المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأنزيمات المحللة للسليلوز Cellulolytic Enzymes
17-10-2017
Egon Sharpe Pearson
17-8-2017
طاقة النهر
7/9/2022
طيب الكلام
2024-08-26
أنواع القصور التشريعي في أحكام قانون الانضباط وأهمية معالجته
2023-11-09
ابو العبـاس السفاح
27-6-2017


هل يعيد التاريخ نفسه  
  
2625   12:10 صباحاً   التاريخ: 20-4-2021
المؤلف : الشيخ محمّد مهدي شمس الدين
الكتاب أو المصدر : حركة التاريخ عند الإمام علي (ع)
الجزء والصفحة : ص75-87
القسم : التاريخ / التاريخ والحضارة / التاريخ /

* هل يعيد التاريخ نفسه؟

من البديهي أنّ التّاريخ لا يعود مرّة أخرى إلى ساحة الحاضر أو المستقبل، إذا أردنا من هذه القضيّة عودة تفاصيله وجزئيّات أحداثه، فالأحداث ليست أشياء مجرّدة تقع في الفراغ دون أنْ تكون لها صِلَة بالبشر، وإنّما الأحداث بما هي صُنْع البشر تحمل السّمات الشخصيّة الخاصّة لصانعيها، تحمل طابع مصالحهم الآنيّة، وأَمْزِجَتهم وعواطفهم، وأخلاقيّاتهم وطريقة فَهْمهم للحياة... وقد تنعدم هذه السمات الشخصيّة المميّزة مع أصحابها، ولنْ تعودَ على الإطلاق. وإذن، فالتاريخ بهذا المعنى لا يعود ولا يتكرّر.

إنّ ما حدث في الماضي قد حدث مرّة واحدة، ولنْ يحدث مرّة أُخرى، لنْ يتكرّر على الإطلاق.

أمّا إذا أردنا من هذه القضيّة عودة نمط الحركة التّاريخيّة ومظاهره العامّة وآثارها النّفسيّة والاجتماعيّة في المجتمع، فإنّ التاريخ يعود بالتأكيد حين تتوفّر في الحاضر... في نسيجه الاجتماعي وعلاقاته الإنسانيّة الأسباب الموضوعيّة الّتي أدّت إلى نشوء نمط الحركة التاريخيّة في الماضي.

إنّ الإنسان هو الإنسان في كلّ زمان.

إنّه يتحرّك في الزّمان والمكان مدفوعاً - فرداً، وجماعةً، ومجتمعاً - بمصالحه وعلاقاته وعواطفه، والعقائد والشرائع والمُثُل والقِيَم الأخلاقيّة والرّوحيّة إذا تأصّلت فيه وتعمّقت في وجدانه وكيّفتْ نظرته إلى الكون والحياة والإنسان فإنها تكون قادرة على أنْ تُدْخِل تغييراً عميقاً على عواطفه ومصالحه وعلاقاته في المجتمع والعالم، ومِن ثمّ فإنّها تكون قادرة على تغيير تاريخه ونَقْله إلى مسار جديد، ما دامت لا تواجه عقبات تشلّ فاعليّتها وتأثيرها.

أمّا إذا فشلتْ العقائد والشرائع والمُثُل والقِيَم الأخلاقيّة والرّوحيّة في إدخال التغيير المناسب لها على تكوين الإنسان النفسي وعلى تقديره لمصالحه؛ لأنّها لم تتأصّل في أعماقه ولم تُغيّر نظرته إلى الكون والحياة والإنسان، فإنّ تاريخه في هذه الحالة سيتكرّر.

إنّ هذا التاريخ الجديد لنْ يحمل نفس السّمات والخصائص الماضية في الغالب، ولكنّه يحمل نفس الروح، ويخلّف في المجتمع نفس الآثار الّتي كانت في الماضي تحمل أسماء جديدة، وتقدّم نفسها بمبرّرات جديدة لا تعدو أنْ تكون مجرّد قشرة خادعة يستطيع المؤرّخ الباحث أنْ يكتشف ما وراءها، فيتجاوزها إلى العمق ليجد الواقع القديم تحت الأشكال الجديدة (١) .

في أوّل خطبة خطبها أمير المؤمنين عليّ بعد أنْ بُويِع بالخلافة في المدينة، نرى أنّه قد لاحظ عودة الأشكال القديمة للانقسامات القبليّة والفئويّة داخل المجتمع العربي الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي في عهد عثمان وبعد مقتله، بكلّ ما كانت تحتويه هذه الأشكال من روح قبليّة وعنصريّة، وأخلاقيّات جاهليّة رجعيّة.

وقد كانت عودة هذه الأشكال القديمة حاملة مضمونها الرجعي؛ نتيجةً لضمور المُثُل العليا والقِيَم المؤثِّرة في حركة التاريخ الإسلامي، ونتيجةً لضعف مؤسّسة الخلافة في عهد عثمان، هذا الضعف الّذي مكّن القوى القديمة والقِيَم القديمة - الّتي لم تكن قد ماتت بعد، وإنّما كانت تعاني من حالة خمود وضمور - مكّنها من أنْ تستعيد فاعليّتها، وتعود إلى التأثير في حركة التاريخ تحت شعارات مناسبة تنسجم مع الإسلام في الشكل الخارجي.

