المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6234 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



مداراة الناس ورعاية الآداب الاجتماعيّة.  
  
1032   12:48 صباحاً   التاريخ: 2023-12-19
المؤلف : السيد عادل العلويّ.
الكتاب أو المصدر : طالب العلم والسيرة الأخلاقيّة.
الجزء والصفحة : ص 147 ـ 158.
القسم : الاخلاق و الادعية / آداب / آداب العلم والعبادة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-19 1042
التاريخ: 23-3-2022 1322
التاريخ: 25-9-2016 1503
التاريخ: 2023-12-19 994

قال الله سبحانه وتعالى:

{خُذِ العَفْوَ وَأمُرْ بِالعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجاهِلينَ(1).

{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ في الأمْرِ(2).

{فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ الُمحْسِنينَ(3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بالفرائض».

«جاء جبرائيل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد، ربّك يقرئك السلام ويقول لك: دارِ خلقي».

«مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش».

«إنّ الأنبياء إنّما فضّلهم الله على خلقه بشدّة مداراتهم لأعداء دين الله، وحسن تقيّتهم لأجل إخوانهم في الله».

«ثلاث من لم يكنّ فيه لم يتمّ له عمل: ورعٌ يحجزه عن معاصي الله، وخلقٌ يداري به الناس، وحلمٌ يردّ به جهل الجاهل».

يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام):

«المداراةُ أحمدُ الخِلالِ».

«ثمرة العقل مداراة الناس».

«رأس الحكمة مداراة الناس».

«مداراة الرجال من أفضل الأعمال».

«دارِ الناس تأمن غوائلهم وتسلم من مكائدهم».

«سلامة الدين والدنيا في مداراة الناس».

«من دارى أضداده أمن المحارب».

سُئل الرضا (عليه السلام): ما العقل؟ قال: التجرّع للغصّة، ومداهنة الأعداء، ومدارة الأصدقاء.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ قوماً من قريش قلّت مداراتهم للناس فنفوا من قريش، وأيم الله ما كان بأحسابهم بأس، وإنّ قوماً من غيرهم حسنت مداراتهم فاُلحقوا بالبيت الرفيع، ثمّ قال: من كفّ يده عن الناس، فإنّما يكفّ عنهم يداً واحدة ويكفّون عنه أيادي كثيرة» (4).

طالب العلم يمثّل بزيّه وسلوكه زيّ وسلوك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والناس يتقرّبون إليه ويتبرّكون به ويقتدون بفعله ويهتدون بعمله وقوله، فهو الاُسوة والقدوة، والقائد الناجح الموفّق من كان يحمل صدراً رحباً وسيعاً، وخُلقاً سمحاً، وروحاً لطيفة شفّافة، وأحاسيس ظريفة مرهفة، يحسّ آلام الناس ويعيش مشاكلهم وقضاياهم، ويشاورهم في الأمر، يفتح لهم صدره ويستقبلهم بثغر باسم، ووجه بشوش، وقلب عطوف رؤوف.

فلا بدّ له أن يراعي شعور الناس ويداريهم بخير مداراة، فإنّ التودّد إلى الناس نصف العقل، وربما يضيّع علمه بسوء خلقه، وحتّى أهله وعياله لا بدّ لهم حفظاً لمقام والدهم من مراعاة الآداب والأحكام الشرعيّة.

فحسن الخلق ورعاية آداب المعاشرة والقضايا الاجتماعية أصل مهمّ في حياة طالب العلم، وكان سلفنا الصالح يبالغون في حفظ ذلك، ورعاية حال الناس لا سيّما الفقراء والمحرومين.

يقول شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ فاضل اللنكراني دام ظلّه: رافقت اُستاذي آية الله العظمى السيّد البروجردي عليه الرحمة إلى المياه المعدنيّة في مدينة محلاّت، وهي تنفع لعلاج آلام العظام والمفاصل، وكان السيّد الاُستاذ مصاباً بألم في رجله. بقينا هناك عدّة أيّام وكان الناس يزورون السيّد بشوق ولهفة، فأمر السيّد بشراء كمّية من الأغنام وذبحها وتوزيع لحمها بين الفقراء، وعزلوا شيئاً من اللحم لطعام الظهر يعملون منه كباباً للسيّد، وحينما وضعوا الكباب في المائدة اكتفى السيّد بخبز ولبن وخيار، ولم يأكل من الكباب، قالوا للسيّد بأنّ الفقراء أخذوا سهمهم، وهذا من حقّكم. فأجاب السيّد: من المستحيل أن آكل من كباب استنشق رائحته الفقراء، فتركنا أكل الكباب احتراماً للسيّد واُعطي للفقراء مرّة اُخرى.

