أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-03-2015
8937
التاريخ: 3-03-2015
10527
التاريخ: 4-03-2015
2398
التاريخ: 3-03-2015
1259
|
كان طبيعيا أن تنشط دراسات النحو في مصر مبكرة مع العناية بضبط القرآن الكريم وقراءاته، مما دفع إلى نشوء طبقة من المؤدِّبين على غرار ما حدث بالأندلس، كانوا يعلِّمون الشباب في الفسطاط والإسكندرية مبادئ العربية حتى يحسنوا تلاوة الذكر الحكيم، وأسهم في ذلك معهم غير عالم ممن كانت تجذبهم مصر إليها, ومن أقدمهم عبد الرحمن(1) بن هرمز تلميذ أبي الأسود الدؤلي المتوفى بالإسكندرية سنة 117 للهجرة، وقد عرضنا له في أوائل حديثنا عن نشوء مدرسة البصرة، وقلنا: إنه ممن أذاع نَقْط الإعراب ونَقْط الإعجام في المصحف، وإنه كان من جِلَّة القراء، وكان قد أخذ القراءة عن عبد الله بن العباس وأبي هريرة, وعنه أخذها نافع بن أبي نعيم مقرئ أهل المدينة وأحد القراء السبعة المشهورين. ومن أنبه القراء الذين خلفوه بمصر وأشهرهم ورش: عثمان(2) بن سعيد القبطي الأصل المتوفى في سنة 197 للهجرة، رحل إلى المدينة وأخذ عن نافع قراءته سنة 155 ثم عاد إلى الفسطاط، فانتهت إليه رياسة الإقراء بالديار المصرية، وكان ماهرا في العربية، وحمل عنه قراءته كثيرون أذاعوها لا في مصر وحدها، بل أيضا في الأندلس وفي المغرب, ولا تزال شائعة به إلى اليوم.
وأول نحوي حمل بمصر راية النحو بمعناه الدقيق وَلَّاد(3) بن محمد التميمي
ص327
البصري الأصل الناشئ بالفسطاط، وقد رحل إلى العراق، فلقي الخليل بن أحمد وأخذ عنه ولازمه، وسمع منه الكثير، وعاد إلى مصر ومعه كتبه التي استفادها في العربية من إملاءات الخليل، وأخذ يحاضر فيها الطلاب، ويقول الزبيدي: "إنه لم يكن بمصر كبير شيء من كتب النحو واللغة قبله". وكان يعاصره أبو الحسن(4) الأعز الذي تتلمذ على الكسائي. وبذلك اتصلت الدراسات النحوية بمصر في زمن مبكر بإمامي المدرستين الكوفية والبصرية.
وتلت هذه الطبقة طبقة ثانية لمع فيها اسم الدِّينَوري أحمد(5) بن جعفر الذي رحل من موطنه دينور إلى البصرة في طلب النحو، فأخذ عن المازني وحمل عنه كتاب سيبويه، ودخل إلى بغداد فأصهر إلى ثعلب، غير أنه كان يترك حلقته إلى حلقة المبرد، ثم قدم مصر واستقر بها يعلِّم النحو، وصنف لطلابه المصريين كتابا سماه "المهذب" ذكر في صدره اختلاف الكوفيين والبصريين، غير أنه لما أمعن فيه عوَّل على مذهب البصريين وخاصة على كتابات الأخفش الأوسط، وصنف في ضمائر القرآن مصنفا نوّه به القدماء, وقد توفي سنة 289 للهجرة.
وكان يعاصره محمد(6) بن ولاد بن محمد التميمي المتوفى سنة 298, وقد عكف مثل أبيه ولاد على دراسة العربية وبدأ بأخذ كل ما عند الدينوري ومعاصريه من النحاة المصريين أمثال محمود(7) بن حسان، ثم رحل إلى بغداد، وقرأ كتاب سيبويه على المبرد. وعاد إلى موطنه فتصدر لإقراء النحو وصنف فيه كتابا سماه "المنمَّق" حمله عنه المصريون، وانتقلت نسخته من كتاب سيبويه إلى ابنه أبي العباس.
