أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2020
1784
التاريخ: 12-8-2020
6931
التاريخ: 12-8-2020
6787
التاريخ: 12-8-2020
2490
|
خالد بن سعيد بن العاص بطل فتح فلسطين
شاء الله عز وجل أن يجعل من أبناء الفرعون أبي أُحَيْحَة، مسلمين مؤمنين! وأبو أحيحة هو سعيد بن العاص الأموي، من كبار أثرياء قريش، ومعنى الأُحَيْحَة الضغينة في الصدر، وروي أن ابنه أحيحة قتل في حرب الفِجار.
والمعروف من أبنائه ابنه العاص الذي شهد بدراً مع المشركين فقتله علي (عليه السلام)، وخالد، وعمرو، وأبان، والحكم، وسعيد، وقد أسلموا وختم الله لهم بالشهادة، وأفضلهم خالد. وانحصرت ذرية أبي أحيحية بحفيده سعيد بن العاص ، وقيل إن خالداً له عقب ولم يثبت ذلك .
«كان أبو أحيحة إذا اعْتَمَّ بمكة لا يعتم أحد بلون عمامته إعظاماً له، وكان يقال له: ذو التاج. وكان شديداً على المسلمين، وكان أعز من بمكة، فمرض فقال: لئن الله رفعني من مرضي هذا، لا يعبد إلهُ ابن أبي كبشة بمكة! فقال ابنه خالد عند ذلك: اللهم لا ترفعه. فتوفي في مرضه ذلك». (أسد الغابة:2/82).
أكرم الله خالداً برؤيتين كانتا سبب هدايته قبل أن يصدع النبي (صلى الله عليه وآله) بدعوته! ففي الإستيعاب:2/422: «عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: كان إسلام خالد بن سعيد قديماً، وكان أول إخوته إسلاماً ، وكان بدء إسلامه أنه رأى في النوم أنه وقف به على شفير النار ، فذكر من سعتهما ما الله أعلم به، وكأن أباه يدفعه فيها، ورأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخذاً بحقويه لا يقع فيها، ففزع وقال: أحلف باللَّه إنها لرؤيا حق».
وفي الطبقات:1/166، وتاريخ دمشق: 16/67، قالت ابنته أم خالد المولودة في الحبشة: «لما كان قبيل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) بينا خالد بن سعيد ذات ليلة نائم، قال: رأيت كأنه غشيت مكة ظلمة حتى لا يبصر امرؤٌ كفه، فبينا هو كذلك إذ خرج نور من زمزم ثم علا في السماء فأضاء في البيت ، ثم أضاء مكة كلها، ثم إلى نجد، ثم إلى يثرب فأضاءها حتى أني لأنظر إلى البُسْر(الرطب) في النخل! قال: فاستيقظت فقصصتها على أخي عمرو بن سعيد، وكان جَزِلَ الرأي (راجح الرأي) فقال: يا أخي إن هذا الأمر يكون في بني عبد المطلب! ألا ترى أنه خرج من حفيرة أبيهم (زمزم) قال خالد: فإنه لمما هداني الله به للإسلام .
قالت أم خالد: فأول من أسلم أبي، وذلك أنه ذكر رؤياه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا خالد أنا والله ذلك النور، وأنا رسول الله، فقص عليه ما بعثه الله به، فأسلم خالد، وأسلم عمرو». والمنمق/292، وكنز الفوائد/93 .
وفي طبقات ابن سعد(4/94و95): «فلقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بأجياد فقال يا محمد إلى ما تدعو قال: أدعو إلى الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ، ولا يدري من عبده ممن لم يعبده ! قال خالد: فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أنك رسول الله . فسُرَّ رسول الله بإسلامه... وتغيب خالد، وعلم أبو ه بإسلامه فأرسل بطلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ، ورافعاً مولاه فوجدوه ، فأتوا به إلى أبيه أبي أحيحة ، فأنبه وبكَّته وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه ، ثم قال: أتبعت محمداً وأنت ترى خلافه قومه ، وما جاء به من عيب آلهتهم ، وعيب من مضى من آبائهم ! فقال خالد: قد صدق والله واتبعته.
فغضب أبو أحيحة ونال من ابنه وشتمه ، ثم قال: إذهب يا لكع حيث شئت فوالله لأمنعك القوت ! فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به. فأخرجه وقال لبنيه: لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به، فانصرف خالد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان يلزمه ويكون معه» والحاكم:3/248.
وفي الآحاد والمثاني:1/387: «وكان جميلاً، وسيماً، قُتل وهو ابن نحو خمسين» .
هرب من سجن أبيه وعاش هو وزجته في مكة فترةً، ثم هاجر الى الحبشة. قال ابن سعد في الطبقات: 4/95: «كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص ثالثاً أو رابعاً، وكان ذلك ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو سراً.. فضربه أبو أحيحة بقراعة في يده حتى كسرها على رأسه ، ثم أمر به إلى الحبس وضيق عليه وأجاعه وأعطشه ، حتى لقد مكث في حر مكة ثلاثاً ما يذوق ماء ، فرأى خالد فُرجة فخرج ، فتغيب عن أبيه في نواحي مكة ، حتى حضر خروج أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الحبشة في الهجرة الثانية » .
أقول: أثبتنا في السيرة النبوية من مصادر الطرفين أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعث أولاً الى بني هاشم خاصة فجمعهم لحمايته مقابل قريش، التي أصرت على قتله، ولم يدعُ الناس إلا بعد ثلاث سنوات عندما أنزل الله تعالى عليه: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. وجاء جبرئيل (عليه السلام) وقال له: لقد كفاك الله إياهم! وكانوا خمسة فراعنة فقتلهم الله في يوم واحد، كما تقدم في ترجمة ابن الوليد.
وفي تلك السنوات الثلاث لم يؤمن إلا بعض بني هاشم وأبو ذر بكرامة رآها، وسعيد بن العاص بكرامة رآها. وهذا يدل على مقامهما المميز رضي الله عنهما.
وفي الإستيعاب:2/420: «هاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته الخزاعية، وولد له بها ابنه سعيد بن خالد وابنته أم خالد...قالت.. وشهد أبي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمرة القضاء وفتح مكة وحنيناً والطائف وتبوك، وبعثه رسول الله على صدقات اليمن، فتوفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي باليمن » .
أقول: لم ينقطع سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد هجرته ، ويظهر أنه كان مأموراً بالبقاء في الحبشة مع جعفر ، وكان يتحرك الى الشام واليمن بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) .
قال ابن سعد(4/99) وابن عساكر في تاريخه (16/71): « إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعثه في رهط من قريش إلى ملك الحبشة فقدموا عليه.. هو وأصحابه وقد فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) من وقعة بدر، فأقبل يمشي ومعه ابنته فقال: يا رسول الله لم نشهد معك بدراً، فقال (صلى الله عليه وآله): أوَمَا ترضى يا خالد أن يكون للناس هجرة ولكم هجرتان ثنتان؟ قال: بلى يا رسول الله . قال: فذاك لكم . ثم إن خالداً قال لابنته: إذهبي إلى عمك، إذهبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلمي عليه، فذهبت الجويرية حتى أتته من خلفه فأكبت عليه، وعليها قميص أصفر فأشارت به إلى رسول الله تريه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : سنه سنه ، يعني بالحبشية: أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي».
كما أن قول ابن عبد البر: «وبعثه رسول الله على صدقات اليمن» خطأ أو مسامحة. وقد أرسله (صلى الله عليه وآله) الى اليمن مرات، منها في فتحها مع علي (عليه السلام)، وآخرها والياً على صنعاء الى أن توفي النبي (صلى الله عليه وآله)، قال ابن عساكر (16/77): «فاستعمل على صنعاء خالد بن سعيد بن العاص». وفي مكاتيب النبي (صلى الله عليه وآله) للأحمدي:1/303: «وكتب له (صلى الله عليه وآله) كتاب الفرائض».
أسلم خالد وأخوه عمرو، وأقنعا بالمراسلة أخاهما أباناً، فأسلم عند عودتهما من الهجرة وحسن إسلامه، فولاه النبي (صلى الله عليه وآله) على البحرين ، وبقي والياً عليها حتى توفي النبي (صلى الله عليه وآله) وشارك في فتح الشام ، واستشهد مع أخويه في السنة الرابعة عشرة للهجرة . (الإصابة:1/169). وسيأتي الكلام في شهادة خالد!