قيل لبعض العرفاء المرتاضين: إنّ رجلا من المتصوّفة بلغ في ترويضه لنفسه إلى حدّ أنّه يمشي على الماء! فقال العارف: وكذلك يفعله الضفدع. فقيل له: وإنّ واحداً منهم يطير في الهواء! فقال: وكذلك يفعله الذباب. قيل له: ومنهم من يسير من بلد إلى بلد في لحظة بطيّ الأرض! فقال: وكذلك يفعل الشيطان، يسير من المشرق إلى المغرب، ثمّ قال: ليس بهذه الأشياء قيمة الرجل، بل الرجل كلّ الرجل مَن كان يخالط الناس بحسن ويعاشرهم بمعروف ويخدمهم ولا يغفل عن الله طرفة عين.

وإليك ما فعله العلاّمة آية الله السيّد محسن العاملي صاحب (أعيان الشيعة)، فإنّه كان يمشي خلف جنازة أحد كبار علماء السنّة في سوق الحميديّة بالشام، ثمّ صلّى عليه في المسجد الاُمويّ، ثمّ أقبل الناس يقبّلون يد السيّد. فسُئل السيّد: كيف هؤلاء السنّة يقبّلون يدك؟ فأجاب: هذه ثمرة حسن معاشرتي مع الناس لمدّة عشرة أعوام، فإنّي لمّـا قدمت إلى الشام حرّض بعض الجهلة أشدّ الأعداء عليّ، فكان أطفالهم يرمونني بالحجارة، وأحيانا يجرّوا عمامتي من الخلف، ولكنّي صبرت على الأذى وعاملتهم بلطف وإحسان، وشاركت في تشييع جنائزهم، وعدت مرضاهم، وتفقّدت أحوالهم، كنت أبتسم معهم دائماً اُظهر لهم حناني، إلى أن استبدلوا العداء بالمحبّة (5).

وهاك ما فعله العلاّمة المجلسي (قدس سره) عندما التجأ إليه أحد المؤمنين بأنّ جاره من المطربين وشقاوات إصفهان يؤذيه في الليالي، فطلب منه العلاّمة أن يدعوهم إلى العشاء ويحضر هو أيضاً، ولمّـا دخل المطربون المجلس وجدوا في زاوية الدار العلاّمة المجلسي، فتعجّب من حضوره، فجلس بجواره، فأراد أن يسخر من العلاّمة ليضحك أصحابه عليه فقال: يا شيخ، سجاياكم أفضل أم سجايانا؟ فإنّا وإن كنّا من الفاسقين إلاّ أنّ لنا صفة وسجيّة تفقدونها أنتم المؤمنون. فقال العلاّمة: وما هي؟ فقال: نحن معاشر الشقاوات من أخلاقنا أنّه إذا أكلنا من طعام أحد لا نكسر مملحته ولا نخونه (كنايةً عن رعاية الذمّة والملح وعدم الخيانة بمال وناموس مَن يأكلون زاده). فقال له الشيخ: لا تصدق في كلامك. فغاض الشقيّ وقال: أنا وأصحابي كلّنا ملتزمون بهذه السجيّة، فإمّا أن تثبت خلاف ذلك وإلاّ ... فأجابه العلاّمة: يا هذا، ألست طيلة عمرك تأكل ملح الله وزاده وتكسر المملحة وتخالفه وتعصيه؟! ما أن سمع الرجل هذه الكلمة التي خرجت من الأعماق إلاّ وارتعدت فرائصه وأمر حاشيته بالخروج من المجلس، وعند السحر أتى العلاّمة مع جماعته، وقال له: يا شيخ، حتّى الفجر فكّرنا في مقولتك هذه، فوجدنا الحقّ معك وكسرنا المملحة، وهذه ليست من شيمتنا، والآن أتيناك تائبون مستغفرون، فهل لنا توبة؟ فرحّب بهم العلاّمة، واهتدى هو وأصحابه على يديه، فحسن حالهم (6).

