن يأخذ دمهم الطاهر المسفوك ؟

الجواب عن هذا السؤال الأخير بكلمة عجيبة ، نقلها هذا العالم السني الكبير والمؤرخ ابن الأثير ونقلها غيره أيضاً ، لكن لا أظنهم فقهوا معناها قال :

( قال النبي صلى الله عليه وآله : أرفعها إلى الله تعالى ) ! يعني أن هذه الدماء لا تذهب إلى الجنة ولا إلى اللوح ولا إلى القلم ، فمكانها أرفع من ذلك ! دم الحسين ، ومعه دم العباس قمر بني هاشم ، ودم علي الأكبر ، ودم القاسم بن الحسن ، وبقية الأنصار ، لا بد أن يسلمها النبي صلى الله عليه وآله بيده إلى حيث تصل إلى خالقها عز وجل الذي هو مبدأ الوجود والخلق ! فما معنى ذلك ، وما هو فقهه ؟

خلاصة معناه أن النبي صلى الله عليه وآله يقول لنا : أيها البشر ، إن الشجرة التي غرستها ببعثتي إليكم ، قد أزهرت وأثمرت ، وها أنا أجمع زهورها وثمارها لأسلمها إلى الله تعالى !

هذه هي عاشوراء ، فلا تصغروا قدر هذه الواقعة الكبرى . اتقوا الله تعالى ومحارمه وشعائره ، واحذروا العقاب إن صغرتم شأنها !

إن قضية الحسين وعاشوراء قضية عظيمة ، إلى حد أن أبي بن كعب كان عند النبي صلى الله عليه وآله عندما دخل عليه الحسين ، فرحب به النبي صلى الله عليه وآله وقال له : مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين ! فتعجب أبيٌّ من احترام النبي لهذا الطفل وتكنيته له ، ووصفه له بأنه زين السماوات كلها وزين الأرضين كلها ! فقال للنبي صلى الله عليه وآله : وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرضين أحد غيرك ؟

قال : يا أبيُّ ، والذي بعثني بالحق نبياً ، إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل : مصباح هدى وسفينة نجاة . . .[2]

فالمسألة فوق صفته بأنه زين السماوات والأرض ، فقد كتبت على يمين العرش صفته أنه : مصباح هدى وسفينة نجاة ! فلماذا كتب في العرش أن الحسين سفينة نجاة ؟ وما هي فلسفة ذلك ؟ لابد أن نجد سر القضية وأساسها ، ومع أن التاريخ قد عمل على تغطية هذا السر وإخفائه ، لكن مضي العصور يكشف الكثير من مخبآت التاريخ ، فقد وصل أمر انكشاف بني أمية إلى حد أن عالماً شيخ الأزهر مثل محمد عبده ، يعلن رسمياً ويكتب أن دولة بني أمية قامت من أجل محو الإسلام كلياً ! ومعناه أن أمثال محمد عبده فهموا أن أصل خطة بني أمية كانت من أجل هذا ! لكن من المبكر أن يصل أمثال محمد عبده إلى كنه القضية ، فهل يمكنكم أنتم أن تصلوا ؟ !

إن هداية البشرية ، أو صرح هدايتها له علة محدثة وعلة مبقية ، كبناء هذا المسجد له علة محدثة وعلة مبقية . والعلة المحدثة لهداية البشر هي بعثة الأنبياء صلوات الله عليهم ، من نبي الله آدم إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله .

والعلة المبقية إنما هي الولاية الكبرى ، ولاية الأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام . فالحسين عليه السلام علة مبقية ولهذا كان زين السماوات والأرضين ! فالنبوة والإمامة معاً به باقيتان !

نعم ، نفهم ذلك عندما نتأمل في أن جماعة عملوا بمساندة اليهود والنصارى فتركوا جنازة النبي صلى الله عليه وآله مسجاة بيد أهل بيته ، وائتمروا بسرِّية وعجلة وأعلنوا تشكيل حكومة باسم النبي والإسلام ، وعزلوا أهل بيته !

ثم سرعان ما ظهر هدف ترتيباتهم السياسية فأوصلت قيادة الأمة الإسلامية إلى يد عثمان بن عفان الأموي ، ثم إلى معاوية ويزيد ، اللذين عملا بكل قدرتهما لتحقيق فكرة أبي سفيان بضرورة زوال اسم النبي صلى الله عليه وآله عن المآذن !