ويفهم من شعر أبان أن زوجة خالد الخزاعية كان لها دور في إقناعه بالإسلام ، فقد بعث لأخويه خالد وعمرو رسالة إلى الحبشة ، كما في تاريخ دمشق: 6/129:
« ألا ليت ميتاً بالظريبة شاهداً
لما يفترى في الدين عمرو وخالد
أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا
يعينان من أعدائنا من نكابد
فأجابه أخوه خالد:
أخي ما أخي لا شاتمٌ أنا عرضه
ولا هو عن سوء المقالة مقصر
يقول إذا اشتدت عليه أموره
ألا ليت ميتاً بالظريبة ينشر
فدع عنك ميتاً قد مضى لسبيله
وأقبل على الحيِّ الذي هو أقفر »
ثم أسلم أبان وحسن إسلامه، وكذا الحكم بن سعيد .
قال في دمشق:29/57: «استشهد الحكم بن سعيد بن العاص يوم مؤتة مع جعفر بن أبي طالب ، واستشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم حصن الطائف سعيد بن سعيد بن العاص... وولد سعيد بن العاص أبو أحيحة ثمانية رجال ، لم يمت أحد منهم على فراشه ! فقتل ثلاثة مع المشركين، وخمسة مع المسلمين! قتل أحيحة يوم الفجار، وقتل العاص بن سعيد بن العاص ، وعبيدة بن سعيد بن العاص يوم بدر، وقتل سعيد بن سعيد يوم الطائف ، وقتل الحكم بن سعيد يوم اليمامة ، وكان يُعلم الحكمة بالمدينة ، وقتل خالد يوم مرج الصُّفَّر ، وهو الذي يقول:
مَنْ فارسٌ كَرِهَ الطعان يعيرني
رمحاً إذا نزلوا بمرج الصُّفَّر
وقتل أبان وعمرو يوم أجنادين . وقال ابن الكلبي: قتل عمرو يوم فحل...قال علي بن محمد عن أبي معشر المدني في تسمية من استشهد من المسلمين يوم اليمامة: الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية.. وذكر أبو بكر البلاذري أن الحكم قد استشهد يوم اليمامة، قال: ويقال إنه قتل يوم مؤتة».
هاجر خالد إلى الحبشة فكان مع جعفر وكان يتردد على النبي (صلى الله عليه وآله) ويكلفه بمهمات، فقد أرسله إلى قيصر، وتأثر به كبير الأساقفة. ( تاريخ دمشق: 16/67).
وكان يتاجر إلى اليمن فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بمنجنيق من جرش (إمتاع الأسماع:2/21).
وكان يكتب للنبي (صلى الله عليه وآله) ، وهو أول من بدأ الرسائل بكتابة البسملة في أول كتب النبي (صلى الله عليه وآله) (الدر المنثور:1/11) وتجد في مكاتبات النبي (صلى الله عليه وآله) بضعة عشر كتاباً ختمت بعبارة: « وكتبه خالد بن سعيد بن العاص» منها كتابه (صلى الله عليه وآله) الى بني عمرو من حمير (مكاتيب الرسول للأحمدي:1/214) وكتابه الى ثقيف (المصدر:3/58) وكتابه الى بني أسد (المصدر:3 /239 ) ولبني عريض (المصدر:3/255) والى بني غاديا (المصدر:3 /421 ) والى بني عوف من بني سليم (المصدر:3/434) والى راشد بن عبد رب السلمي (المصدر:3/436) والى بني جفال بن ربيعة بن زيد الجذاميين (المصدر:3/447) والى العداء بن خالد بن هوذة (المصدر:3/449) والى سعيد بن سفيان الرعلي (المصدر:3 /475) والى عك ذي خيوان (سنن أبي داود:2/40) والى يهود تيماء (الفائق:3/231) والى بني عمرو من حمير (الطبقات:1/265) والى بني أسد (الطبقات:1/269) والى بني عريض طعمة وهم قوم من يهود (الطبقات: 1/ 278).
وكان سفير النبي (صلى الله عليه وآله) والمفاوض عنه لثقيف، وكتب عهدهم . (الدرر/248).
ومن حبه للنبي (صلى الله عليه وآله) صنع لنفسه في الحبشة خاتماً عليه إسمه فأعجب النبي (صلى الله عليه وآله) فأخذه منه، وكان خاتمه الشريف .
وقال في الإستيعاب:2/422: «ذكر البغوي.. أنه أتى النبي (صلى الله عليه وآله) وعليه خاتم من فضّة مكتوب عليه: محمد رسول الله ، قال: فأخذه مني فلبسه وهو الَّذي كان في يده (صلى الله عليه وآله) ». وفي الإستيعاب:3/1177: أنه كان خاتم أخيه عمرو بن سعيد ، وأنه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) : « أخذه أبو بكر فكان في يده ، ثم أخذه عمر فكان في يده ، ثم أخذه عثمان فكان في يده عامة خلافته ، حتى سقط منه في بئر أريس ».
ورجع من الهجرة مع جعفر بن أبي طالب في سنة سبع. (الإستيعاب: 3/1177 ) .
شارك سعيد بفعالية في حروب النبي (صلى الله عليه وآله) وأمَّره في فتح مكة على سرية وأرسله قائد سرية الى ذي عَرَنة. ( التنبيه والإشراف/233 ).
وأرسله مع علي(عليه السلام) لفتح اليمن فجعله علي(عليه السلام) قائد مقدمته ، وبرز الى عمرو بن معدي كرب فنهاه علي(عليه السلام) ، وبرز اليه علي(عليه السلام) وصاح بعمرو صيحة علويةً فهرب ! ثم جاء عمرو واستأمن، وأعطى سيفه المشهور الصمصامة الى خالد.
وكان النبي (صلى الله عليه وآله) بعث خالد بن الوليد في جيش الى اليمن، فبقي ستة أشهر ولم يستطع فعل شئ، فأرسل علياً (عليه السلام) فقصد جهة، فتحرك خالد ليسبقه اليها فنهاه فلم ينتهِ، فبعث اليه خالد بن سعيد فأجبره على طاعة أميره.(كشف الغمة:1/229).
وقال ابن حجر في الإصابة:2/203: «وثبت في ديوان عمرو بن معد يكرب أنه مدح خالد بن سعيد بن العاص لما بعثه النبي (صلى الله عليه وآله) مصدقاً عليهم بقصيدة يقول فيها:
فقلت لباغي الخير إن تأت خالداً
تُسَرَّ وترجعْ ناعمَ البال حامدا
وقال ابن إسحاق وخليفة والزبير بن بكار: استشهد خالد يوم مرج الصفر وكذا قال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة. وقال محمد بن فليح عن موسى بن عقبة: استشهد يوم أجنادين. كذا قال أبو الأسود عن عروة. وقد اختلف أهل التاريخ أيهما كان قبل».
وعندما توفي النبي (صلى الله عليه وآله) جاء الى المدينة، وتفاجأ ببيعة أبي بكر، فغضب، واستنكر عمل أهل السقيفة، ووقف بقوة الى جانب علي(عليه السلام) وقال لبني هاشم: أنتم الظهار والبطان ، والشعار دون الدثار، والعصا دون اللحا ، فإذا رضيتم رضينا ، وإذا أسخطتم سخطنا...وبلغت أبا بكر فلم يحفل بها ، واضطغنها عليه عمر ، فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام ، قال له عمر: أتُولي خالداً وقد حبس عليك بيعته ، وقال لبني هاشم ما قال !». (شرح النهج:2/58).
وفي أسد الغابة:2/84:«فقال لبني هاشم: إنكم لطوال الشجر طيبوا الثمر ، ونحن تبع لكم . فلما بايع بنو هاشم أبا بكر بايعه خالد وأبان . ثم استعمل أبو بكر خالداً على جيش من جيوش المسلمين حين بعثهم إلى الشام ، فقتل بمرج الصُّفَّر في خلافة أبى بكر ».
وفي الإحتجاج:1/97، والخصال/461، عن أبان بن تغلب قال: « قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلى الله عليه وآله) : جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
قال: نعم ، كان الذي أنكر على أبي بكر اثني عشر رجلاً. من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي. ومن الأنصار: أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وأبي بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري.. وغيرهم، فلما صعد المنبر تشاوروا بينهم في أمره فقال بعضهم: هلا نأتيه فننزله عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقال آخرون: إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم، وقال الله عز وجل:وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى الْتَّهْلُكَةِ ، ولكن إمضوا بنا إلى علي بن أبي طالب نستشيره ونستطلع أمره . فأتوا علياً(عليه السلام) فقالوا: يا أمير المؤمنين ضيعت نفسك وتركت حقاً أنت أولى به ، وقد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإن الحق حقك ، وأنت أولى بالأمر منه ، فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك .
فقال لهم علي(عليه السلام) : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلا حرباً لهم ، ولا كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد ، وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول نبيها والكاذبة على ربها ! ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت ، لما تعلمون من وغر صدور القوم ، وبغضهم لله عز وجل ولأهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله) ، وأنهم يطالبون بثارات الجاهلية!
والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال ،كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ولببوني ، وقالوا لي: بايع وإلا قتلناك ، فلم أجد حيلة إلا أن أدفع القوم عن نفسي ! وذاك أني ذكرت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي إنِ القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك ، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر ! ألا وإنهم سيغدرون بك لامحالة ، فلا تجعل لهم سبيلاً إلى إذلالك وسفك دمك ، فإن الأمة ستغدر بك بعدي ! كذلك أخبرني جبرئيل عن ربي تبارك وتعالى !
ولكن إئتوا الرجل فأخبروه بما سمعتم من نبيكم (صلى الله عليه وآله) ، ولا تجعلوه في الشبهة من أمره ، ليكون ذلك أعظم للحجة عليه ، وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربه وقد عصى نبيه (صلى الله عليه وآله) وخالف أمره !
قال: فانطلقوا حتى حفوا بمنبر رسول الله يوم جمعة فقالوا للمهاجرين: إن الله عز وجل بدأ بكم في القرآن فقال: لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فبكم بدأ . وكان أول من بدأ وقام، خالد بن سعيد بن العاص بإدلاله ببني أمية فقال: يا أبا بكر إتق الله فقد علمت ما تقدم لعلي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا تعلم أن رسول الله قال لنا ونحن محتوشوه في يوم بني قريظة ، وقد أقبل على رجال منا ذوي قدر فقال: يامعشر المهاجرين والأنصار أوصيكم بوصية فاحفظوها ، وإني مؤد إليكم أمراً فاقبلوه ، ألا إن علياً أميركم من بعدي ، وخليفتي فيكم ، أوصاني بذلك ربي. وإنكم إن لم تحفظوا وصيتي فيه وتؤووه وتنصروه ، اختلفتم في أحكامكم ، واضطرب عليكم أمر دينكم ، وولي عليكم الأمر شراركم !
ألا وإن أهل بيتي هم الوارثون أمري ، القائمون بأمر أمتي ، اللهم فمن حفظ فيهم وصيتي فاحشره في زمرتي ، واجعل له من مرافقتي نصيباً يدرك به فوز الآخرة . اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فأحرمه الجنة التي عرضها السماوات والأرض!
فقال له عمر بن الخطاب: أسكت يا خالد فلست من أهل المشورة ولا ممن يُرضى بقوله. فقال خالد: بل أسكت أنت يا ابن الخطاب ، فوالله إنك لتعلم أنك تنطق بغير لسانك ، وتعتصم بغير أركانك !
والله إن قريشاً لتعلم أني أعلاها حسباً، وأقواها أدباً ، وأجملها ذكراً ، وأنك ألأمها حسباً ، وأقلها عدداً ، وأخملها ذكراً ، وأقلها من الله عز وجل ومن رسوله غنى . وإنك لجبانٌ عند الحرب ، بخيلٌ في الجدب ، ليئمُ العنصر ، ما لك في قريش مفخر ! قال: فأسكته خالد فجلس !
ثم قام أبو ذر (رضوان الله عليه) فقال، بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد يا معشر المهاجرين والأنصار، لقد علمتم وعلم خياركم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الأمر لعلي بعدي، ثم للحسن والحسين، ثم في أهل بيتي من ولد الحسين، فاطَّرحتم قول نبيكم، وتناسيتم ما أوعز إليكم، واتبعتم الدنيا وتركتم نعيم الآخرة الباقية التي لا يهدم بنيانها ولا يزول نعيمها، ولا يحزن أهلها، ولا يموت سكانها.
وكذلك الأمم التي كفرت بعد أنبيائها بدلت وغيرت، فحاذيتموها حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، فعما قليل تذوقون وبال أمركم، وما الله بظلام للعبيد!
ثم قام سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) فقال: يا أبا بكر إلى من تستند أمرك إذا نزل بك القضاء ، وإلى من تفزع إذا سئلت عما لا تعلم ، وفي القوم من هو أعلم منك وأكثر في الخير أعلاماً ومناقب منك ، وأقرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قرابة وقدمة ، وفي حياته قد أوعز إليكم فتركتم قوله ، وتناسيتم وصيته ، فعما قليل يصفو لكم الأمر حين تزوروا القبور ، وقد أثقلت ظهرك من الأوزار ، لو حملت إلى قبرك لقدمت على ما قدمت ، فلو راجعت إلى الحق وأنصفت أهله لكان ذلك نجاة لك يوم تحتاج إلى عملك ، وتفرد في حفرتك بذنوبك بما أنت له فاعل ، وقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا ، فلم يردعك ذلك عما أنت له فاعل، فالله الله في نفسك ، فقد أعذر من أنذر !
ثم قام المقداد بن الأسود &فقال: يا أبا بكر إربع على نفسك، وقس شبرك بفترك والزم بيتك ، وابك على خطيئتك، فإن ذلك أسلم لك في حياتك ومماتك ورُدَّ هذا الأمر إلى حيث جعله الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولا تركن إلى الدنيا ، ولا يغرنك من قد ترى من أوغادها ، فعما قليل تضمحل عنك دنياك ، ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك . وقد علمت أن هذا الأمر لعلي وهو صاحبه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد نصحتك إن قبلت نصحي.
ثم قام بريدة الأسلمي فقال: يا أبا بكر، نسيت أم تناسيت أم خادعتك نفسك أما تذكر إذا أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلمنا على علي بإمرة المؤمنين، ونبينا عليه السلام بين أظهرنا! فاتق الله ربك وأدرك نفسك قبل أن لا تدركها، وأنقذها من هلكتها، ودع هذا الأمر ووكله إلى من هو أحق به منك، ولا تمادِ في غيك ، وارجع وأنت تستطيع الرجوع ، فقد نصحتك نصحي ، وبذلت لك ما عندي ، فإن قبلت وفقت ورشدت !
ثم قام عبد الله بن مسعود فقال: يا معشر قريش قد علمتم وعلم خياركم أن أهل بيت نبيكم أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) منكم ، وإن كنتم إنما تدعون هذا الأمر بقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتقولون: إن السابقة لنا ، فأهل نبيكم أقرب إلى رسول الله منكم وأقدم سابقة منكم . وعلي بن أبي طالب صاحب هذا الأمر بعد نبيكم فأعطوه ما جعله الله له ، ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين !
ثم قام عمار بن ياسر فقال: يا أبا بكر، لا تجعل لنفسك حقاً جعله الله عز وجل
لغيرك، ولا تكن أول من عصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخالفه في أهل بيته ، واردد الحق إلى أهله ، يخفّ ظهرك وتقل وزرك ، وتلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض ، ثم تصير إلى الرحمن فيحاسبك بعملك ويسألك عما فعلت !
ثم قام خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين فقال: يا أبا بكر ألست تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري؟ قال: نعم، قال: فأشهد بالله أني سمعت رسول (صلى الله عليه وآله) يقول: أهل بيتي يفرقون بين الحق والباطل ، وهم الأئمة الذين يقتدى بهم !
ثم قام أبو الهيثم بن التيهان فقال: يا أبا بكر أنا أشهد على النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أقام علياً فقالت الأنصار: ما أقامه إلا للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه ولي من كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) مولاه، فقال (صلى الله عليه وآله) : إن أهل بيتي نجوم أهل الأرض فقدموهم ولا تقدموهم .
ثم قام سهل بن حنيف فقال: أشهد أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال على المنبر: إمامكم من بعدي علي بن أبي طالب ، وهو أنصح الناس لأمتي .
ثم قام أبو أيوب الأنصاري فقال: إتقوا الله في أهل بيت نبيكم ، وردوا هذا الأمر إليهم ، فقد سمعتم كما سمعنا في مقام بعد مقام ، من نبي الله (صلى الله عليه وآله) أنهم أولى به منكم . ثم جلس. ثم قام زيد بن وهب فتكلم ، وقام جماعة من بعده ، فتكلموا بنحو هذا ..
قال الصادق(عليه السلام) : فأفحم أبو بكر على المنبر حتى لم يحر جواباً ، ثم قال:وليتكم ولست بخيركم ، أقيلوني أقيلوني !