وقد دخل سارق بيت أحد العلماء، فأخذ يفتّش في كلّ زاوية من البيت فلم يجد شيئاً، فلمّـا همّ بالخروج ناداه العالم: إنّك جئت في طلب الدنيا فليس عندنا منها شيء، فهل تريد من الآخرة؟ فقال السارق: نعم، فاحتضنه العالم وعلّمه التوبة حتّى أسفر الصباح، وبعد الصلاة ذهب إلى المسجد للدرس، فسأل التلامذة عن الرجل، فأجاب: أراد أن يصيدني ولكنّي اصطدته فجئت به إلى المسجد، وهكذا أصبح السارق من التائبين المؤمنين.

وما أجمل المنطق الذي تحلّى به شيخنا الأعظم الأنصاري، حينما اجتمع تجّار بغداد يوماً وجمعوا من أموالهم مبلغاً، فجاؤوا به إلى الشيخ وقالوا: هذا المال ليس من الحقوق الشرعيّة (الخمس والزكاة)، إنّما هو تبرّع وهديّة منّا إليك لتحسن به معيشك وترتاح في أواخر عمرك. رفض الشيخ ذلك وقال: يؤسف عليّ بعد عمر من مواساة الفقراء أن أعيش غنيّاً في آخر العمر، فيمحى اسمي من قائمة الفقراء، وأتخلّف عن مكانتهم السامية التي أعدّها الله لهم يوم القيامة في جنّة عرضها السماوات والأرض (7).

وإليك هذه الحكاية الرائعة عن سلوكيّة مرجع من مراجعنا العظام:

حكى أحد العلماء: كنت جالساً قرب تلّ الزينبيّة وبجانبي رجلٌ واقف، وفي الأثناء وقعت عيني على المرحوم آية الله العظمى السيّد أبي الحسن الإصفهاني أكبر مرجع زمانه للشيعة، قد خرج مع مرافقيه من حرم الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، والتفتّ فجأة إلى الرجل الذي كان واقفاً عندي فرأيته انطلق منفعلا نحو السيّد الإصفهاني وهو يقول بصوت عال: «سوف أشتمه بئس شتيمة» وبعد دقائق رأيته عاد باكياً عليه آثار الخجل والندامة! سألته عن السبب لهذه المفارقة بين الموقف الأوّل وهذا الموقف؟ فأجاب: لقد شتمت السيّد حتّى باب منزله، وعند الباب طلب منّي الانتظار، فرجع وبيده مبلغاً من المال، أعطاني ذلك وقال لي: راجعنا لدى كلّ مضيقة تعترضك، إذ أخشى أن تراجع غيرنا فلا يقضي حاجتك، ولي إليك حاجة، هي أنّني أتحمّل كلّ شتيمة موجّهة إليَّ شخصياً، ولكن أرجوك ألا تشتم عرضي وأهل بيتي، فإنّي لا أتحمّل ذلك (8). وبمثل هذا الخلق الرفيع تغيّر الرجل.

وأمّا سيّدنا الاُستاذ آية الله العظمى السيّد النجفي المرعشي (قدس سره)، فأتذكّر يوماً أنّه حينما كان صدّام اللعين يقصف مدينة قم المقدّسة وأكثر مدن إيران بالصواريخ والقذائف، وقد خرج أهالي قم من المدينة خوفاً ورعباً وحفظاً للنفوس، بقي سيّدنا لابثاً مع من كان، وكان يركب من قبل السيارة من داره إلى الحرم الشريف لأداء صلاة الجماعة، ولكن في تلك الأيّام العصيبة، على كبر سنّه وشيخوخته، كان يأتي إلى الحرم الشريف في مواعيد الصلاة مشياً على الأقدام، فسئل عن ذلك؟ فأجاب: اُريد أن يراني الناس حتّى تطمئنّ القلوب ويرتاح البال ولو جزءاً يسيراً.