لقد ظهر أن هدف السقيفة أن يجلس على كرسي النبي صلى الله عليه وآله شخص مثل يزيد الذي شهد أئمتهم أنه كان لا يصلي ، ويشرب الخمر وينكح البنات والأخوات والأمهات ، فيرسل جيشاً إلى المدينة بقيادة شخص مثله ، ويأمره أن يرتكب فيها مجزرة ، فيقتل ثلاثة آلاف من أهلها وفيهم بقية الصحابة ، ويبيحها لجيشه للنهب والعدوان ثلاثة أيام ، وتدخل خيولهم مسجد النبي صلى الله عليه وآله ويرتكب جنوده القتل والسرقة والزنا قرب قبر النبي صلى الله عليه وآله ![3]

كانت هذه الأعمال مدروسة بجدية ، من أجل محو الإسلام ! يعني محو ذكر كل الأنبياء عليهم السلام ، ثم محو كل جهود أمير المؤمنين عليه السلام لإحياء الإسلام وإعادة العهد النبوي !

إن الحسين عليه السلام أحيا الدين كله من آدم إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وأحيا علياً عليه السلام إلى آخر الدهر ! فهذه هي نتائج عمله صلوات الله عليه !

في كامل الزيارات ص 222 : ( حدثني محمد بن عبد الله الحميري ، عن أبيه ، عن هارون بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن الأشعث ، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول : قبر الحسين بن علي عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً ، روضة من رياض الجنة ، وفيه معراج الملائكة إلى السماء ، وليس من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله أن يزوره ، ففوج يهبط وفوج يصعد ) !

وما ذلك إلا لأنه أحيا دين كل الأنبياء عليهم السلام .

والمسألة فوق هذا أيضاً . . ونقول ذلك لكي تعرفوا واجبكم في إقامة عزاء الحسين عليه السلام وتعظيم مقامه ، فكل ما نقوم به من ذلك ليس إلا يسيراً ، فالواجب الشرعي أن تحفظ الشعائر الحسينية بكل قوة وحسم ، وأن تكون في كل سنة أفضل من التي قبلها ! نعم ، المسألة بهذا المستوى . . لماذا ؟

لأن أساس عاشوراء إذا صار واهناً توجه الخطر إلى الدين كله ، فإن بقاء الدين بعاشوراء ، وبقاء توحيد الله تعالى مرتبط بيوم عاشوراء ! إقرؤوا هذا التعبير وافهموا معنى : وبذل فيك مهجته ! فقد بذل عليه السلام روحه من أجل بقاء توحيد الله تعالى ، فإحياء ذكراه وتعظيمها ، تعظيم للتوحيد .

روى في كامل الزيارات ص 278 ، بسند قوي عن الإمام الصادق عليه السلام ( حدثني أبي رحمه الله وعلي بن الحسين وجماعة مشايخي رحمهم الله ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن زيد الشحام قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما لمن زار قبر الحسين ؟ قال : كان كمن زار الله في عرشه . قال قلت : ما لمن زار أحداً منكم ؟ قال : كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله ) ! !

يا أبا عبد الله الحسين ، صلوات الله عليك .

ماذا فعلت حتى صار ثواب زيارتك كمن زار الله في عرشه ؟ !

بينما ثواب الذي يزور أمير المؤمنين عليه السلام كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ !

ماذا فعلت . . فجعلت من كربلاء عرش الله ، وزيارتك فيها زيارة الله ؟ !

ماذا فعل أبو عبد الله . . حتى روى ابن طاووس أن أخته زينب عندما هرعت إلى مقتله وأقبل الشمر ليحز رأسه ، قال لأخته : إرجعي إلى الخيمة ، فأطاعته ورجعت ، وسمعت وهي راجعة ضحكة أبي عبد الله الحسين عليه السلام !

هذا هو العمل الذي عمله أبو عبد الله الحسين : بذل فيك مهجته !

روحي لك الفداء يا من أعطيت روحك وأنت مبتسم ، وهويت إلى الأرض وأنت تقول : بسم الله وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله .

السلام عليك يا أبا عبد الله ، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك .

( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ) .

 

[1] في أمالي الطوسي ص 315 ، عن ابن عباس : ( فلما كانت الليلة رأيت رسول الله في منامي أغبر أشعث ، فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه ؟ فقال لي : ألم تعلم أني فرغت من دفن الحسين وأصحابه ) . انتهى .

ولا يصح للمخالف الإشكال علينا كيف يقبض الله تعالى روح الحسين عليه السلام وأصحابه بيده بدون توسيط عزرائيل ، لأن شبيه هذا التكريم ورد عندهم لمن يقرأ سورة يس . . ففي كنز العمال : 1 / 569 ، عن أبي أمامة : من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان الرب الذي يتولى قبض روحه بيده ، وكان بمنزله من قاتل عن أنبياء الله ورسله حتى يستشهد - ابن السني ، والديلمي ) .