فقال له عمر بن الخطاب: إنزل عنها يا لكع! إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لم أقمت نفسك هذا المقام؟ والله لقد هممت أن أخلعك وأجعلها في سالم مولى أبي حذيفة. قال: فنزل ثم أخذ بيده وانطلق إلى منزله، وبقوا ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ! فلما كان في اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل(يقصد هيأ ألفاً) فقال لهم: ما جلوسكم فقد طمع فيها والله بنو هاشم؟ وجاءهم سالم مولى أبي حذيفة ومعه ألف رجل، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع أربعة آلاف رجل، فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول الله، فقال عمر:
والله يا أصحاب علي لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذن الذي فيه عيناه! فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال: يا ابن صهاك الحبشية أبأسيافكم تهددوننا، أم بجمعكم تفزعوننا، والله إن أسيافنا أحد من أسيافكم، وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين ، لأن حجة الله فينا.
والله لولا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وطاعة إمامي أولى بي، لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري! فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: أجلس يا خالد، فقد عرف الله لك مقامك وشكر لك سعيك. فجلس .
وقام إليه سلمان الفارسي فقال: الله أكبر الله أكبر! سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهاتين الأذنين وإلا صُمَّتَا ، يقول: بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه ، إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار ، يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك إلا وإنكم هم ! فهمَّ به عمر بن الخطاب ، فوثب إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ، ثم قال: يا ابن صهاك الحبشية ! لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم، لأريتك أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً !
ثم التفت إلى أصحابه فقال: إنصرفوا رحمكم الله ، فوالله لا دخلت المسجد إلا كما دخل أخواي موسى وهارون إذ قال له أصحابه: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ. والله لا دخلته إلا لزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو لقضية أقضيها، فإنه لا يجوز لحجة أقامها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يترك الناس في حيرة »! والإحتجاج:1/104.
وتقدم بعضه في الفصل الأول ، والفقرة الأخيرة تحدد موقف علي(عليه السلام) من نظام الخلافة القرشية بدقة . وقد كان موقف خالد بن سعيد رضي الله عنه شديداً على أهل السقيفة، فقام علي(عليه السلام) وهدأه ، وإلا لاصطدم بعمر وأهل السقيفة واقتتلوا !
وينبغي الإلتفات الى أن الفقرات التي نقلتها الرواية من خطب هؤلاء المهاجرين والأنصار هي بعض خطبهم ، ولا بد أنها تضمنت حججاً أخرى منها بيعة الغدير ، وقد احتجت بها الزهراء (عليها السلام) فقالت: وهل ترك أبي لأحد في غدير خم عذرا ؟!
ووصف علي(عليه السلام) أيام السقيفة فقال: «فأتى رهط من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) يعرضون عليَّ النصرة ، منهم خالد وأبان ابنا سعيد بن العاص ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والزبير بن العوام ، وأبو سفيان بن حرب ، والبراء بن مالك الأنصاري . فقلت لهم: إن عندي من نبي الله العهد وله الوصية ، وليس لي أن أخالفه ، ولست أجاوز أمره وما أخذه علي لله ! لو خزموا أنفي لأقررت سمعاً وطاعة لله عز وجل .
فبينا أنا على ذلك إذ قيل: قد انثال الناس على أبي بكر وأجفلوا عليه ليبايعوه ، وما ظننت أنه تخلف عن جيش أسامة ، إذ كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أمَّره عليه وعلى صاحبه ، وأمر أن يجهز جيش أسامة ، فلما رأيته قد تخلف وطمع في الأمارة ، ورأيت انثيال الناس عليه أمسكت يدي...فلبثت ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس ، رجعت عن الإسلام وأظهرت ذلك ، يدعون إلى محو دين الله وتغيير ملة محمد (صلى الله عليه وآله) ! فخشيت إن لم أنصر الإسلام وقعدت، أن أرى فيه ثلماً وهدماً تكون مصيبته عليَّ أعظم من فوت ولاية أموركم ، التي إنما هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب ، وينقشع كما ينقشع السحاب .
ورأيت الناس قد امتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فتألفته، ولولا أني فعلت ذلك لباد الإسلام !
ثم نهضت في تلك الأحداث حتى انزاح الباطل وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره المشركون». (المسترشد/411 , طبعة97، ودلائل الإمامة:1/83، من منشور من بضع صفحات كتبه (عليه السلام) ليقرأه المسلمون في بلادهم ).
وعرض عليه أبو بكر وعلى إخوته أن يرسلهم ولاة على بلدان ، فرفضوا ، فقد روى في الإستيعاب:2/422:«قال خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد: أخبرني أبي أنّ أعمامه خالداً ، وأباناً ، وعمرا ، بني سعيد بن العاص رجعوا عن عمالتهم حين مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال أبو بكر: ما لكم رجعتم عن عمالتكم؟ ما أحد أحقُّ بالعمل من عمَّال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إرجعوا إلى أعمالكم. فقالوا: نحن بنو أبى أحيحة لا نعمل لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبداً. ثم مضوا إلى الشام (الى الجهاد) فقتلوا جميعاً. وكان خالد على اليمن، وأبان على البحرين، وعمرو على تيماء وخيبر وقرى عربية، وكان الحكم يعلم الحكمة. ويقال: ما فتحت بالشام كورة إلا وجد فيها رجل من بنى سعيد بن العاص ميتاً . وكان سعيد بن سعيد بن العاص قد قتل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالطائف». ونحوه الحاكم:3/249 مختصراً .
واستشار أبو بكر علياً(عليه السلام) في غزو الروم فشجعه ، وعين خالد بن سعيد قائداً عاماً لجيش الشام . ويظهر أنه عندما نهض علي(عليه السلام) لنصرة الإسلام ودفع هجوم القبائل على المدينة بعد ستين يوماً من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ، كان معه خالد بن سعيد وإخوته ، ولا بد أن أدوارهم كانت مميزة كعادتهم ، وأن أبا بكر رأى بطولتهم في رد هجوم أتباع طليحة ، ورآهم رفضوا الولاية ، فعرض على خالد قيادة جيش فتح الشام ، واستشار خالدٌ علياً(عليه السلام) فشجعه ، فكان أول لواء عقده أبو بكر لواء خالد ، وكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام ومعه سبعة آلاف ، ووصل الى ذي المروة ، وهو قرب تيماء على بعد أربعة أيام من المدينة .
وفي تاريخ اليعقوبي:2/133: «وأراد أبو بكر أن يغزو الروم ، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله ، فقدموا وأخروا، فاستشار علي بن أبي طالب ، فأشار أن يفعل فقال: إن فعلت ظفرت . فقال: بُشِّرْتَ بخير! فقام أبو بكر في الناس خطيباً وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم، فسكت الناس، فقام عمر فقال: لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً، لانتدبتموه! فقام عمرو بن سعيد فقال: لنا تضرب أمثال المنافقين يا ابن الخطاب، فما يمنعك أنت ما عبت علينا فيه؟
فتكلم خالد بن سعيد وأسكت أخاه فقال: ما عندنا إلا الطاعة ! فجزَّاه أبو بكر خيراً ، ثم نادى في الناس بالخروج وأميرهم خالد بن سعيد ، وكان خالد من عمال رسول الله باليمن ، فقدم وقد توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فامتنع عن البيعة ، ومال إلى بني هاشم، فلما عهد أبو بكر لخالد قال له عمر: أتولي خالداً وقد حبس عنك بيعته وقال لبني هاشم ما قد بلغك؟ فوالله ما أرى أن توجهه ! فحل لواءه ودعا يزيد بن أبي سفيان ، وأبا عبيدة بن الجراح ، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، فعقد لهم وقال: إذا اجتمعتم فأمير الناس أبو عبيدة».
وفي تاريخ الطبري:2/586 ، وشرح النهج:2/58:«واضطغنها عليه عمر ، فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام ، قال له عمر: أتولي خالداً وقد حبس عليك بيعته ، وقال لبني هاشم ما قال» !
وروى البلاذري(1/128) عن أبي مخنف: «لما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد ، كره عمر ذلك، فكلم أبا بكر في عزله وقال: إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب . فعزله أبو بكر ووجه أبا أروى الدوسي لأخذ لوائه ، فلقيه بذى المروة فأخذ اللواء منه وورد به على أبى بكر ، فدفعه أبو بكر إلى يزيد بن أبي سفيان ، فسار به ومعاوية أخوه يحمله بين يديه . ويقال بل سلم إليه اللواء بذى المروة فمضى على جيش خالد وسار خالد بن سعيد محتسباً في جيش شرحبيل».