لقد عادت إلى الظهور والفاعليّة تلك القِيَم والمُثُل الجاهليّة القديمة، الّتي كانت تقود حركة التاريخ في المجتمع العربي، وترسم ملامح هذا المجتمع وتُوَجِّه خُطاه قبل بعثة الرّسول الأكرم وانتصار الإسلام.

وقد رأى أمير المؤمنين عليّ هذه القِيَم البائدة العائدة من خلال رصْده للظواهر الجديدة الّتي تبدو في حركة الجماعات داخل المجتمع الإسلامي، وحركة القيادات الّتي توجّه هذه الجماعات سرّاً وعلانيةً.

وقد رأى مع ذلك الأفاعيل التي ستنجم عن هذه الحركة الرجعيّة للتاريخ في الإسلام، والمآسي الكبرى الّتي ستنزل بالمسلم فرداً، وجماعةً، ومجتمعاً، ودولةً، ومؤسّساتٍ؛ نتيجةً لانبعاث هذه الرّوح الشّريرة من جديد.

قال عليه السلام:

(ذِمَّتِي بِما أقُولُ رهِينة (2) وأنا بِهِ زعِيم (3) . إنَّ من صرَّحت لهُ العِبرُ عمّا بين يديهِ مِن المثُلاتِ (4) حجزتْهُ التّقوى عن تقحُّمِ الشُّبُهاتِ (5) ، أَلاَ وإنّ بلِيَّتكُم قد عادت كهيئتِها (6) يوم بعثَ اللهُ نبِيَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. والّذي بعثهُ بِالحقِّ لتُبلبلُنَّ (7) بلبلةً، ولتُغربلُنَّ (8) غربلةً، ولتُساطُنَّ سوط القِدرِ (9) حتّى يعُودَ أسفلُكُم أعلاكُم، وأعلاكُم أسفلكُم...) (10) .

يقول لهم:

إنّ البليّة (الفساد الاجتماعي، والانحطاط الأخلاقي والحضاري) الّتي كانت تَسِم الحياة العربيّة في الجاهليّة؛ نتيجةً لسيادة قِيَم الجاهليّة ونظرة الجاهليّة إلى الكون والحياة والإنسان، هذه البليّة قد عادت كما كانت عشيّة بعثة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)؛ لأنّ القِيَم الّتي ولّدت هذه البليّة في الماضي الجاهلي قد دبّت فيها الحياة من جديد على حساب القِيَم الجديدة الّتي جاء بها الإسلام، هذه القِيَم الّتي تقلّص نفوذها وتأثيرها، بسبب عوامل متنوّعة، على الإنسان المسلم، وأدّى ذلك إلى حدوث ثغرات نفذت منها القِيَم القديمة فعادت من جديد.

ثمّ أنذر الإمام علي مجتمعه بأنّ هذه البليّة الّتي عادت ستكون لها آثار مأساوية على المجتمع الإسلامي.

ستنجم عن هذه البليّة الأزمات الاجتماعيّة والثورات الّتي ستلقي بالمجتمع في غِمَار حروب أهليّة مدمِّرة، ولا بدّ أنْ تكون هذه الأزمات والحروب الأهليّة أضرس، وأعم شراً، وأشدّ فَتْكاً مِمّا كان يحدث في الجاهليّة.

ستكون في المجتمع؛ نتيجةً لعودة هذه البليّة بلبلة (اختلاط وتداخل) وشد وجذب، ينتج عن الأزمات والثورات ويولّدها.

وسيكون حال المجتمع - نتيجة لهذه البليّة العائدة - حال القِدْر التي تغلي على النار وتختلط فيها المواد، ولا يستقر على حال، ولا ينعم بالطمأنينة، وإنّما هو في قلق دائم، واضطراب مستمرّ.

سيؤدّي ذلك إلى الغربلة، وتمييز مواقف الرجال والجماعات؛ لأنّ المحن والأزمات تفرز الفئات الاجتماعيّة، وتحدّد سماتها.

ولكن كلّ ما سيحدث لنْ يتضمّن شيئاً من الخير، بل سيعود على المجتمع بالشّرور، وسيؤدّي بالمجتمع إلى التمزق الّذي يشلّ الفاعليّة، ويعطّل الطاقات الإيجابيّة، بل يهدِّدها، ويعوق حركة التقدّم.

ستكون جاهليّة تتغشّى بشعارات الإسلام، جاهليّة بعثتْها القِيَم الجاهليّة الّتي عادت إلى الحياة، فكانت هي - بدل القِيَم الإسلاميّة الجديدة - الأسباب الموضوعيّة لتحريك الإنسان المسلم في الزّمان والمكان.

هكذا يصوّر الإمام عودة التّاريخ.