والرواية التي أوردها الأستاذ في تاريخ ابن الأثير : 1 / 582 ، وفي طبعة أخرى : 3 / 38 ، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر : 14 / 237 ، ورواها ابن كثير في البداية والنهاية : 8 / 218 ، والصالحي في سبل الهدى والرشاد : 11 / 75 ، وابن الدمشقي في المناقب : 2 / 298 ، والغزالي في الإحياء : 4 / 507 ، وكلها فيها : أرفعه إلى الله عز وجل ، وفي بعض مصادرهم : أرفعه إلى السماء . ولكن أكثر مصادرهم روتها إلى قوله صلى الله عليه وآله : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم ، ولم ترو بعدها : أرفعها إلى الله عز وجل . وفي مسند عبد بن حميد ص 235 : لم أزل إلتقطهم قد منذ اليوم .

ومن أبرز الذين رووا ها الحديث أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده : 1 / 242 وص 283 ، وقال عنه في مجمع الزوائد : 9 / 193 : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح . ورواية الطبراني في المعجم الكبير : 3 / 110 و : 12 / 143 .

ورواه ابن كثير في النهاية : 6 / 258 ، وقال عنه في : 8 / 218 : تفرد به أحمد وإسناده قوي .

وكذلك رواه أحمد في فضائل الصحابة : 2 / 778 ، وص 781 ، وفي 784 .

ومن أبرزهم الحاكم في المستدرك : 4 / 398 ، وفيه : فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم . وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . وقال المقريزي في إمتاع الأسماع : / 1 / 241 : ( قال الحاكم والذهبي : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ) .

وكذلك رواه الخطيب في تاريخ بغداد : 1 / 152 ، وابن عساكر في تاريخ دمشق : 14 / 237 ، و : 14 / 237 ، وابن الأثير في أسد الغابة : 2 / 22 ، وابن حجر في الإصابة : 2 / 71 ، وابن كثير في النهاية : 6 / 258 ، و : 8 / 218 ، والمناوي فيض القدير : 1 / 265 ، وابن العديم في تاريخ حلب : 6 / 2634 ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ص 572 . والذهبي في سيره : 3 / 315 ، وقال في هامشه : أخرجه أحمد : 1 / 283 ، والطبراني : 28 / 22 ، وسنده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في البداية : 8 / 200 وهو في تهذيب ابن عساكر : 4 / 343 . ونقله ابن نما الحلي في مثير الأحزان ص 62 عن تاريخ البلاذري . وفي نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 218 : ( دم الحسين وأصحابه ، ولم أزل أتتبعه منذ اليوم ! فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم ، رواه الإمام أحمد . وفي رواية . . . قال : دم الحسين أرفعه إلى السماء .

ورواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 208 ، عن البيهقي في الدلائل ، وقال قبله : وأخرج الترمذي عن سلمى قالت دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت ما يبكيك ؟ قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب ! فقلت : مالك يا رسول الله ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفاً ! ) . انتهى .

وقال الأميني رحمه الله في سيرتنا وسنتنا ص 148 : ( قال السيد الشيخاني في الصراط السوي بعد روايته حديث أحمد المذكور : وفي رواية لأحمد : أن ابن العباس كان في قائلة فانتبه وهو يسترجع ففزع أهله ، فقالوا : ما شأنك ما لك ؟ قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله وهو يتناول من الأرض شيئاً . فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا الذي تصنع ؟ قال : دم الحسين أرفعه إلى السماء ) . انتهى .

وهذا يوجب الشك في إسقاطهم العبارة من نسخة أحمد المطبوعة !

وفي مناقب آل أبي طالب : 3 / 236 : ( وفي أثر ابن عباس : رأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه بعد قتل الحسين وهو مغبر الوجه حافي القدمين باكي العينين ، وقد ضم حجزة قميصه إلى نفسه ، وهو يقرأ هذه الآية : وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ . وقال : إني مضيت إلى كربلاء والتقطت دم الحسين من الأرض وهو ذا في حجري ، وأنا ماض أخاصمهم بين يدي ربي ) .