وفي تاريخ دمشق: 65/244: «عن ابن عمر قال: لما عقد أبو بكر الأمراء على الشام كنت في جيش خالد بن سعيد بن العاص ، فصلى بنا الصبح بذي المروة وهو على الجيوش كلها ، فوالله إنا لعنده إذ أتاه آت فقال قدم يزيد بن أبي سفيان ، فقال خالد بن سعيد: هذا عمل عمر بن الخطاب كلم أبا بكر في عزلي ، وولى يزيد بن أبي سفيان ! فقال ابن عمر: فأردت أن أتكلم ثم عزم لي على الصمت. قال: فتحولنا إلى يزيد بن أبي سفيان وصار خالد كرجل منهم . وقال محمد بن عمر ( ابن عساكر ): وهذا أثبت عندنا مما روي في عزل خالد وهو بالمدينة».
أقول: ذو المروة قرب أم القرى، وتبعد عن المدينة مسير أربعة أيام وأكثر، ومعناه أن خالداً بعد أن قطع بجيش الشام هذه المسافة وصله بريد أبي بكر، وكان عبد الله بن عمر في جيشه، فسلم الجيش الى يزيد بن أبي سفيان، وعاد هو الى المدينة.
رجع خالد بن سعيد الى المدينة وعَتِبَ على أبي بكر ، فاعتذر منه واحترمه ، فقد روى ابن عساكر(16/81): «عن محمد بن إسحاق أن خالد بن سعيد لما بلغه قول أبي بكر ونزعه ، لبس ثيابه وتهيأ بأحسن هيئة ، ثم أقبل نحو أبي بكر وعنده المهاجرون والأنصار أجمع ما كانوا عنده ، وقد تهيأ الناس وأمروا بالنزول بالعسكر، فسلم على أبي بكر ثم على المسلمين ثم جلس ، فقال لأبي بكر: أما أنت قد وليتني أمر المسلمين وأنت غير مُتَّهِمٍ لي ورأيك فيَّ حسن ، حتى خُوِّفْتَ أمراً ( أي خوفه عمر أن ينقلب عليه) والله لأن أخِرَّ من رأس حالق وتخطفني الطير بين السماء والأرض أحب إلي من أن يكون مني.(كأن عمر اتهمه عمر بحركة انقلاب)!
والله ما أنا في الإمارة براغب، ولا أنا على البقاء في الدنيا بحريص ، وإني لأشهدكم أني وإخوتي ومن خرجنا في وجهنا به من عون أو قوة في سبيل الله نقاتل به المشركين أبداً حتى يهلكوا أو نموت ، لا نريد به سلطاناً ولا عرضاً من الدنيا . قال: فقال له الناس خيراً ودعوا له .
فقال أبو بكر: أعطاني الله في نفسي الذي أحب لك ولإخوتك، والله إني لأرجو أن تكون من فصحاء الله في عباده، وإقامة كتابه واتباع سنة رسول الله.
قال فخرج هو وإخوته وغلمانه ومن اتبعه، وكان أول من عسكر ، قال: ولما تهيأ الناس للخروج وترافق الناس وانضمت المتطوعة إلى من أحبت ، نزل خالد بن سعيد تحت لواء أبي عبيدة يسير معه ، قال فقال بعض الناس لخالد بن سعيد حين تهيأ للخروج مع أبي عبيدة: لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبي سفيان . فقال: ابن عمي أحب اليَّ من هذا لقرابته، وهذا أحب إليَّ من ابن عمي في دينه وقرابته. هذا كان أخي على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووليي وناصري قبل اليوم على ابن عمي، فأنا به أشد استئناساً وإليه أشد طمأنينة .
فلما أراد أن يغدو سائراً إلى الشام لبس سلاحه ، وأمر إخوته فلبسوا أسلحتهم عمرو والحكم وغلمته ومواليه ، ثم أقبلوا من العسكر إلى أبي بكر الصديق فصلوا معه الغداة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما انصرفوا قام إليه إخوته فجلسوا إليه فحمد الله خالد وأثنى عليه ثم قال: يا أبا بكر إن الله قد أكرمنا وإياك والمسلمين طراً بهذا الدين ، فأحقُّ من أقام السنة وأمات البدعة وعدل في السيرة الوالي على الرعية . كل امرئ من هذا الدين محقوق بالإحسان إلى إخوانه، ومَعْدَلَةُ الوالي أعم نفعاً، فاتق الله يا أبا بكر فيما ولاك الله من أمره، وارحم الأرملة واليتيم، وأعن الضعيف والمظلوم، ولا يكن رجل من المسلمين إذا رضيت عنه آثر في الحق عندك منه إذا سخطت عليه ، ولا تغضب ما قدرت عليه فإن الغضب يجر الجور ، ولا تحقد وأنت تستطيع ، فإن حقدك على المسلم يجعله لك عدواً ، فإن اطلع على ذلك منك عاداك ، فإذا عادت الرعية الراعي كان ذلك مما يكون إلى هلاكهم داعياً. ولِنْ للمحسن واشتدَّ على المريب ، ولا تأخذك في الله لومة لائم .
ثم قال: هلم يدك يا أبا بكر أودعك ، فإني لا أدري هل تلقاني في الدنيا أبداً أم لا ، فإن قضى الله لنا الإلتقاء فنسأل الله لنا عفوه وغفرانه ، وإن كانت هي الفرقة التي ليس بعدها لقاء ، فعرفنا الله وإياك وجه النبي (صلى الله عليه وآله) في جنات النعيم .
ثم أخذ أبو بكر بيده وبكى وبكى المسلمون ، وظنوا أنه يريد الشهادة ، فطال بكاؤهم ! قال: ثم إن أبا بكر قال له: إنتظرني حتى أمشي معك . قال: ما أريد أن تفعل . قال: لكني أنا أريد ذلك ، ومن أراده من المسلمين . وقام الناس معه مشيعين ، فما زال يمشي معه حتى كثر من يشيع خالداً .
قال: فما رأى الناس مشيعاً من المسلمين معه من الناس من الصالحين، أكثر مما شيع خالد بن سعيد وإخوته يومئذ !
فلما خرج من المدينة قال له أبو بكر قد أنصفت لك إذ أوصيتني برشدي ، وقد وعيت وصيتك ، فأنا مرضيك فاسمع وصيتي: إنك امرؤ قد جعل الله لك شرفاً وسابقة في هذا الدين ، وفضيلة عظيمة في الإسلام ، والناس ناظرون إليك ومستمعون منك ، وقد خرجت في هذا الوجه ، وأنا أرجو أن يكون خروجك بنية صادقة ، فثبِّتِ العالم وعَلِّمِ الجاهل وعاتبِ السفيه المترف ، وانصح لعامة المسلمين ..ثم أخذ بيده فودعه ثم أخذ بأيدي إخوته بعد ذلك فودعهم واحداً واحداً وودعهم المسلمون ، ثم دعوا بإبلهم فركبوها ، وكانوا يمشون مع أبي بكر ثم قيدت خيلهم معهم بهيئة حسنة، فلما أدبروا قال أبو بكر: اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، واحطط أوزارهم وأعظم أجورهم. ومضوا إلى العسكر الأعظم.. قال ابن إسحاق إن خالد بن سعيد خرج وهو بمرج الصُّفَّر في يوم مطير ليستمطر فيه فقتله أعلاج من الروم».
أقول: بهذا تعرف المكانة المميزة لخالد بن سعيد التي تجعله يعظ الخليفة أبا بكر فيسمع منه، والتي لاتصل اليها مكانة خالد بن الوليد، ولا عمرو العاص ، ولا ابن وقاص.. وأمثالهم.
ومن الطبيعي أن خالداً لو التحق بجيش يزيد بن أبي سفيان لكان له موقع القائد ، لأنه أكبر منه سناً ، وهو صحابي قديم ويزيد من مسلمة الفتح ، وهو القائد والوالي من قِبَل رسول الله (صلى الله عليه وآله) . وهو بعد ذلك ابن أبي أحيحة سعيد بن العاص، الأعرق في قيادة بني أمية من أبي سفيان وأولاده.
ويظهر من كلام أبي بكر أنه كان يشعر بتأنيب الضمير لأنه أطاع عمر في عزله لكنه يريد كسب أبي سفيان الذي رفض بيعته حتى يعطيه مناصب لأولاده!