وفي خطبة أخرى خطبها الإمام بذي قار (11) وهو في طريقه من المدينة إلى البصرة بعد أنْ خرج عليه (الزبير بن العوام، وطلحة بن خويلد، وأمّ المؤمنين عائشة) فاتحين بخروجهم أبواب الفتنة الّتي عصفتْ بالمسلمين، والحرب الأهليّة الّتي مزّقت وحدتهم... هذه الفتنة الّتي ولّدتْها القِيَم الجاهليّة الّتي تَنَبّأ الإمام بها في خطبته الأولى... في هذه الخطبة بيّن الإمام (عليه السّلام) أنّ مسيره لمواجهة المظهر الأوّل للفتْنة هو كمسيره مع رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) لمواجهة قوى الجاهلية، وأنّ الروح المحرِّكة واحدة في الحالَين رغم اختلاف المظهر الخارجي الّذي قد يوحي للساذجين بخلاف ذلك، ولكنّه لا يخدع الخبير.

قال عليه السلام:

(... أَمَا واللّه إنْ كُنتُ لفِي ساقتِها (1٢) حتّى تولَّت بِحذافيرِها (13) ما عجزتُ ولا جبُنتُ. وإنَّ مسيرِي هذا لِمِثلِها، فلأَنقُبنَّ (14) الباطِل حتَّى يخرُج الحقُّ مِن جنبِهِ. مالي ولِقُريش!! واللّه لقد قاتلتُهم كافرِين، ولأُقاتِلنَّهُم مفتُونين، وإنّي لصاحِبُهُم بِالأمسِ كما أنا صاحِبُهُمُ اليومَ) (15) .

كان الإمام يتحدّث عن شأن الجاهلية في مواجهة الإسلام، وعن كفاحه مع رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) ضد الجاهلية. ثمّ بيّن أنّ مسيره هذا إلى البصرة لمثل ما كان يكافحه من مظاهر عناد الجاهليّة في حياة رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله).

إنّ التاريخ قد عاد، ولكن تحت شعارات جديدة.

قال ابن أبي الحديد في شرح هذا النص:

(وشبّه - عليه السّلام - أمر الجاهليّة إمّا بعجاجة ثائرة، أو بكتيبة مُقْبِلَة للحرب، فقال: إني طردتُها، فولّت بين يديّ، ولم أزل فِي ساقتِها أنا أطردها وهي تنطرد أمامي، حتَّى تولَّت بِأسرِها، ولم يبق مِنها شيء، ما عجزتُ عنها، ولا جبُنتُ مِنها).

(ثمّ قال: وإنّ مسيري هذا لِمِثلِها، فلأنقُبنّ الباطِل: كأنّه قد جعل الباطل كشيء قد اشتمل على الحق واحتوى عليه، وصار الحق في طيّه، كالشيء الكامن المستتر فيه، فأقْسَمَ لينقُبنّ ذلك الباطل إلى أنْ يخرج الحق من جنبِه) (16) .

وهكذا يصوّر الإمام عودة التاريخ حين تنشط الأسباب القديمة الّتي أَنْتَجَتْ الأحداث والمواقف القديمة، فتؤدّي إلى تكرار المواقف والاتّجاهات ولكن تحت شعارات جديدة تتناسب مع الثقافة السائدة في المجتمع.

وثمّة نصوص أُخرى - غير ما ذكرنا - منثورة في نهج البلاغة، تتضمّن الدّلالة على هذه الحقيقة. ولكنّ الإمام عليّاً كان ينطلق في ممارسته السّياسيّة من قاعدة أخرى، فأجابهم قائلاً:

(أتأمُرُونِّي أنْ أطلُب النَّصر بِالجَورِ فِيمَنْ ولّيتُ عليهِ؟!! واللهِ لا أطُورُ (17) بهِ ما سمر سمِير (18) ، وما أمَّ نجم فِي السَّماء نجم) (19) .

وتشتمل الخطبة (القاصعة) على عدّة شواهد، تدلّ على أنّ ما كان يُثير في نفس الإمام قلقاً عميقاً ليس الصّراع القبلي المستفحِل وحده، بل الصّراع العنصري أيضاً.

هذا الصراع بوجهيه - القَبَلِيّ والعنصريّ - كان، بالإضافة إلى أنّه آفة في ذاته، يؤدّي إلى توليد آفات أخرى:

١ - يعمّق ويرسّخ الواقع الاجتماعي القبلي، والتكوين الاجتماعي القبلي للمجتمع في الثقافة العامّة، والبُنْيَة النّفسيّة للفرد، وبذلك يحول دون تطوّر التركيب الاجتماعي من طور القبليّة الّتي تقسم المجتمع إلى وحدات تقوم على علاقة الدّم إلى طور التوحّد على أساس العقيدة والشّريعة والمؤسّسات والمصالح المشتركة، وهو يؤدّي بالتّالي إلى أنْ يكون معوّقاً حضاريّاً أيضاً يجمّد المجتمع في حالة التخلّف على صعيد المؤسّسات والإنجازات التنظيميّة.

٢ - يزيد ويعزّز سلطة رؤساء القبائل على قواعدهم القبليّة، فيؤثِّر ذلك على فاعليّة أجهزة السّلطة المركزيّة ويُضْعِفُهَا.