[2] في عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 62 ، قال : ( حدثنا أبو الحسن علي بن ثابت الدواليبي رضي الله عنه بمدينة السلام ، سنه اثنتين وخمسين وثلاث مأة قال : حدثنا محمد بن علي بن عبد الصمد الكوفي قال : حدثنا علي بن عاصم ، عن محمد بن علي بن موسى ، عن أبيه علي بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي أبي طالب عليه السلام قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أبي بن كعب فقال لي رسول الله : مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرضين . قال له أبيُّ : وكيف يكون يا رسول الله زين السماوات والأرضين أحد غيرك ؟ قال : يا أبيُّ والذي بعثني بالحق نبياً ، إن الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل : مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام خير ويمن ، وعز وفخر ، وعلم وذخر ، وإن الله عز وجل ركب في صلبه نطفة طيبة مباركة زكية ، ولقد لقن دعوات ما يدعو بهن مخلوق إلا حشره الله عز وجل معه ، وكان شفيعه في آخرته ، وفرج الله كربه ، وقضى بها دينه ، ويسر أمره ، وأوضح سبيله ، وقواه على عدوه ، ولم يهتك ستره . فقال له أبي بن كعب : وما هذه الدعوات يا رسول الله ؟

قال : تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد : اللهم إني أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك ، وسكان سمواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي ، فقد رهقني من أمري عسراً ، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي من أمري يسراً . فإن الله عز وجل يسهل أمرك ويشرح صدرك ويلقنك شهادة أن لا إله إلا الله عند خروج نفسك . قال له أبيّ : يا رسول الله فما هذه النطفة التي في صلب حبيبي الحسين ؟ قال : مثل هذه النطفة كمثل القمر ، وهي نطفه تبيين وبيان ، يكون من اتبعه رشيداً ومن ضل عنه هوياً ) . انتهى .

[3] وفي الموفقيات للزبير بن بكار ص 575 : ( عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال : دخلت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه فيتحدث معه ، ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لأمر حدث فينا ، فقلت : مالي أراك مغتماً منذ الليلة ؟ فقال : يا بني ، جئت من أكفر الناس وأخبثهم . قلت : وما ذاك ؟ ! قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً فإنك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه ، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه ؟

فقال : هيهات هيهات ! أي ذكر أرجو بقاءه ؟ ! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل : أبو بكر . ثم ملك أخو عدي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلا أن يقول قائل : عمر . وإن أخا هاشم ليصاح به كل يوم خمس مرات : أشهد أن محمداً رسول الله ! ! فأي عمل يبقى ؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا ، لا أباً لك ؟ لا والله إلا دفناً دفناً ! ) انتهى . ورواه المسعودي في مروج الذهب : 3 / 454 ، وفي شرح النهج : 5 / 130

وفي طبقات ابن سعد : 5 / 66 : ( أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ، عن أبيه قال : وأخبرنا بن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسان قال : وحدثنا سعيد بن محمد عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم ، عن عمه عبد الله بن زيد ، وعن غيرهم أيضاً ، كل قد حدثني قالوا : لما وثب أهل المدينة ليالي الحرة فأخرجوا بني أمية عن المدينة ، وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه ، أجمعوا على عبد الله بن حنظلة فأسندوا أمرهم إليه فبايعهم على الموت وقال : يا قوم اتقوا الله وحده لا شريك له ، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ! إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسناً ، فتواثب الناس يومئذ يبايعون من كل النواحي ، وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلا المسجد . . الخ . ! !

وفي هامش سير أعلام النبلاء : 4 / 228 ، عن ابن حزم في كتابه جوامع السيرة ص 357 ما نصه : ( أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى مكة حرم الله تعالى ، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار يوم الحرة ، وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام وخرومه ، لأن أفاضل المسلمين وبقية الصحابة ، وخيار المسلمين من جلة التابعين قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً ، وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراثت وبالت في الروضة بين القبر والمنبر ! ! ولم تصلَّ جماعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا كان فيه أحد ، حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد ، ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان ، ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري بأنه مجنون لقتله ! وأكره الناس على أن يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له ، إن شاء باع ، وإن شاء أعتق ! وذكر له بعضهم البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله ، فضرب عنقه صبراً ! وهتك مسرف أو مجرم الاسلام هتكاً ، وأنهب المدينة ثلاثاً ، واستخف بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومدت الأيدي إليهم وانتهبت دورهم !

وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى ، فحوصرت ورمي البيت بحجارة المنجنيق ، تولى ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل الشام ، وذلك لأن مجرم بن عقبة المري مات بعد وقعة الحرة بثلاث ليال ، وولي مكانه الحصين بن نمير !

وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر ، فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد من شهرين ، وانصرفت الجيوش عن مكة ) . اه‍ . انظر : معجم البلدان : 2 ص 249 والطبري ، والكامل ، والبداية ، وتاريخ الاسلام ، في أحداث سنة 63 وجوامع السيرة لابن حزم 357 - 358 .