كنت جالساً في غرفته بجواره، فدخل عليه رجل طاعن في السنّ من عوامّ الناس، فقال بعد السلام والترحيب: سيّدي، اُعرّفك بنفسي، أنا غلام الدلاّك، وأودّ أن أذكر لك قصّة من حياتك، كنت دلاّكاً في حمّـام عامّ، وكنت أيّام شبابك تأتي مع أولادك الصغار السيّد محمود والسيّد جواد إلى ذلك الحمّـام، فدخلتم يوماً ورأيت أطفالا فسألتني عنهم، فأخبرتكم أنّهم أيتام، فقلت لأولادك لا تنادوني بكلمة (بابا) رعايةً لمشاعر هؤلاء اليتامى، ثمّ أعطيتني نقوداً لأشتري لهم لوازم قرطاسية لمدرستهم، فاشتريت لهم ذلك. أجل، لم يكن بينه وبين الناس حاجب، كان بابه مفتوحاً دائماً للوافدين والمراجعين، رجالا ونساءً، لا أنسى تلك الساعة التي كنت عنده قبل رحلته بيومين حينما دخلت عليه عجوز لأداء خمسها، فطلبت منه أن يشفع لها يوم القيامة، فقال (قدس سره): إن كنت من أهل الشفاعة سأشفع لكِ. كان شفيقاً بأعدائه، فكيف لا يداري أحبّائه وأصدقائه؟

حدّثني يوماً عمّـا جرى عليه من حسّاده وأعدائه، حيث كان يأتمّ به عشرات الصفوف في الصحن الشريف، وآل الأمر إثر وشاية الأعداء وسعاية الحسّاد أن يأتمّ به نفرٌ قليلٌ من المؤمنين، فصبر وقاوم حتّى عادت الاُلوف تصلّي خلفه. قال: في تلك الأيّام المرّة دخلت مجلساً، كان فيه شخص من المعمّمين، فجلست بجنبه، ولكن من شدّة عداوته أدار ظهره عليَّ أمام الناس، فهضمت ذلك في نفسي واحتسبتها لله، وحينما أردت الخروج، من حيث لا يشعر ألقيت في حجره بعض المال، وبعد هذا كان يحدّث الناس أنّه في تلك الليلة لم يكن عنده شيء من المال وكان في حيرة، وأنّه من كراماته قد وجد مالا في حجره، ولم يشعر أنّه أنا الذي وضعت في حجره المال. كان يقضي حوائج الناس بالمقدار الممكن، ولا تثني عزيمته كبر سنّه، ولا الأمراض والأسقام، ولا الهموم والأحزان، ولا القيل والقال، بل بكلّ صلابة وقوّة وحول من الله سبحانه يقاوم المصاعب والمشاكل. فكان خير مثال للخلق الاجتماعي، وأفضل آية للآداب الاجتماعية ومداراة الناس، وبمثل هؤلاء الفقهاء العظام وعلمائنا الكرام نقتدي ونتأسّى في رعاية حقوق الآخرين، وملاطفة الناس، وإدارة شؤونهم، بثغر باسم، ووجه بشوش، وصدر رحب، وقلب وسيع، وأخلاق رفيعة، وسجايا حميدة، نتقرّب إلى الله سبحانه بذلك، ولنا اُسوةٌ حسنة برسول الله (صلى الله عليه وآله): {وَإنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظيم(9).

الله الله في مداراة الناس، والتواضع في المجتمع، فما أعظم الإمام الخميني، مع علوّ مقامه الشامخ يتواضع للمجاهدين في الجبهات قائلا: اُقبّل أياديكم وسواعدكم، لأنّ الله معها، وأفتخر بذلك.

ويقول سماحته مخاطباً نوّاب مجلس الشورى الإسلامي: فكّروا جميعاً بالناس دائماً، هؤلاء هم عباد الله، هؤلاء هم الذين يقتلون الآن على الحدود، هم الذين يواجهون صعوبات الحرب، وهم الذين تشرّدوا، وهم يعيشون في هذه الأماكن وهذه الخيم دون أبسط المقوّمات، هؤلاء هم عباد الله وهم أفضل، هم أفضل منّي، ويحتمل أن يكونوا أفضل منكم، فلماذا لا نفكّر بهم دائماً.

كان يقول (قدس سره): «أنا طلبة» أي طالب علم، أنا خادم الناس، لا تقولوا لي قائداً، يا ليتني كنت أحد حرّاس الثورة الإسلامية.

وهذا الآخوند الخراساني المحقّق الكبير كان متواضعاً جدّاً خصوصاً مع أهل العلم، كان يبادر أصغر الطلاّب بالسلام، ويقف لهم في المجالس احتراماً، كان يجلّ أهل العلم كثيراً. وعندما يطرق أحد الطلبة داره بعد منتصف الليل ليرسل خادمه معه إلى قابلة لوضع حمل زوجته، فيأبى الآخوند على أنّ الخادم نائم وأنا شخصيّاً أذهب معك، فيذهب معه حاملا الفانوس ينتقل معه من زقاق إلى زقاق حتّى قضى حاجته.