٣ - يؤثِّر على تلاحم المجتمع، وهو في حالة حرب مع القوى الخارجة على الشّرعية في الشام، ومع الخوارج.

٤ - يعزّز إمكانات تسلّل (معاوية بن أبي سفيان) إلى داخل التكوينات السياسية في مجتمع العراق، وهي القبائل.

وننتقل الآن إلى عرض الشّواهد من الخطبة (القاصعة) (20) .

بَيَّنَ الإمام أوّلاً:

- أنّ الكبرياء من صفات اللّه تعالى، ومِن ثمّ فليس للناس أنْ يتكبّر بعضهم على بعض.

 

- ثمّ عرض، ثانياً، لكبرياء أبليس، وتَعَصّبه ضدّ آدم، مفتخِراً بأصله، وذكّر بأنّ كبرياء إبليس كانت كارثة عليه إذ قضتْ على منزلته العالية.

 

- ثمّ قرن الإمام بين كبرياء إبليس وكبرياء البشر على بعضهم، واعتبر المتكبِّرين أتباعاً لإبليس في هذا الخُلُق الذميم:

(صدَّقهُ بهِ أبناء الحمِيَّةِ (21) ، وإخوانُ العصبيّةِ، وفرُسانُ الكِبرِ والجاهِليَّةِ، حتَّى إذا انقادتْ لهُ الجامِحَةُ مِنكُم (22) ، واستحكمتِ الطَّماعِيّةُ مِنهُ فيكُم - فنجمتِ (23) الحالُ مِن السِّرِّ الخفِيِّ إلى الأمر الجلِيِّ - استفحل سُلطانُهُ عليكُم (24) . فأصبحتُم أعظم في دينِكُم حرجاً (25) ، وأورى فِي دُنياكُم قدحاً (26) مِن الّذين أصبحتُم لهُم مُناصِبينَ وعليهِم مُتألِّبينَ).

وهكذا بيّن لهم الإمام أنّ الشرّ والفساد النّاشئين عن العصبيّة، والصّراع النّاتج منها لا يقتصر تأثيرها على الجانب الديني والإيماني فقط، وإنّما يتعدّى ذلك إلى التّأثير على الوضع الحياتي الدّنيوي، لهذه العصبيّة (أورى في دُنياكم قدحاً) من هؤلاء الّذين تخافون منهم على امتيازاتكم المادّيّة فتتعصّبون ضدّهم.

ثمّ أثار الإمامُ في أذهانهم ذكرى تاريخيّة يعرفونها من القرآن، هي قصّة ابنَي آدم:

(ولا تكُونُوا كالمُتكبِّرِ على ابنِ أمِّهِ مِن غيرِ ما فضلٍ جعلهُ اللهُ فيه سِوى ما ألحقتِ العظمةُ بِنفسِهِ مِن عداوةِ الحسدِ، وقدحتِ الحميّةُ في قلبه من نارِ الغضب، ونفخ الشيطانُ في أنفِهِ من ريحِ الكِبَرِ الّذي أعقبهُ اللهُ بهِ النَّدامةَ، وألزمهُ آثام القاتِلين إلى يومِ القيامةِ).

ثمّ يعود الإمام إلى تأنيب سامعيه على ما هم عليه من روح قبليّة، وتعصّب عنصري ذَمِيْم، مبيِّناً لهم أنّ هذه الآفة الخطيرة الوبيلة قد ابْتُلِيَتْ بها الأُمم الماضية وذاقت مرارتها:

(أَلاَ وقد أمعنْتُم في البغي (27) ، وأفسدتُم في الأرضِ، مُصارحةً للّه بالمُناصبةِ (28) ، ومُبارزةً للِمؤمنينَ بِالمُحاربةِ (يقصد بالمؤمنين أولئك الّذين توجّه ضدهم العصبيّة) فاللّه اللّه في كِبرِ الحمِيَّةِ، وفخر الجاهليَّةِ، فإنَّه ملاقِحُ الشَّنآنِ (29) ومنافخُ الشيطانِ، الّتي خدعَ بِها الأُمم الماضِية والقُرُون الخالِية (30) ، أمراً تشابهتِ القُلُوبُ فيه، وتتابعتِ القُرونُ عليهِ، وكِبراً تضايقتِ الصُّدُورُ بهِ).

ثمّ يوجّه الأنظار بصورة مباشرة إلى القيادات الّتي تغذّي هذه الآفة، وتؤجّج نارها وهم زعماء القبائل:

(أَلاَ فالحَذَر الحَذَر مِن طاعةِ ساداتِكُم، الّذين تكبَّرُوا عن حَسَبِهِم وترفَّعُوا فوق نَسَبِهِم... فإنَّهُم قواعِدُ أساسِ العصبِيَّةِ، ودعائمُ أركانِ الفِتنةِ، وسُيُوف اعتِزاءِ (31) الجاهِليّة، فاتّقُوا اللّه ولا تكُونُوا لِنِعمِهِ عليكُم أضداداً، ولا لفضلِهِ عِندكُم حُسَّاداً، ولا تُطيعُوا الأدعياء الَّذِينَ شربتُم بصفوكُم كدرهُم (32) ، وخلطْتُم بصحَّتكُم مرضَهُم، وأدخلْتُم في حقِّكُم باطِلَهُم، وهُم أساسُ الفُسُوقِ وأحلاسُ العُقُوقِ...) (33) .