وفي لسان الميزان : 6 / 294 : ( ثم إن أهل المدينة خلعوا يزيد في سنة ثلاث وستين ، فجهز إليهم مسلم بن عقبة المري في جيش حافل فقاتلهم فهزمهم ، وقتل منهم خلقاً كثيراً من الصحابة وأبنائهم ، وسبى أكابر التابعين وفضلاؤهم ، واستباحها ثلاثة أيام نهباً وقتلاً ، ثم بايع من بقي على أنهم عبيد ليزيد ، ومن امتنع قتل ! !

ثم توجه إلى مكة لحرب ابن الزبير فمات في الطريق ، وعهد إلى الحصين بن نمير فسار بالجيش إلى مكة فحاصر ابن الزبير ونصبوا المنجنيق على الكعبة ، فوهت أركانها ثم احترقت ، وفي أثناء ذلك ورد الخبر بموت يزيد ) . ونحوه في الإصابة : 6 ص 232

وفي نهاية ابن كثير : 8 / 239 - 241 : ( قالوا : وقد بلغ يزيد أن ابن الزبير يقول في خطبته : يزيد القرود ، شارب الخمور ، تارك الصلوات ، منعكف على القينات . . .

ثم أباح مسلم بن عقبة ، الذي يقول فيه السلف مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاث أيام كما أمره يزيد لا جزاه الله خيراً ، وقتل خلقاً من أشرافها وقرائها وانتهب أموالاً كثيرة منها ، ووقع شر عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد . فكان ممن قتل بين يديه صبراً معقل بن سنان ، وقد كان صديقه قبل ذلك ، ولكن أسمعه في يزيد كلاماً غليظاً فنقم عليه بسببه ) !

وقال الحافظ ابن عقيل في النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ص 62 :

( نقل أبو جعفر الطبري في تاريخه ، وابن الأثير في الكامل ، والبيهقي في المحاسن والمساوي ، وغيرهم أن معاوية قال : ليزيد إن لك من أهل المدينة ليوماً ، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة ( هو الذي سمي مسرفاً ومجرماً ) فإنه رجل قد عرفت نصيحته . اه‍

عرف معاوية أن مسلماً لا دين له ، فأمر يزيد أن يرمي به أهل المدينة ، وقد فعل يزيد ما أمره به أبوه ، وفعل مسلم بأهل المدينة ما أريد منه ، حيث قال له يزيد : يا مسلم لا تردن أهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم ، فسار بجيوشه من أهل الشام فأخاف المدينة واستباحها ثلاثة أيام بكل قبيح ، وافتضت فيها نحو ثلاثمائة بكر ، وولدت فيها أكثر من ألف امرأة من غير زوج ، وسماها نتنة وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وآله طيبة ، وقتل فيها من قريش والأنصار والصحابة وأبنائهم نحو من ألف وسبعمائة وقتل أكثر من أربعة آلاف من سائر الناس ، وبايع المسلمين على أنهم عبيد ليزيد ! ومن أبى ذلك أمَرَّهُ مسلم على السيف ! إلى غبر ذلك من المنكرات !

قال المحدث الفقيه ابن قتيبة رحمه الله في كتاب الإمامة والسياسة ، والبيهقي في المحاسن والمساوي ، واللفظ للأول قال : أبو معشر دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل من مال ؟ قالت : لا والله ما تركوا لي شيئاً ، فقال : والله لتخرجن إلَّي شيئاً أو لأقتلنك وصبيك هذا ! فقالت له : ويحك إنه ولد أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولقد بايعت رسول الله يوم بيعة الشجرة على أن لا أسرق ولا أزني ، ولا أقتل ولدي ، ولا آتي ببهتان أفتريه ، فما أتيت شيئاً ، فاتق الله ! ثم قالت له : يا بني والله لو كان عندي شئ لافتديك به ! قال فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه في الأرض ! قال فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثلاً .

وأمثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه كثيرة ، فمسلم في هذا كله منفذ لأمر يزيد ، ويزيد منفذ لأمر معاوية ! فكل هذه الدماء وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين عليه السلام ومن معه في عنق معاوية أولاً ، ثم في عنق يزيد ثانياً ، ثم في عنق مسلم وابن زياد ثالثاً ، أفبعد هذا يتصور أن يقال لعله تاب ورجع ؟ ! كلا والله ، ولقد صدق من قال : أبقى لنا معاوية في كل عصر فئة باغية ، فهاهم أشياعه وأنصاره إلى يومنا هذا يقلبون الحقائق ويلبسون الحق بالباطل ! ( وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) .

أخرج مسلم في صحيحه : ( من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) . انتهى .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.