وهذا الشيخ الأنصاري الشيخ الأعظم كان يداري الناس ويعاملهم معاملة جميلة، لا سيّما طلاّب العلوم الدينية، في بعض الأيّام كان يتأخّر عن وقت الدرس المحدّد، فسُئل عن سبب ذلك؟ فأجاب: أحد السادة الهاشميّين يحبّ دراسة العلوم الدينيّة، وفاتح بذلك عدّة أشخاص ليدرّسوه المقدّمات، إلاّ أنّ أحداً منهم لم يوافق، واعتبروا أنّ شأنهم أجلّ من أن يتصدّوا لهذا الدرس، وقد تولّيت تدريسه.

رأى أحد زوّار أمير المؤمنين (عليه السلام) المقدّس الأردبيلي في الطريق ولم يعرفه، وكان ذلك الزائر يبحث عمّن يغسل له ثيابه، فقال للمقدّس: خذ ثيابي واغسلها وائتني بها، فأخذها وغسلها وجاء بها ليدفعها إليه، فعرف بعض من كان بما جرى، فعاتب ذلك الزائر وأنكر عليه، فقال المقدّس (قدس سره): ولِمَ تلومه، وماذا حدث؟ إنّ حقوق المؤمن على المؤمن أكثر من هذا بكثير.

كان العلاّمة الشيخ محمّد جواد البلاغي (رحمه الله) يتواضع لله، فكان يذهب بنفسه إلى السوق ويشتري ما يحتاجه ويحمله في الشارع والزقاق كسائر الناس، ولم يكن يرضى أبداً أن يساعده أحد في شؤونه، وكان يقول: المرء أولى بحمل متاعه ـ كما ورد في الخبر الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) ـ.

كان مراجعنا الكرام من تواضعهم يصدّرون أسمائهم في التوقيع بقولهم: الأحقر، أقلّ الطلاّب، وكان صدر المتألّهين يكتب بعض الفقراء من الاُمّة المرحومة.

كان آقا رضا الهمداني، ذلك الرجل المحقّق الكبير، من شدّة تواضعه يقوم للطلاّب جميعهم حتّى في أثناء الدرس، وكان يشتري لوازم بيته بنفسه، ويعيش بين الناس، وهكذا رجال الدين اقتداءً برسول الله من الناس وإلى الناس ومع الناس، كان فينا كأحدنا، من دون امتياز واستعلاء، بل في خدمة الناس، فخير الناس من نفع الناس، تقرّباً إلى الله تعالى، وبهذا يمتاز طالب العلم في سيرته الأخلاقية عن الباقين.

فرجل الدين يحمل هموم الناس: (حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنينَ رَؤوفٌ رَحيمٌ).

فيعاملهم معاملة الأب العطوف الذي يتمنّى لأبنائه الصالحين السعادة الأبديّة.

ويشهد التأريخ أنّ أنفع الناس للناس، وأشدّهم خدمةً لهم، يشاركونهم في أفراحهم وأحزانهم بعد الأنبياء والأوصياء هم العلماء، فإنّهم تحمّلوا المشاقّ والصعاب وواجهوا التحدّيات وأنواع الجور والظلم والجنايات، وبذلوا جهوداً جبّارة في خدمة الناس وحلّ مشاكلهم، وفي سبيل تحريرهم من نير الفقر والظلم، وإحياء القيم الإلهية والإنسانية، ووضع إصر الأغلال عن الناس. فالعالم جماهيريّ العقليّة والروح، يكنّ بين أضلعه حبّ الناس.

كان والدي (قدس سره) حينما تسأله والدتي عن كثرة لقائه بالناس ليل نهار، فكان في خدمتهم حتّى منتصف الليل، فأجابها تكراراً: من حين لبسنا هذا الزيّ ـ العمّة والعباءة ـ فإنّا وقف للناس، وصاحب الزمان (عليه السلام) يرضى منّا بذلك.

كان الشيخ زين العابدين المازندراني من أوتاد الأرض، يروي ولده أنّه يوماً جاءته امرأة بعد صلاة المغرب، وبعد سويعة تحرّك والدي وذهب إلى بيت، فطرق الباب فخرج صاحب مقهى، ما أن رأى الشيخ إلاّ انحنى على يده يقبّلها، فأمره الشيخ أن يرجع زوجته، فعرفنا أنّ الرجل قد طلّق زوجته مع أنّ لها أولاد وأخرجها من المنزل، فاستنجدت بالشيخ ليتوسّط لها مع زوجها، فرجع إليها.