ص328
ونزل في سنة 287 بمصر نحوي بصري من تلاميذ المبرد هو علي(8) بن سليمان الأخفش الصغير وظل بها حتى سنة 300 للهجرة يعلم النحو واللغة، وله تصانيف مختلفة فيهما، من أهمها شرحه على كتاب سيبويه، وكان يتعصب للمبرد والبصريين في تصانيفه.
وما نكاد نمضي في القرن الرابع الهجري لعصر الدولة الإخشيدية حتى تظهر طائفة من النحاة النابهين, في مقدمتهم كُراع النمل وأبو العباس أحمد بن ولاد. وكراع(9) النمل هو علي بن الحسن الهُنائي الأزدي، عاش حتى سنة 320 وقد رحل إلى بغداد، وأخذ عن النحويين البصريين والكوفيين. وكان يمزج في مصنفاته بين آرائهما وكان إلى آراء البصريين أميل، وصنف في اللغة كتبا مختلفة، من أهمها "المنضد" ويقال: إنه لقب بكراع النمل لقصره.
وأنبه منه وأشهر أبو العباس(10) أحمد بن محمد بن ولاد المتوفى سنة 332 للهجرة. وَرِثَ العناية بالنحو والإكباب على درسه عن أبيه وجده السالفين، وإليه صارت نسخة أبيه من كتاب سيبويه التي أخذها عن المبرد كما أسلفنا، وقد رحل إلى العراق وتتلمذ للزجاج البصري، وكان يعجب به لذكائه وبصره بمسائل النحو وقدرته على الاستنباط. وعاد إلى موطنه وظل يفيد الطلاب ويصنف في اللغة والنحو إلى وفاته. وعنه أخذ المنذر بن سعيد قاضي قضاة الأندلس معجم "العين" المنسوب للخليل. ويقال: إن بعض أمراء مصر جَمَعَ بينه وبين أبي جعفر النحاس للمناظرة، فقال له النحاس: كيف تبني مثال "افْعَلَوْت" من رميت؟ فقال أبو العباس: "ارْمَيَيْت" فخطأه النحاس قائلا: ليس في كلام العرب افعلوت ولا افْعَلَيْت. فقال أبو العباس: إنما سألتني أن أمثل
ص329
لك بناء ففعلت. قال الزبيدي: "وأحسن أبو العباس في قياسه حين قلب الواو ياء؛ لأن الواو تنقلب في المضارعة ياء؛ ولذلك تقول: ارمييت ولا تقول: ارميوت ... وتبع أبو العباس سُنَّة الأخفش سعيد بن مسعدة, فإنه كان يبني من الأمثلة ما لا مثال له"(11).