ثمّ يعود الإمام إلى التنظير بالتاريخ، مذكِّراً بالنهايات الفاجعة للأُمم والشعوب الّتي فتكتْ بها آفة التّعصب والتّناحر، مقابلاً ذلك بالنهج النبوي الإنساني البعيد عن الكِبَر:

(فاعتبِرُوا بِما أصابَ الأُمم المُستكبِرين مِن قبِلكُم مِن بأسِ اللّهِ وصولاتِهِ، ووقائعِهِ ومثُلاتِهِ (34) واتّعِظُوا بِمثاوي (35) خُدُودهِمِ ومصارع جُنُوبِهِم... فلو رخَّص اللّه في الكِبر لأحدٍ مِن عِبادِهِ لرخّص فيه لِخاصَّةِ أنبيائهِ... ولقد دخل مُوسى بنُ عِمران ومعهُ أخُوهُ هارُون - عليهِما السّلام - على فِرعون وعليهِما مدارعُ الصُّوفِ (36) ، وبِأيديهِما العِصِيُّ، فشرطا لهُ - إنْ أسلم - بقاءَ مُلكِهِ، ودوام عِزّهِ، فقالَ: (أَلاَ تعجبُون مِن هذينِ يشرِطانِ لي دوامَ العِزِّ وبقاء المُلكِ، وهُما بِما ترونَ مِن حالِ الفقرِ والذُّلِ)).

ويستمرّ الإمام في التّنظير التّاريخيّ، داعياً مستمعيه إلى فحص المواقف التاريخيّة الّتي مرّت على الأمم السّابقة، وتجنّب الاختيارات والتّجارب الّتي أدّت إلى الانحطاط والانهيار، واختيار المسلكيّة الّتي ثبت بالتّجربة صلاحها:

(... واحذرُوا ما نزلَ بِالأُممِ قبلكُم مِن المثُلاتِ بِسُوءِ الأفعالِ وذميمِ الأعمال، فتذكّرُوا في الخير والشَّرِّ أحوالهُم، واحذرُوا أنْ تُكُونُوا أمثالهُم. فإذا تفكَّرتُم في تفاوُتِ حاليِهم، فألزَمُوا كُلَّ أمرٍ لزِمتِ العِزَّةُ بهِ شأنهُم، وزاحتِ الأعداءُ لهُ عنهُم (37) . ومُدَّتِ العافيةُ بهِ عليهِم، وانقادتِ النعمةُ لهُ معهُم، ووصلَتِ الكرامةُ عليهِ حبلهُم، مِن الاجتنابِ لِلفُرقةِ، واللُّزُوم للأُلفةِ، والتَّحاضِّ عليها (38) ، والتَّواصي بِها واجتنبُوا كُلَّ أمرٍ كسر فِقرتهُم (39) ، وأوهنَ مِنّتهُم (40) مِن تضاغُن القُلوبِ (41) ، وتشاحُن الصُّدورِ، وتدابُرِ النُّفُوسِ وتخاذُلِ الأيدي...) (42) .

ويستمرّ الإمام في تنظيره التاريخي بتقديم أمثلة محدّدة من حياة الإسرائيليين والعرب، بعدما كان في تنظيره السّابق يذكر الأمم بشكل عام، دون أنْ يخصّ بالذّكر أُمّة بعينها:

(... وتدبَّرُوا أحوال الماضِين مِن المُؤمِنينَ قبلكُم: كيف كانُوا في حالِ التّمحِيص (43) والبلاءِ. ألم يكُونُوا أثقلَ الخلائقِ أعباءً، وأجهد العِبادِ بلاءً (44) وأضيق أهلِ الدُّنيا حالاً. اتخذتْهُم الفراعِنةُ عبيداً فسامُوهُم سُوء العذابِ، وجرَّعُوهُمُ المُرار (45) ، فلم تبرحِ الحالُ بِهم في ذُلِّ الهلكةِ وقهرِ الغلبةِ... حتَّى إذا رأى اللّه سُبحانهُ جدّ الصَّبر منهُم على الأذى في محبَّتهِ (46) ، والاحتمالَ للمكرُوه من خوفِهِ، جعلَ لهُم في مضايقِ البلاءِ فرجاً، فأبدَلهُمُ العِزَّ مكان الذُّلِّ، والأمنَ مكان الخوف، فصاروا مُلوكاً حُكّاماً، وأئمَّةً أعلاماً... فانظُرُوا كيفَ كانُوا حيثُ كانتِ الأَمْلاءُ مجتمِعةً (47) ، والأهواء مُؤتلِفةً، والقُلُوبُ مُعتدِلةً، والأيدي مُترادفِةً (48) ، والسُّيوفُ مُتناحِرةً، والبصائرُ نافِذةً (49) ، والعزائمُ واحِدةً، ألم يكُونُوا أرباباً في أقطارِ الأرضين، ومُلُوكاً على رِقابِ العالَمِينَ. (فانظُرُوا إلى ما صارُوا إليه في آخرِ أمُورِهم، حين وقعتِ الفُرقَةُ، وتشتَّتتِ الألفةُ، واختلفتِ الكلِمةُ والأفئدَةُ، وتشعَّبُوا مُختلِفين، وتفرَّقُوا مُتحارِبين، قد خلع اللّه عنهُم لِباس كرامتِهِ. وسلبهُم غضارَة نِعمتِهِ (50) ، وبقي قصصُ أخبارِهِم فِيكُم عِبراً لِلمعُتبرين مِنكُم، فاعتبِروا بحالِ ولدِ إسماعيل وبني إسحاق وبني إسرائيل عليهِمُ السلامُ، فما أشدَّ اعتِدالَ الأحوالِ (51) وأقربَ اشتِباه الأمثالِ). (تأمَّلُوا أمرهُم فِي حالِ تشتُّتهِم وتفرُّقهم ليالِي كانت الأكاسرةُ والقياصِرةُ أرباباً لهُم. يختارُونهم عن ريفِ الآفاق (52) ، وبحرِ العِراقِ (53) وخُضرةِ الدُّنيا، إلى منابتِ الشِّيح ومهافِي الرِّيح (54) ، ونَكد المَعاشِ (55) فتركُوهُم عالةً مساكِينَ، إخوانَ دبرٍ ووبرِ (56) ، أذلَّ الأُممِ داراً، وأجدبهُم قراراً، لا يأووُن إلى جناحِ دعوةٍ يعتصِمُون بها، ولا إلى ظِلِّ ألفةٍ يعتمدُون على عِزِّها، فالأحوالُ مُضطرِبة، والأيدي مُختلفة، والكثرةُ متفرقة، في بلاءِ أزلٍ (57) وأطباقِ جهلٍ (58) ، من بناتٍ موؤودةٍ، وأصنام معبُودةٍ، وأرحامٍ مقطُوعة، وغاراتٍ مشنُونةٍ). (فانظُروا إلى مواقِعِ نعمِ اللهِ عليهِم حينَ بعثَ إليهِم رسُولاً، فعقدَ بمِلِّتهِ طاعتهُم، وجمع على دعوتهِ أُلفتهُم، كيف نشرتِ النِّعمةُ عليهم جناحَ كرامتِها، وأَسَالَتْ لهُم جداول نعيمها. والتفَّتِ المِلَّةُ بهم في عوائد بركتِها، فأصبحُوا في نعمتها غرقين (59) وفي خُضرةِ عيشِها فكهين (60) قد تربَّعتِ الأمُورُ بهم (61) في ظلِّ سُلطانٍ قاهرٍ وآوتهُمُ الحالُ إلى كنفِ عزٍّ غالبٍ (62).

وتعطَّفتِ الأمُورُ عليهم في ذُرى ملكٍ ثابتٍ (63) فهُم حُكّام على العالمين، ومُلُوك في أطرافِ الأرضين. يملِكُون الأمُور على من كان يملِكُها عليهم، ويُمضُون الأحكام فيمن كان يُمضِيها فيهم، لا تُغمزُ لهم قناة، ولا تُقرعُ لهم صفاة (64) ...

(وإنَّ عندكُمُ الأمثالُ من بأسِ اللّه وقوارعهِ، وأيَّامهِ ووقائعهِ (65) ، فلا تستبطئُوا وعيدهُ جهلاً بِأخذهِ وتهاوُناً ببطشهِ، ويأساً من بأسِهِ، فإنَّ اللّه سُبحانهُ لم يلعنِ القرن الماضي بين أيديكُم إلاّ لِتَرْكِهم الأمرَ بالمعرُوف والنّهي عن المُنكرِ، فلعن اللّه السُّفهاء لرُكُوب المعاصي، والحُلماءَ لتركِ التناهي) (66) .

___________________

(1) من الظواهر الهامّة الّتي نقدّر أنّها تستحقّ من المفكِّرين والمؤرِّخين بحثاً معمّقاً، ظاهرة الانقسامات الإقليميّة في العالم العربي، فإنّنا نقدّر أنّها تعبير جديد عن القبليّة، تحت أسماء جديدة وبمبرّرات تلائم المناخ الثقافي الحاضر والوعي السياسي السائد. ونقدّر أنّ فشل فكرة الوحدة العربيّة لا يرجع فقط إلى عمل الاستعمار التخريبي، وإنّما نشأ من وجود استعداد للتَشَرْذُم، أعان الاستعمار على رسم سياساته وإنجاحها في هذا المجال، ولولا ذلك لَمَا وُفِّق الاستعمار إلى بلوغ غايته.

(2) رهينة: من الرهن. جعل ذمّته رهناً على ما يقول.

(3) زعيم: كفيل، بصدق ما يقول.

(4) العبر: ما أصاب النّاس من مثلات: (عقوبات) إذا دعاها الإنسان على سبيل الاعتبار، فيتّعظ بتجربة الّذين أصابتْهم العقوبات من قبله.