وقد وقع الإشتباه في هذه الرواية لأن الصحيح أن خالداً اختار الذهاب مع شرحبيل، وليس مع أبي عبيدة. ويدل عليه توصية أبي بكر لشرحبيل به:
قال ابن سعد في الطبقات:4/98: «لما عزل أبو بكر خالد بن سعيد، أوصى به شرحبيل بن حسنة ، وكان أحد الأمراء فقال: أنظر خالد بن سعيد فاعرف له من الحق عليك ، مثل ما كنت تحب أن يعرفه لك من الحق عليه ، لو خرج والياً عليك ، وقد عرفت مكانه من الإسلام ، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) توفي وهو له والٍ ، وقد كنت وليته ثم رأيت عزله ، وعسى أن يكون ذلك خيراً له في دينه . ما أغبط أحداً بالأمارة! وقد خيرته في أمراء الأجناد فاختارك على غيرك على ابن عمه، فإذا نزل بك أمر تحتاج فيه إلى رأي التقي الناصح ، فليكن أول من تبدأ به أبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وليكن خالد بن سعيد ثالثاً ، فإنك واجد عندهم نصحاً وخيراً .وإياك واستبداد الرأي عنهم أو تطوي عنهم بعض الخبر.
قال محمد بن عمر: فقلت لموسى بن محمد: أرأيت قول أبي بكر: قد اختارك على غيرك؟ قال: أخبرني أبي أن خالد بن سعيد لما عزله أبو بكر كتب إليه أي الأمراء أحب إليك؟ فقال: ابن عمي أحب إلي في قرابته وهذا أحب إلي في ديني، فإن هذا أخي في ديني على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وناصري على ابن عمي، فاستحب أن يكون مع شرحبيل بن حسنة ».
أقول: شرحبيل صحابي عرف باسم أمه أو مربيته حسنة . واسم أبيه المطاع من قبيلة غوث من كندة ، ولد ونشأ في مكة وتحالف مع بني زهرة ، وأسلم وهاجر الى الحبشة ، وكان صديقاً لخالد بن سعيد يحترمه ويناصره ، ولذلك اختار خالد أن يكون معه ، فأعطاه شرحبيل قيادة الخيل، وهي عصب القوة المقاتلة في الجيش ، ولا بد أن تكون خطط معركة أجنادين والمعارك التي خاضها شرحبيل من فكر خالد ، ولذا قلنا إن ثقل معركة أجنادين كان على عاتق خالد .
ومما يلاحظ أن خالد بن سعيد ، وهاشم المرقال ، وحفيدي عبد المطلب ، كانوا مع شرحبيل ، وأنهم نهضوا بثقل معركة أجنادين التي هي تبوك الثانية ، والثأر لجعفر بن أبي طالب .
وبعد فتح الشام، ولى أبو عبيدة شرحبيل بن حسنة على الأردن .
ففي الإستيعاب:2/794: «وولَّى أبو عبيدة حين فتح الشامات يزيد بن أبي سفيان على فلسطين، وشرحبيل بن حسنة على الأردن، وخالد بن الوليد على دمشق، وحبيب بن مسلمة على حمص».
لكن شرحبيل لم يكن يعجب عمر ، فعزله ! ولا سبب إلا علاقته الحسنة مع خالد بن سعيد، وأبي ذر ، وبلال ، وبقية الصحابة الذين يميلون الى علي(عليه السلام) ، ولم يشفع له أنه أبلى بلاء حسناً في معركة أجنادين ومرج الصُّفَّر واليرموك ، وغيرها من معارك فلسطين والشام والأردن !
قال الطبري:3/165: «وعزل شرحبيل ، واستعمل معاوية ، وأمَّر أبا عبيدة وخالداً تحته ! فقال له شرحبيل: أعن سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، إنك لكما أحب ، ولكن أريد رجلاً أقوى من رجل ! قال: نعم ، فاعذرني في الناس لا تدركني هِجنة ، فقام في الناس فقال: أيها الناس إني والله ما عزلت شرحبيل عن سخطة ، ولكني أردت رجلاً أقوى من رجل ».
وتوفي شرحبيل في طاعون عمواس وعمره 67سنة. (تاريخ دمشق:22/464).
ظلموا خالد بن سعيد لأنه شيعي ونسبوا بطولة معركة أجنادين الى غيره ! وتقع أجنادين قرب مدينة الخليل ، وقيل في وادي عَجُّور على بُعد 37 كيلو متراً عن الخليل، وثلاثين كيلو متراً عن الرملة. فهذه المنطقة بما فيها مؤتة، كانت مركز قوات الروم المدافعة عن القدس .
أن هرقل بعد انتصاره على كسرى حج ماشياً الى القدس، وكان ينوي غزو المدينة المنورة ويجمع قوات العرب في الشام ودومة الجندل مقدمةً لقوات الروم، فأراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن ينقل المعركة الى بلاد الشام، فأرسل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في السنة الثامنة للهجرة بجيش من ثلاثة آلاف مقاتل، فاشتبك مع قوات هرقل في مؤتة .
وكانت معركة مؤتة غير متكافئة، وقد استبسل جعفر بن أبي طالب ورفاقه قادة الجيش الإسلامي حتى استشهدوا وانسحب المسلمون، لكنهم أوصلوا رسالة بليغة الى هرقل، وتبعتها في السنة التالية غزوة تبوك بقيادة النبي نفسه (صلى الله عليه وآله) فكانت رسالة أبلغ، فانسحب هرقل من تبوك الى حمص، وراسله النبي (صلى الله عليه وآله) فأجابه هرقل بجواب ليِّن، ليتفادى المواجهة في تلك المرحلة.
ولم تقع مواجهة بين المسلمين والروم بعد تبوك إلا في أجنادين، وقد انتصر فيها المسلمون وانهزم الروم ، وترتب عليها تحرير فلسطين .
وكان بطل أجنادين خالد بن سعيد، فقد ثأر فيها لصديقه الحميم جعفر بن أبي طالب شهيد مؤتة، فقد عاش معه خالد في الحبشة، وعمل معه في دعوة الروم الى الإسلام، وحمل رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) الى هرقل .
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق:16/66: «عن سهل بن سعد الأنصاري قال: كانت وقعة أجنادين وقعة عظيمة. كانت بالشام وكانت في سنة ثلاث عشرة في جمادى الأولى، فذكر بعض أمرها، ثم ذكر إغاثة الروم لأهل دمشق حين حصارها، قال: فتركوا مرج الصُّفَّر فصمد المسلمون صَمْدهم...فلما نظر إليهم خالد عبأ لهم كتعبئة يوم أجنادين، فجعل على ميمنته معاذ بن جبل ، وعلى ميسرته هاشم بن عتبة ، وعلى الخيل سعيد بن زيد بن نفيل ، وترك أبا عبيدة في الرجال ». وتقدم أن ابن عساكر صحح سعيد بن زيد بخالد بن سعيد.
قال البلاذري:1/135: «ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مئة ألف سرَّب هرقل أكثرهم، وتجمع باقوهم من النواحي وهرقل يومئذ مقيم بحمص».
وفي فتوح الواقدي:1/48: «ورد علينا عباد بن سعد الحضرمي، وكان قد بعثه شرحبيل بن حسنة...من بصرى يُعلم خالداً بمسير الروم اليه من أجنادين في تسعين ألف فارس.. وكان القادة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) متفرقين في سوريا والأردن وفلسطين، فكتب لهم أبو عبيدة أن يسيروا بقواتهم الى أجنادين، وأمر الناس بالرحيل فرفعت القباب والهوادج على ظهور الجمال، وساقوا الغنائم والأموال». وهذا يدل على أن جيش شرحبيل كان أقرب الى جيش الروم.
«واجتمعت الروم بأجنادين، وعليهم تذارق أخو هرقل لأبويه، وقيل كان على الروم القبقلار». (الكامل:2/417) .
وفي فتوح البلاذري:1/135: «ثم كانت وقعة أجنادين.. ثم إن الله هزم أعداءه ومزقهم كل ممزق وقتل منهم خلق كثير. واستشهد يومئذ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، وأخوه أبان بن سعيد وذلك الثبت ، ويقال بل توفى أبان في سنة تسع وعشرين . وطُلَيْب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصي، بارزه علج فضربه ضربة أبانت يده اليمنى فسقط سيفه مع كفه، ثم غشيه الروم فقتلوه . وأمه أروى بنت عبد المطلب عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يكنى أبا عدى . وسلمة بن هشام بن المغيرة، ويقال إنه قتل بمرج الصُّفَّر . وعكرمة بن أبي جهل بن هشام المخزومي. وهبَّار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي، ويقال بل قتل يوم مؤتة. ونعيم بن عبد الله النحام العدوى، ويقال قتل يوم اليرموك. وهشام بن العاص بن وائل السهمي، ويقال قتل يوم اليرموك. وعمر بن الطفيل بن عمرو الدوسي، ويقال قتل يوم اليرموك. وجندب بن عمرو الدوسي . وسعيد بن الحارث . والحارث بن الحارث . والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي.. وقتل سعيد بن الحارث بن قيس يوم اليرموك، وقتل تميم بن الحارث يوم أجنادين، وقتل عبيد الله بن عبد الأسد أخوه يوم اليرموك . قال: وقتل الحارث بن هشام بن المغيرة يوم أجنادين . قالوا: ولما انتهى خبر هذه الوقعة إلى هرقل ، نَخَبَ (صار خالياً) قلبه ، وسقط في يده وملئ رعباً ، فهرب من حمص إلى أنطاكية ».