وعندما طغى الماء في كربلاء خرج الشيخ من المدينة وبدأ بنقل التراب بعباءته ليضعه في طريق الماء، فعندما رأى الناس ذلك من الشيخ خرجوا جميعاً ينقلون التراب، فأقاموا سدّاً بقي لعدّة سنوات.

كان الشيخ الأعظم كاشف الغطاء يرهن بيته من أجل الفقراء والمساكين، وكان الشيخ الأنصاري آية في مساعدة الفقراء والمحرومين، كان يصلّي استئجاراً ليسهّل عليهم إمرار المعاش ولقمة العيش.

فيا طالب العلم، الله الله بمداراة الناس وخدمتهم، لا سيّما البؤساء والفقراء، فهم عيال الله سبحانه وتعالى، فكن مباركاً ومنشأً للخيرات والمبرّات والمشاريع الخيريّة والاجتماعية، وعند الله الحساب، جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار ورضوان الله أكبر، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وليتنافس المتنافسون.

فرجل الدين كالأنبياء دائماً يفكّر في الناس، ويعيش مثل أفقرهم.

من طريف ما يحكى عن حياة السيّد الإمام (قدس سره)، أنّه عندما كان قبيل انتصار الثورة الإسلامية في إيران كان في ضاحية باريس، وظهرت أزمة نفط في إيران، فلم يعد باستطاعة الناس تدفئة بيوتهم إلاّ بمشقّة وعسر، قال الإمام: اتركوا غرفتي بدون تدفئة مواساةً للناس (10).

 وجاءه شخص وقال له: إنّ عباءتي ممزّقة فساعدني، فتناول الإمام عباءته وقال له: اُنظر إنّ عباءتي أيضاً ممزّقة.

كان صاحب المعالم ابن الشهيد الثاني (رحمهما الله) لا يدّخر أبداً ما يزيد على قوته لمدّة اُسبوع، مواساةً للفقراء والمحتاجين وحرصاً على عدم التشبّه بالأثرياء.

وكان صدر المتألّهين يقول: حيث إنّ قسماً من الذنوب ينشأ من كثرة الأكل والاهتمام بالبطن، فيجب التقليل من الطعام، وكان دائماً يردّد بيتاً لسعدي ـ الشاعر الإيراني ـ مضمونه: (أبقِ داخلك خالياً من الطعام، لترى فيه نور المعرفة).

كان يعيش البساطة، وكان يتحدّث مع الناس مباشرةً ومن دون حاجب وكاتب.

بلغ زهد الوحيد البهبهاني حدّاً بحيث أنّ ثيابه كانت من (الكرباس الردي) ـ نوع من القماش ينسج باليد ـ وغالباً ما كانت زوجته المكرّمة هي تهيّؤها وتنسجها، ولم يكن يرغب أبداً بألبسة الدنيا وأقمشتها.

لم يبالِ أبداً بجمع زخارف الدنيا التي كانت في متناول أصغر طلاّبه وبأدنى التفاتة منه، اعتزل الذين يكنزون الذهب، اجتنب معاشرتهم ومحادثتهم، وكان يأنس بالفقراء ويواسيهم في مأكلهم وملبسهم، وكان يطلب من اُسرته أن يراعوا ذلك لكي يقتدي الناس به وبعائلته، ولا ينتقدوا اُسرة الروحانيين، كما نرى ومع كلّ الأسف هذه الظاهرة الخطرة على الحوزة والعلماء والدين في مجتمعنا الحاضر.

اللهمّ أصلح كلّ فاسد من اُمور المسلمين، ووفّقنا وعوائلنا للزهد والعلم النافع والعمل الصالح.

 

________________

(1) الأعراف: 99.

(2) آل عمران: 159.

(3) المائدة: 13.

(4) الروايات من ميزان الحكمة 3: 238.

(5) قصص وخواطر: 127.

(6) قصص العلماء: 233.

(7) قصص العلماء: 198.

(8) قصص وخواطر: 222.

(9) القلم: 4.

(10) سيماء الصالحين: 385، وفي هذا الكتاب قصص نافعة وكثيرة، اُوصي الطلاّب بمطالعته ولو تكراراً كما فعلت. ومثله كتاب (قصص العلماء) للمحقّق التنكابني، و (قصص وخواطر).

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.