(5) الشّبهات: الأفعال والمواقف الغامضة، الّتي لم يبت في الشرع الرخصة في فعلها. يريد أنّ العبرة بالماضين تحجر الإنسان عن الوقوع فيما وقعوا فيه من أخطاء.

(6) رجعت البلية كما كانت في الماضي الجاهلي.

(7) البلبلة: الاختلاط، كنايةً عن الأزمات الاجتماعيّة والثّورات.

(8) الغربلة: من الغربال: يريد أنّ التجارب الآتية ستميّز المواقف، وتكشف الأشخاص على حقيقتهم.

(9) السوط: الخلط. سوط القدر: كما تمزج مواد الطبخ في القدر، وتختلط وتغلي سيكون المجتمع نتيجة للثّورات والأزمات الاجتماعيّة.

(10) نهج البلاغة: رقم الخطبة: ١٦.

(11) ذو قار: موضع قريب من (البصرة) . اشتهر في التاريخ باعتباره الميدان الّذي جَرَتْ فيه، أوّل ظهور الإسلام، في سنة (٦١٠ م) معركة بين الفرس والعرب، حيث هاجم ثلاثة آلاف عربي من قبيلة (بكر بن وائل) المنطقة الفراتيّة، وهزموا الفرس هزيمة حاسمة في ذي قار.

(12) السّاقة: مؤخّرة الجيش الّتي تسوقه. شبّه الجاهلية بجيش مهزوم يطرده ويلاحقه.

(13) ولّت بحذافيرها: ذهبتْ وطُردت بأسرها (الجاهليّة).

(14) النقب: الثقب.

(15) نهج البلاغة: رقم الخطبة ٣٣.

(16) (ابن أبي الحديد): شرح نهج البلاغة بتحقيق (محمّد أبو الفضل إبراهيم) / دار إحياء الكتب العربيّة / القاهرة / الطبعة الأولى: ١٣٧٨ هجري = ١٩٥٩ م / ج ٢ / ص ١٨٥ - ١٨٦.

(17) أطور به: من طار يطور، بمعنى: حام حول الشّيء، وقاربه، يعني لا أقارب الجور فيمَن ولّيت عليه.

(18) ما سمر سمير: يعني مدى الدّهر.

(19) نهج البلاغة: رقم النص ١٢٦. ما أمّ نجم فِي السماء.. يعني مدى الدّهر. في هذا الموضوع راجع كتابنا (دراسات في نهج البلاغة) الطبعة الثانية، فصل (المجتمعات والطبقات الاجتماعيّة) وكتابنا (ثورة الحسين) ، الطبعة الخامسة / ص ١٠١ - ١٧٢.

(20) نهج البلاغة: رقم الخطبة: ١٩٢.

(21) الحميّة: الأَنَفَة والغضب.

(22) الجامحة: من جموح الفرس، أراد أنّ الفئة الّتي لم تطع إبليس وجَمَحَتْ عنه عادتْ فأطاعتْه واتّبعتْ سبيله في الكبرياء. أو أنّ الفئة الّتي جمحت عن الشرع انقادتْ إلى إبليس.

(23) نجم: ظهر. أي أنّ العصبيّة بعدما كانت خفيّة في النّفوس ظهرتْ في ممارسات علنيّة.

(24) اسْتَفْحَلَ: قوي واشتدّ وصار فَحْلاً.

(25) الحَرَج: لغةً في الحَرَج - بفتح الرّاء - وهو الإثم يريد: إنّكم بطاعتكم لإبليس أصبحتم أعظم إثماً في دينكم. ورواية النّسخة المتداولة من النهج (فأصبح) ، ولا يستقيم المعنى عليها، ورواية (ابن أبي الحديد) في شرحه (فأصبحتم) وقد اعتمدناها؛ لأنّها أوفق بالمعنى.

(26) أورى: أشدّ قدحاً وتوليداً للنار، كنايةً عن تخريب دنياهم بالفتن والقلاقل.

(27) أمعنتم في البغي: بَالَغْتُم فيه، من أَمْعَنَ في الأرض، أي ذهب فيها بعيداً.

(28) مصارحةً للّه: أي مكاشفةً يعني الإعلان بالمعاصي، وعدم التستّر في شأن العصبيّة والتكبّر الجاهلي.

(29) ملاقح : جمع ملقح، وهو المصدر من لقحت. والشّنآن: البغض، يريد أنّ الكبر والفخر الجاهلي مكان البغضاء والحقد ومثارهما.

(30) منافخ الشيطان: جمع منفخ، مصدر من نفخ: يعني أنّ الكبر والفخر هما المكان الّذي ينفخ فيه الشّيطان من نفس الإنسان فيدفعها إلى الشّر والجريمة.

(31) اعتزاء الجاهلية: الاعتزاء هو الانتساب، أي أنّهم يفتخرون بأنسابهم وآبائهم، كقولهم: يا لفلان، أو: يا لآل فلان.

(32) المراد من هذه الجملة وما بعدها أنّ هؤلاء الزعماء يُفسدون بنزعاتهم الشرّيرة حياتَكم وإيمانكم وطهارة نفوسكم.