وفي الوافي:13/153: «ولم يزل به عُمر حتى عزله ، واعتذر إليه(أبو بكر) ثم أوصى به الأمراء ، وأبلى في حروب الشام بلاءً حسناً ، وقُتل خالد بمرج الصُّفَّر، وقيل بأجنادين ، وقيل باليرموك ، وقال وهو يقاتل أعلاج الروم:
هل فارسٌ كرهَ النِّزالَ يُعيرُني
رمحاً إذا نزلوا بمرج الصُّفَّر ».
والصحيح أنه لم يقتل في هذه المعارك ولا في اليرموك، وأنهم قتلوه بعد ذلك .
قال ابن عساكر في تاريخ دمشق:16/86: «خالد بن سعيد بن العاص بن أمية قتل بأجنادين.. وذكر سيف بن عمر في الفتوح أن خالد بن سعيد شهد اليرموك، وأنه لم يقتل بمرج الصُّفَّر ، وذكر أبو حسان الزيادي أن خالد بن سعيد يكنى أبا سعيد، وأنه قتل وهو ابن خمسين أو أكثر ، وكان وسيماً جميلاً». وسيأتي خبر قتله .
وفي شرح النهج:2/59: «ثم إنه بايع أبا بكر ، وبلغت أبا بكر فلم يحفل بها ، واضطغنها عليه عمر ، فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام قال له عمر: أتولى خالدا وقد حبس عليك بيعته ، وقال لبني هاشم ما قال ! وقد جاء بورق من اليمن وعبيد وحبشان ، ودروع ورماح ! ما أرى أن توليه وما آمن خلافه . فانصرف عنه أبو بكر ، وولى أبا عبيدة بن الجراح ، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنه ».
ونسبوا قيادة معركة أجنادين الى خالد بن الوليد لأنهم يحبون أباه الوليد ! بينما كانت القيادة مشتركة بين القادة الأربعة ، كل واحد منهم على جيشه . وكانت عمدة الإشتباك مع العدو لجيش شرحبيل بقيادة خالد بن سعيد .
قال خليفة في تاريخه/79: «قال ابن إسحاق: ثم ساروا جميعاً قِبَل فلسطين ، فالتقوا بأجنادين بين الرملة وبين بيت جبريل ، والأمراء كلٌّ على جنده . ويزعم بعض الناس أن عمرو بن العاص كان عليهم جميعاً . وعلى الروم القنقلار ، فقتل القنقلار . وهزم الله المشركين ».
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب:1/64: «كانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبى بكر الصديق قبل وفاة أبي بكر بدون شهر . ووقعة مرج الصُّفَّر في صدر خلافة عمر سنة أربع عشرة. وكان الأمير يوم مرج الصُّفَّر خالد بن الوليد ، وكان بأجنادين أمراء أربعة: أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص ، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، كلٌّ على جنده . وقيل إن عمرو بن العاص كان عليهم يومئذ ».
أقول: الأمر الطبيعي أن يكون كل قائد على جنده ، لأن خالداً جاء من العراق بخمس مئة نفر وقيل ست مئة وقيل ثمان مئة ، وكان جيش شرحبيل سبعة آلاف ، وفيه أهل مكة وقدامى الصحابة ، ومنه أكثر شهداء أجنادين، وجيوش القادة الثلاثة الآخرين شبيهة به ، ولم يعط أحدٌ منهم جيشه لابن الوليد ، لكن الرواة يكذبون لمصلحته، لأن قريشاً مسكونة بحبه لأنه ابن زعيمها الوليد بن المغيرة ، فهي تحبه وتحترم أولاده ، وتغض النظر عن وصف الله تعالى له بأنه عُتُلٌّ زنيم !
لاحظ رواية ابن عساكر في تاريخ دمشق:2/113، و81: «وأرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو بالعراق وقد فتح الله عليه القادسية وجلولاء ، فكتب له أن انصرف بثلاثة آلاف فارس فأمد إخوانك بالشام والعجل العجل . قال: فنزل خالد على شرحبيل ويزيد وعمرو فاجتمع هؤلاء الأمراء الأربعة ...
فأقبل خالد مغذاً جواداً فاشتق الأرض بمن معه حتى خرج إلى ضمير ، فوجد المسلمين معسكرين بالجابية . وتسامع الأعراب الذين كانوا في مملكة الروم بخالد ففزعوا له.. فنزل خالد على شرحبيل بن حسنة ويزيد وعمرو ، فاجتمع هؤلاء الأربعة أمراء ، وسارت الروم من أنطاكية وحلب وقنسرين وحمص وما دون ذلك . وخرج هرقل كراهية لمسيرهم متوجهاً نحو الروم ، وسار باهان الرومي ابن الرومية إلى الناس بمن كان معه».
فقد بلغ الأمر في الراوي أنه من حبه الأعمى لخالد نسيَ أنه جاء من العراق قبل أن تقع القادسية وجلولاء بسنتين !
ونسي أن جيش خالد كان بضع مئات فقط ، قال البلاذري:1/130: «لما أتى خالد بن الوليد كتاب أبى بكر وهو بالحيرة ، خلف المثنى بن حارثة الشيباني على ناحية الكوفة وسار في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمان مئة ، ويقال في ست مئة ، ويقال في خمس مئة ».
ثم نسي رواة السلطة أن عمر بن الخطاب عزل خالد بن الوليد في أول يوم تولى فيه الخلافة بعد أبي بكر، وكان ذلك بعد معركة أجنادين ، وقبل فتح دمشق ! فتراهم يتحدثون عن خالد على أنه قائد الجيش وقائد المعارك بعد عزله !
ويظهر أنهم أخذوا من أخبار خالد بن سعيد في معركة أجنادين ومعركة فِحْل ومرج الصُّفَّر وفتح دمشق ، ونسبوها الى خالد بن الوليد !
والقاعدة لمعرفة ذلك ، أنهم إذا نسبوا اليه أنه برز لأحد أو كان في الصف المشتبك مع العدو ، فهذه صفات خالد بن سعيد ، أما خالد بن الوليد فهو وعمرو العاص كما وصفه علي(عليه السلام) : «فإذا كان عند البأس فزاجر وآمر ، ما لم تأخذ السيوف مآخذها من الهام . فإذا كان ذلك فأكبر مكيدته أن يُمَرْقط ويمنح إسته ، قبحه الله وترَّحَه » .(الغارات للثقفي:1/513).
وتظهر لك الحقيقة من اعترافهم بأن خالد بن الوليد كان في آخر جيش المسلمين ، بعيداً عن المعركة ! بينما كان خالد بن سعيد قائداً مقتحماً .
قال في تاريخ دمشق:16/84: «حدثني إسحاق بن بشر قال: فبينا المسلمون قد طمعوا في فتح المدينة ، إذ قيل لخالد هذا جيش قد أقبل مدداً لدمشق من ملك الروم بأنطاكية ، فنادى خالد في الناس أن انصرفوا عن هذه المدينة إلى المدد الذي قد جاء من عند صاحب الروم ، وعبأ خالد الناس فسيروا الأثقال والنساء ، ثم جعل يزيد بن أبي سفيان أمامهم بينهم وبين العدو ، وصار خالد وأبو عبيدة من وراء الناس ، ثم رجعوا نحو الجيش وذلك الجيش خمسون ألفاً ، فلما نظر إليهم خالد بن الوليد نزل فعبأ أصحابه تعبئة القتال على تعبئة أجنادين ثم زحف إليهم فوقف خالد بن سعيد في مقدمة الناس يحرض الناس على القتال ويرغبهم في الشهادة فحملت عليه طائفة من العدو فقاتلهم واستشهد&. ومنهم من قال لم يستشهد خالد بن سعيد في هذا الموضع ، ولكنه قتل بمرج الصُّفَّر ، وذلك أنه خرج في يوم مطير يستمطر فتفاوت عليه أعلاج من الروم فقتلوه ».
ومعنى قول الرواية إن خالد بن سعيد كان في مقدمة الناس ، وهو قائد خيل شرحبيل بن حسنة ، يكشف لك أن ثقل المعركة كان عليه .
بينما كان ابن الوليد من وراء الناس، والناس هنا ثلاثون ألفاً، أو خمسون ألفاً كما قالوا، فكيف يقاتل خالد أو أبو عبيدة جيش الروم من وراء الألوف؟!