ومن مصنفاته المطبوعة كتاب المقصور والممدود على حروف المعجم, وهو كتاب نفيس في بابه. وله كتاب "الانتصار لسيبويه من المبرد" ومنه مخطوطة بدار الكتب المصرية، وفيه يتعقب المبرد في كتابه الذي تتبع به كلام سيبويه وسماه "مسائل الغلط" وكان قد كتبه في حداثته مما جعله يعتذر منه(12). وقد نقض عليه ابن ولاد كل ما أورده على الإمام النحوي الكبير، وفي كتاب الرد على النحاة لابن مضاء بعض أمثلة من نقضه(13) وله آراء نحوية مختلفة، كان يتابع فيها أحيانا الكوفيين على الرغم من إعجابه الشديد بسيبويه وأئمة البصريين، من ذلك تجويزهم أن يجري المقصور مثل مصطفى في جمعه جمعا سالما مجرى المنقوص، فيضم فيه ما قبل الواو في مثل: مصطفُون ويكسر ما قبل الياء في مثل: مصطفِين وقاضين، وكان يقول: إن ذلك لغة لبعض العرب(14). وكان يجوز مع أستاذه الزجاج أن تدخل لام الابتداء على معمول الخبر المقدم إذا كان مفعولا به مثل: "إن زيدا لطعامَك آكل"(15). وكان يذهب -وتبعه أبو علي الفارسي- إلى أن نون المثنى والجمع السالم عوض عن الحركة والتنوين في المفرد معا(16) وذهب -وتبعه ابن مالك- إلى أن "من" مع اسم التفضيل في مثل: "زيد أفضل من عمرو" للمجاوزة لا الابتداء كما ذهب سيبويه، كأنه قيل: جاوز زيد عمرا في الفضل(17) وكان سيبويه يذهب إلى أن قولهم: "لاهِ أبوك" أصله: لله أبوك؛ فحذفت لام الجر، ولام التعريف، وبنيت لاه لتضمنها لها مع
ص330
حذفها كما بُنيت أمس لتضمنها معنى لام التعريف. وذهب ابن ولاد إلى أن أصل "لاهِ أبوك": آلله أبوك, حذفت الهمزة النائبة عن واو القسم وقالوا: للهِي وخففت الألف (18). وكان يذهب إلى أن صيغة المبالغة "فَعِيل" تعمل عمل اسم الفاعل, فتنصب المفعول به مثل: شِرِّيب الماءَ (19).
ص331
______________________
(1) انظر في ترجمة ابن هرمز المراجع التي ذكرناها في حديثنا عن وضع البصرة للنحو.
(2) راجع في ترجمة ورش: معجم الأدباء 12/ 116، وطبقات القراء 1/ 52.
(3) انظر في ترجمة ولاد: طبقات الزبيدي ص233, وإنباه الرواة 3/ 354, وبغية الوعاة ص405.
(4) انظر الزبيدي ص233.
(5) راجع في ترجمة الدينوري: الزبيدي ص234, وإنباه الرواة 1/ 33, ومعجم الأدباء 2/ 239، وبغية الوعاة ص130 , وشذرات الذهب 2/ 190 .
(6) انظر في ترجمة محمد بن ولاد: الزبيدي ص236, وتاريخ بغداد 3/ 332، ومعجم الأدباء 19/ 105، وإنباه الرواة 3/ 224, وبغية الوعاة للسيوطي ص112.
(7) انظره في إنباه الرواة 3/ 264.
(8) راجع ترجمته في: الزبيدي ص125، ونزهة الألباء ص248، وإنباه الرواة 2/ 276، وتاريخ بغداد 12/ 433، ومعجم الأدباء 13/ 2461، وابن خلكان 1/ 332، وبغية الوعاة ص338، واللباب 1/ 26، وشذرات الذهب 2/ 270 .
(9) انظر ترجمته في: إنباه الرواة 2/ 240 ، ومعجم الأدباء 13/ 12، وبغية الوعاة ص333.
(10) راجع في ترجمة أبي العباس بن ولاد: الزبيدي ص238, وإنباه الرواة 1/ 99، ومعجم الأدباء 4/ 201, ومرآة الجنان 2/ 311، وبغية الوعاة ص169.
(11) انظر مناظرة ابن ولاد مع أبي جعفر النحاس في مسائل أخرى في كتاب الأشباه والنظائر 3/ 136-157.
(12) الخصائص لابن جني 1/ 206.
(13) انظر ص128 وما بعدها.
(14) الهمع 1/ 46.
(15) الهمع 1/ 139.
(16) الهمع 1/ 48.
(17) الهمع 1/ 36.
(18) الهمع 2/ 37.
(19) الهمع 2/ 97.
|
|
دور في الحماية من السرطان.. يجب تناول لبن الزبادي يوميا
|
|
|
|
|
العلماء الروس يطورون مسيرة لمراقبة حرائق الغابات
|
|
|
|
|
اختتام فعّاليات اليوم الأوّل من مؤتمر العميد العلمي العالميّ السابع
|
|
|