(33) الأحلاس: جمع حلس. وهو كساء رقيق يكون على ظهر البعير ملازماً له، فقيل لكلّ ملازم أمر: هو حلس ذلك الأمر. فهؤلاء المغدون من رؤساء القبائل ملازمون للعقوق والتنكّر لنعم اللّه ولأحكام الشرع وقواعد الأخلاق.

(34) المثلات والوقائع: يقصد بهما عقوبات اللّه الّتي استحقوها نتيجة لانحرافاتهم.

(35) المثوى: المنزل. مواضع حدودهم بعد الموت على التراب، ومصارع جنوبهم: مواقعها بعد الموت على التّراب

(36) مدارع الصّوف: جمع مِدرعة - بكسر الميم - وهي كالكساء.

(37) زاحت: بعدت. وله: لأجله، يعني: ألزموا كلّ أمر خافتهم الأعداء بسببه.

(38) التحاض: صيغة تفاعل من الحض بمعنى الحث والترغيب، يعني أنْ يحثّ بعضكم بعضاً على الاتّحاد والتعاون.

(39) الفقرة: واحدة فقر الظهر. ويُقال لمن أصابته مصيبة شديدة: قد كسرت فِقرته. يعني اجتنبوا كلّ ما أضعف الأمم السّابقة وسبَّبَ لها الانحطاط.

(40) المنّة: القوّة، ومعنى الجملة كسابقتها.

(41) تضاغن القلوب وتشاحن الصّدور بمعنى واحد: تبادل البغضاء بين فئات المجتمع.

(42) تخاذل الأيدي: أَلاَ ينصر الناس بعضهم بعضاً ولا يتعاونون في حالات الخطر.

(43) التّمحيص: التّطهير والتّصفية.

(44) أجهد العباد: أكثرهم تعباً.

(45) المرار: شجر مر في الأصل، كنايةً عمّا أصابهم من العذاب والهوان على أيدي الفراعنة.

(46) رأى اللّه منهم جدّ الصّبر، أي أشد الصّبر.

(47) الأملاء: الجماعات، الواحد: ملأ، يريد اتّحاد الفئات الاجتماعيّة وتعاونها.

(48) مترادفة: متعاونة.

(49) البصائر نافذة: الإرادة عازمة جازمة غير متردّدة للعلم بحقيقة الموقف أو الشّيء.

(50) الغضارة: النّعمة اللّينة الطّيّبة.

(51) ما أشدّ اعتدال الأحوال: ما أشبه الأشياء بعضها ببعض.

(53) الرّيف: الأرض ذات الخصب والزرع، والجمع أرياف.

(54) بحر العراق: دجلة والفرات.

قال (ابن أبي الحديد): ١٣ / ١٧٣ (أمّا الأكاسرة فطردوهم عن بحر العراق، وأمّا القياصرة فطردوهم عن ريف الآفاق أي عن الشّام وما فيه من المرعى والمنتجع).

(55) يقصد البادية الخالية مِن الزّرع والمياه والعمران.

(56) نكد المعاش: قلّته، وصعوبة الحصول عليه، وخشونته.

(57) عالة: فقراء (دبر ووبر) دبر البعير عقرة القتب. والوبر للبعير بمنزلة الصّوف للضأن. يريد أنّهم كانوا عالة فقراء يمثّل البعير ثروتهم، ومرضه شغلهم الشاغل.

(58) الأزل: الضّيق والشّدّة، يريد بلاء شديداً شغلهم عن كلّ شيء.

(59) أطباق، جمع طبق. أي جهل متراكم بعضه فوق بعض.

(60) غرقين: من الغرق، مبالغة في وصف ما هم فيه من النعمة.                        ١١ - فكهين: بمعنى ناعمين.

(61) تربّعت الأمور بهم، أي أقامت، من: ربع بالمكان أي أقام فيه، يعني استقرار أحوالهم السّياسيّة والمعيشيّة.

(62) آوتهم الحال: ضمتهم وأنزلتهم، والكنف: الجانب.

(63) تعطّفت .. كناية عن السّعادة والإقبال، يُقال: تعطّف الدّهر على فلان، أي أقبل حظّه وسعادته، والذّرى: الأعالي، جمع ذروة، كناية عن عزّهم وقوّتهم وامتناعهم.

(64) لا تغمز: لا تقرع.. مثلٌ يُضْرَب لِمَنْ لا يُجترأ عليه لعزّته وقوّته.

(65) الأمثال هي ما ورد في القرآن بما قصّه اللّه تعالى من أحوال الأمم القديمة، وكيف نزلت بها الكوارث نتيجةً لممارساتها المنحرفة.

(66) التّناهي: مصدر تناهى القوم عن كذا، أي نهى بعضهم بعضاً. يقول: لعن اللّه الماضين من قبلكم؛ لأنّ سفهاءهم ارتكبوا المعصية. وحلماءهم لم ينهوهم عنها، وهذا من قوله تعالى في شأن بني إسرائيل: ( كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) سورة المائدة /79.

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).