ثم انظر الى الرواية التي تبناها ابن الأعثم وفيها قيادة خالد لمعركة أجنادين ! فقد وصف ترتيبه للمعركة، ولم يصف قتاله فيها، ثم كتب عن لسانه رسالة الى أبي بكر يخبره عن مجرى الحرب ويبارك له النصر .
قال ابن الأعثم:1/115: «ذكر وقعة أجنادين ، وهي أول وقعة لخالد بن الوليد مع الروم . قال: فأصبح خالد يوم السبت يعبي أصحابه ، فجعل على ميمنته معاذ بن جبل ، وعلى ميسرته سعيد بن عامر بن جذيم ، وعلى جناح الميمنة يزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة على جناح الميسرة ، وخالد بن سعيد بن العاص على الكمين ، ثم جعل خالد بن الوليد نساء المسلمين من وراء الصفوف وأمرهن فاحتزمن وتشمرن وأخذن في أيديهن الحجارة ، وجعلن يدعون الله ويستنصرنه على أعداء المسلمين . قال: وجعل خالد بن الوليد لا يقر بمكان واحد ، ولكنه يقف على كتيبة كتيبة من المسلمين ويقول: إتقوا الله عباد الله ، وقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله ، ولا تنكصوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين، ولا تهنوا ولا تجبنوا عن عدوكم، ولكن إقداماً كإقدام الأسد الضارية فإنكم أحرار كرام ، وارفضوا عنكم هذه الدنيا واطلبوا ثواب الآخرة ، وأنتم الأعلون والله معكم . وبعد فإنكم إن هزمتم هؤلاء القوم كانت لكم هذه البلاد داراً للإسلام ما بقيتم أبداً، مع رضوان الله والجنة .
قال: ودنت الروم من المسلمين بخيلها ورجلها في الآلة والسلاح الشاك ، وقد تعبَّوا ميمنةً وميسرةً وقلباً وجناحاً ، وبين أيديهم يومئذ بطريق من بطارقة الروم يقال له قلفط ، عليه ديباجة منسوجة وعلى رأسه تاج من ذهب ، وتحته فرس أدهم مغرق السرج واللجام بالذهب .
قال: فقال أبو عبيدة بن الجراح: كبروا أيها المسلمون تكبيرة واحدة ، فإن الله عز وجل مهلكهم ومبدد شملهم ، قال: فكبر المسلمون وألقى الله الرعب في قلوب الكفار . قال: وهمَّ المسلمون بالحملة عليهم ، فقال خالد: لا تعجلوا حتى أحمل أنا، فإذا رأيتموني قد حملت فاحملوا . قال: فوقف المسلمون وجعلت سهام الروم تقع على عسكر المسلمين كالمطر ، فصاح رجل من المسلمين بخالد بن الوليد: أيها الأمير ! لماذا قد نصبتنا لهؤلاء الأعلاج هدفاً يرموننا بنشابهم حتى قد جرحوا منا جماعة! فقال له خالد: ويحك! إنما أنتظر الوقت الذي كان النبي (صلى الله عليه وآله) يحارب فيه فإنه وقت مبارك .
قال: فوقف المسلمون لا يزول واحد منهم من موضعه والسهام تعمل في ذلك عملها، فقتل يومئذ بالسهام أبان بن سعيد بن العاص رحمة الله عليه ، وقتل أيضاً هشام بن العاص، وسلمة بن هشام المخزومي ، ونعيم بن صخر العدوي، وهبار بن سفيان الأزدي ، وعبد الله بن عمر الدوسي ، فعندها ضج المسلمون إلى خالد وأمروه بالحملة ، فعندها قال خالد: إحملوا ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم كبر وحمل وحمل المسلمون معه ، وانكشفت الروم من بين أيديهم وأخذتهم السيوف ، فقتل منهم في المعركة ألف وسبع مائة رجل ، وقتل صاحبهم قلفط ، واتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم ، ومر القوم منهزمين على وجوههم حتى تفرقوا في الحصون . واحتوى المسلمون على غنائم الروم فجمعوها، وقدم خالد من أسر منهم وهم يزيدون على ثمان مائة رجل، فضرب أعناقهم صبراً ، وما أبقى على واحد منهم».
وأضاف ابن الأعثم: «ذِكْرُ كتاب خالد بن الوليد إلى أبي بكر رضي الله عنه بخبر وقعة أجنادين: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله بن عثمان خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خالد بن الوليد سيف الله المصبوب على أعداء الله المشركين. سلام عليك ! أما بعد فإني أخبرك أيها الصديق ، أنا لقينا المشركين بموضع من أرض الشام يقال له أجنادين ، وقد جمعوا لنا جموعهم ورفعوا صلبانهم ونشروا أناجيلهم، وتقاسموا بأيمانهم أنهم لا يفرون ولا يبرحون ولا ينصرفون ، حتى يقتلونا ويبيدونا ويخرجونا من بلادهم ، فلقيناهم ونحن بالله واثقون وبحبله معتصمون وعليه متكلون ، فطاعناهم بالرماح وكافحناهم بالصفاح ، وأرميناهم بالسهام ، وأذقناهم حر الحمام، فلم نزل كذلك حتى أعز الله عز وجل نصرة الإسلام وأظهر أمره وأنجز وعده وأفلح جنده وهزم الكافرين وحده ، فقتلنا في كل واد وحجر ، وتحت كل شجر ومدر ، فاحمد الله عز وجل يا خليفة رسول الله على إعزاز دينه وأوليائه ، وإذلال أعدائه ، وحسن صنعه بالمسلمين ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته . قال: فلما قرأ أبو بكر الكتاب الذي لخالد بن الوليد ، تهلل لذلك وجهه فرحاً وفرح فرحاً شديداً وسُرَّ سروراً ظاهراً ، ثم رمى بالكتاب إلى عمر بن الخطاب ، فلما قرأ الكتاب قَطَّبَ حاجبه وعبس وجهه ، ثم قال: قبح الله صلف خالد وتيهه وعجبه بنفسه ! يكتب إليك: من خالد بن الوليد سيف الله المصبوب على أعدائه . إن سيف الله هو الذي وضعه بذلك الموضع .
قال: فسكت أبو بكر هنيهة ثم قال: أبا حفص ! الحمد لله على نصر المسلمين فقرت بذلك عيوننا، فقال عمر: نعم فالحمد لله على ذلك، ولكن لا يجب أن يتسمى بسيف الله. قال: ثم كتب أبو بكر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد كتاباً لطيفاً يشكره على فعله بالمشركين ويبشره بثواب الله عز وجل ، ويبشر من معه من المسلمين ، ويقوي عزمهم ، ويأمرهم بالشكر لله عز وجل وذكره كثيراً ».
أقول: لاحظ أن خالداً جاء من العراق ببضع مئات، وتدعي الرواية أن الجميع سلموه جيوشهم ، فقادهم ووزع عليهم المسؤوليات ، ورتب المعركة ، وحقق النصر ، وكتب رسالة الى الخليفة بصفته قائد الجميع .
وأنه وجه المسلمين ووعظهم، وفيهم كبار الصحابة كأبي ذر وخالد بن سعيد الذي تقدمت موعظته للخليفة أبي بكر عندما خرج لوداعه في المدينة .
وذكرت الرواية أن ابن الوليد ترك المسلمين تحت السهام حتى يحين الزوال ، فقتل منهم عدد من الصحابة ، ثم أمرهم بالحملة. ولم تذكر أنه أمرهم بالصلاة !
كما حذفت الرواية من المعركة المبارزة ، وقد روت المصادر أن المعركة بدأت بمبارزة البطريق الفارس ، الذي قتله الصحابي ابن عم النبي (صلى الله عليه وآله) وهو عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنهم .
كما جعلت الرواية المعركة حملة واحدة قتل فيها قائد الروم قلفط ، وألفٌ وسبع مئة منهم ، فانهزموا ، وأسر المسلمون منهم ثمان مئة فذبحهم خالد ، ولم يستعملهم ورقة تفاوض لمصلحة المسلمين .
ثم أورد ابن الأعثم نص رسالة خالد الى أبي بكر ، وذكر أنه بدأ فيها باسمه قبل إسم الخليفة ، والرسالة الموجودة بالعكس ، وذكر أن خالداً أعطى لنفسه لقب سيف الله ، وأن عمر رد هذا اللقب ، مما يكشف كذب قولهم إن النبي (صلى الله عليه وآله) لقبه به وإلا لما رده عمر أو لأجابه أبو بكر بأن النبي (صلى الله عليه وآله) لقبه به فكيف ترده .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|